السفير العبيد أحمد مروح يكتب :جلالة الملك ترامب !!

السفير العبيد أحمد مروح

يتصرف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منذ أدائه القسم في العشرين من يناير الماضي، كملك متوج، وليس كرئيس منتخب في واحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم !!

ولا يتصرف “جلالة الملك ترامب” كملك على الشعب الأمريكي الذي انتخبه فحسب، وإنما يتصرف كملك على كل العالم، فهو يريد أن “يوسع مملكته الخاصة” ليضم إليها كندا، وقناة بنما وجزيرة غرينلاند، ويريد أن يحتل أو يشتري – لا فرق عنده – قطاع غزة ليحوله إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”، ولهذا لافرق عنده بين أن يقبل أهل القطاع أن يساعدهم على البحث عن وطن بديل أو أن يسمح لآلة الحرب الإسرائيلية التي تستخدم الأسلحة والتكنولوجيا الأمريكية، أن تحصدهم عن بكرة أبيهم، فتهدم بيوتهم والخيام التي نزحوا إليها فوق رؤسهم، وتقطع عنهم إمدادات الماء والكهرباء والدواء، فمن لم يمت بالأسلحة والقنابل الأمريكية مات بغيرهما؛ وهو يريد فوق ذلك أن يُخضع بقية “الدويلات” المبعثرة على الكرة الأرضية إلى سلطانه، ويجعلها طوع بنانه، طمعاً في رضاه أو خشية من جبروته !!

يفعل الرئيس ترامب كل هذا، ولا أحد في العالم “الحر” أو العالم غير الحر، يقول له “عينك في راسك”، إذ أثبت ما يُعرف بالنظام الدولي، الذي تأسس عقب الحربين العالميتين، أنه في حالة موت سريري، والغريب في الأمر، أن ترامب يقول إنه يريد أن يجنب العالم حرباً عالمية ثالثة، من خلال وساطته لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي يراها الروس حرباً أوروبية على بلادهم، يريد الأوروبيون أن يورطوا فيها “الناتو” !!

 

 

نوايا الرئيس ترامب “وأقواله الطيبة” بخصوص تجنيب العالم حرباً عالمية – نووية، تقابلها “أفعال شريرة”، يتعرض خلالها الشرق الأوسط لحرب مدمرة تدور على أرض فلسطين وفي لبنان وسوريا، وفي اليمن، هدفها المعلن هو “تقليم أظافر” النفوذ الإيراني في المنطقة، ودفع إيران إلى داخل حدودها الجغرافية، وتفكيك برنامجها النووي والصاروخي، وليس سراً أن الطرف المستفيد من ذلك هو دولة الكيان، الابنة المدللة للغرب عموماً وللولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، وهي التي ظلت – منذ تسعينيات القرن الماضي – تخطط وتتحدث عن “شرق أوسط جديد” كانت تريده من مدخل السلام كما حدث في اتفاقيات أوسلو ومدريد، والآن تريد كل من الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها، أن تفرضاه عن طريق “القوة الغاشمة” !!

ليس معروفاً بعد، كواليس الإتفاق الذي يسعى الرئيس ترامب لعقده مع الرئيس بوتين، لكن يلفت نظر المتابع للأحداث، حديث ترامب المتكرر عن “تبادل أراض”، مما قد يعني أن إدارة ترامب، وهي تخطط لضم غرينلاد وغيرها، ترغب في كسب الموقف الروسي، مقابل أن يتضمن الإتفاق الروسي الاوكراني الذي يتوسط بشأنه ترامب تنازلاً عن أراض تعتبرها أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من ترابها الوطني لصالح روسيا ، وإن كانت هذه الأخيرة تعتبر أوكرانيا كلها أرضاً روسية !!

ينهي “الملك ترامب” اليوم زيارة لمنطقة الخليج، يعود بعدها منتفخ الجيوب والأوداج بعد أن وقع اتفاقيات بأكثر من ثلاثة ترليونات من الدولارات، والملفت للنظر في الخطابات التي ألقاها ترامب في محطاته الثلاث ، الرياض والدوحة وأبوظبي، أنه ظل يركز على أن هدف هذه الجولة وشعارها هو “أمريكا أولاً” أي أنه أتى ليضمن ضخ مزيدٍ من الاستثمارات الخليجية في الاقتصاد الأمريكي، ومزيدٍ من مبيعات المنتجات الأمريكية – وخاصة الأسلحة – للدول الخليجية، في حين خلت الخطابات عن وعود جدية – مجرد وعود – بتسوية نهائية لمشكلة المشاكل في الشرق الأوسط، وهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتجنبت الادانة الواضحة للجرائم التي ترتكبها إسرائيل بشكل يومي في فلسطين، وبطبيعة الحال لم يأت أحد على سيرة تداول السلطة والتحول الديمقراطي والحكم المدني، الذي يبدو أن لا محل له من الإعراب في العهد الترامبي، ولم يتحدث أحد عن “القيم الأمريكية” التي كانت تزعم الإدارات الأمريكية السابقة أنها تريدها أن تسود العالم !!

