د. الخضر هارون
من عاشوا في الأرياف وفي مدننا المحاطة بالصحاري لا شك أنهم عاشوا الذعر الذي ينتاب السكان في بعض فصول العام حين تثور العواصف الهوج والرياح رغم تكرار حدوثها كل عام وأحيانا كل عامين أو بضع أعوام فلا فطام من الخوف والرعب فقد خلق الإنسان ضعيفا . تري في الأفق البعيد كيف تتراكم طبقات تلك الأعاصير فتبدو كالسيل أو السنونامي لمن شاهدوا صور ذلك الأعصار المدمر المرعب كأنه يوم الحساب، علي الأقنية الفضائية حيث تلامس الريح سطح الأرض تحث الخطي في سرعة البرق فتبدو كأمواج المحيط تهبط علي اليابسة بغتة ثم تتلون بحمرة تحاكي الدماء ثم تصفر وتصبح في مراحل الهجوم حالكة السواد والسواد يحجب الرؤية كما الليل الحالك فلا تعرف المخبؤ في أكنافه ولذا جاء التعوذ من ذلك المجهول بين طياته، (ومن شر غاسق إذا وقب). أي الليل إذا ولج.
ولعل أكثر بقاع الأرض شقاء بالعواصف الجنوب الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية حيث للعواصف موسم مدمر من الأعاصير تحمل أسماء تعرف بها تأتي كالقدر المحتوم كالقضاء فتدمر ما شاء الله لها من تدمير الأبنية وتمسح أحياناً منطقة بأكملها من البيوت المتحركة ( التريلات) فتري شيوخا وعواجيز يبكون بحرقة أمام الكميرات وهم يرددون ( لقد فقدنا كل شئ) ودموع الرجال غالية!
ولعل مرد الخوف في بلادنا وبلاد المسلمين ما ورد في كتاب الله في شأن الريح الصر التي سلطها الله عقوبة لعصيانه وتكذيب أنبيائه ورسله كالتي استخف بها قوم هود عندما قالوا لهود عليه السلام مستخفين بوعيد الله ،آتنا بما تعدنا فلما رأوا العاصفة آتية صدقوا أمنياتهم وكذبوا نبيهم بأن هي إلا غيث عميم جاء بعد انقطاع لري الحقول والإغداق عليها غدا بموفور المحصول: ” فلما رأوه عارضا مستقبلا أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا.” وضاعت تحذيرات نبيهم هود في صخب تمنياتهم الوردية باخضرار الأودية بالزرع النضير، ” بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم “! الأحقاف 24.
وفي صحراء نيفادا غرب أمريكا جاءت مثل تلك العاصفة مرة فنطقت المذيعة (روشيل ميدو) تصفها ،ولعل مواطنا من السودان دلها علي وصفنا لمثيلاتها في السودان ،فنطقت وبفصاحة وصف عاميتنا لها ( هبوب…هبوب..) يكاد يقتلها الضحك من غرابة الكلمة علي عجمتها وربما الذعر ،من يدري!؟
والخيبات التي ننالها وتقع علي رؤوسنا مثل الصواعق الحارقة عقب كل دفقة أمل في آت جميل مقبل تعقبها هوج الرياح ،تجعل أفراحنا مشوبة بالحذر والخوف فما كل بارقة تجود بمائها وما كل الأمل مظنة التحقق والتحقيق فبعضه مرده إلي العجلة والرغبة التي لم تحط بكل أسباب النجاح وبعضه رؤية قاصرة تري كثيرا ولا تري كل ما وراء الأكمة من صلال الفلاة من الأفاعي والحيات.
نحن نستشرف بشريات انتصارات في الأفق تعيد الملايين إلي دورهم في دفء الوطن وحنانه تشوبها مخاوف ونحن نري أطراف السودان وجواره كلها ملغومة موعودة بالفوضى العارمة والقتل علي الهوية : تشاد، إفريقيا الوسطي ، جنوب السودان وإثيوبيا يجري غراس الشر اللعين فيها علي قدم وساق في زمان توشك القوي المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وعلي رأسها أمريكا التي صنعت نظاما دوليا، أن تركله بالحذاء علي عهد الرئيس دونالد ترامب وهو نظام لم يخل أبدا من علل جوهرية شاخصة ولم يكن قد بلغ في يوم من الأيام حد العدل المطلق والمساواة المبتغاة بين دوله التي جاوزت المائةإلي نيف وتسعين بل غلب علي إراداته خمسة كبار في مجلسه الأعلي دون سائر البشر. لكنه مع ذلك قد حفظ للضعفاء المقهورين بعض الحقوق ، حق السيادة علي حدودهم وعدم التدخل في شؤونهم الخاصة بل وتكفل برد العدوان عليهم وحفظ سلاما بين دوله الكبري لثمانين حول دون حرب مدمرة رغم انتشار أسلحة الدمار الشامل في ربوع الكرة الأرضية شرقا وغرباً ورضيت أمريكا ثمناً لهيمنة حقيقية لها علي العالم بأساطيل في كل محيطات العالم وباقتصاد قوي وحزمة عقوبات قاتلة دون أن تحفل بألقاب كالامبرلطورية او الدولة الأولي أو الأقوي ورضيت في سبيل ذلك أن تنفق علي تلك المكانة من كيسها ومن أكياس من تقدر عليهم من ذوي النعمة واليسار. وجاء هذا الرجل التاجر دونالد ترامب بما رآه هو تفويضا مطلقاً بلا سقوف ، يريد أن ينقض علي ذلك النظام العجوز مضحياً بتلك الزعامة المشتراة، بعزلة مجيدة في لبوس هجمة وقحة لا تستتر في غلالة الكلمات وظلالها بل تقول للأعور أنت ناقص الابصار! وتأخذ بالقوة بنما وهي دولة وإن صغرت عضوء في الأمم المتحدة اقتطعت في الأصل من كولمبيا لحفر القناة علي ايدي الأمريكيين ولصالحهم والذين اهتبلوا فرصة فشل فرنسا في الاحتواذ عليها واعترفت كولمبيا باستقلالها منذ العام ١٩٠٣ وقبلها الولايات المتحدة بأيام .فهل يأخذ ترامب القناة دون الدولة وما قيمة الدولة التي تعتمد علي ريع القناة بعد أخذها ؟وقرينلاند هل تبيعها مملكة الدنمارك؟ وترحيل أهل فلسطين في شتات جديد هل يكون؟ و هل تطالب ألمانيا بالزاس واللورين؟ وهل يستطيع كل قوي الادعاء بملكيات سابقة حمي القانون الدولي ضمها إلي حيازات دول أخري وهل … وهل.. وهل …والحبل علي الجرار عند بئر العجائب المخبوءة عن أعين المستضعفين!
نقلاً عن الأحداث