مثلما كان الراحل، العقيد القذافي، يطلق على نفسه “ملك ملوك أفريقيا” فإن الرسائل التي ظل يطلقها الرئيس ترامب منذ بداية عهدته الرئاسية الثانية، وكررها في جولته الخليجية هذه، أراد من خلالها أن يقول للناس أنه “ملك ملوك العالم”، وما خطابه في قاعدة العديد الجوية صباح الخميس، إلاّ تأكيد على ذلك، فهو صاحب أقوى جيش في العالم وأفضل أسلحة في العالم وسيطور القبة الحديدية لتصبح ذهبية، وستتسيد بلاده الأرض والبحار والفضاء، ومَن أراد أن يدين له بالحسنى فأهلاً به ومَن أراد خلاف ذلك فسيجد مِن أشكال “الضغط الأقصى” ما يعيده إلى صوابه !!

سبق للرئيس ترامب، أن عين زوج إبنته كبيراً لمستشاري البيت الأبيض، في عهدته الرئاسية الأولى، ولم ينس ترامب، وهو يغادر آخر محطاته في الشرق الأوسط اليوم، أن يشير إلينا بأنه عائد إلى بلاده للسلام على أحفاده الجدد، أي نعم أحفاده، ولم ينس وهو يخاطب القوات الأمريكية في قاعدة العديد الجوية، أمس، أن يشير بوضوح إلى أنه يفكر في عهدة رئاسية ثالثة، فهو يريد أن يجني حصاد هذه الترليونات التي حصل عليها، ويدرك أن أوان حصاد الجانب الأكبر منها سيحين بعد انقضاء العهدة الرئاسية الحالية، والرئيس ترامب يدرك أنه لكي يفعل ذلك، يحتاج أن يجري تعديلاً على الدستور الأمريكي، وقد سبق له أن أشار إلى ذلك. ومعنى هذا كله هو أنه بدلاً من أن ينقل ترامب إلى منطقتنا “عدوى” الديمقراطية التي لا تناسب بيئتنا، ها هو ينقل إلى بلاده “عدوى” الوراثة التي لا تناسبها !!

يُحكم الرئيس ترامب قبضته الشخصية على الحزب الجمهوري وعلى الكونغرس بمجلسيه، وعلى قطاع المال والأعمال، ولهذا نجده يتصرف وفق ما تمليه عليه قناعاته، وما يراه من مصالح “رائعة” يريد تحقيقها في عامه الأول قبل أن يأخذ موضوع تعديل الدستور مأخذ الجد، وقبل أن يحين موعد الانتخابات النصفية، التي قد تُحدث نتائجها تعديلاً في تركيبة مجلسي الشيوخ والنواب، ومن خلال إحكام القبضة نراه يقرر في أيام معدودة، ما كان الرؤساء السابقين يحتاجون إلى سنوات ليقرروا بشأنه، وقد لا يستطيعون، فهو يتخطى إسرائيل في أول زيارة له للشرق الأوسط، وهو يريد أن يصل إلى تسوية سياسية مع إيران وفق ما نصحه به أصدقاؤه القطريون، وهو يأمر برفع العقوبات عن سوريا، لأن صديقاه أردوغان ومحمد بن سلمان طلبا منه ذلك، بل ويلتقي بالرئيس أحمد الشرع الموضوع على قائمة الإرهاب!!

مفاجآت العهد الترامبي، لم تنقضِ بعد، ومما لاشك فيه أن بصمة “ملك ملوك العالم” ستُحدث تحولات جذرية في السياسة الدولية، ولو كانت هناك من عِبرة نعتبرها نحن في السودان مما يجري في بلادنا وفي العالم من حولنا، هي أن نأخذ أمرنا بيدنا لا بأيدي غيرنا، وبما يلزم من جدية، وأن ندرك أن المدخل لبناء علاقات مع العالم تقوم على الندية والاحترام وتبادل المصالح، هو في توحيد صفنا الوطني أولاً وتحديد وجهتنا ثانياً، وإدراك ديناميكيات عالم اليوم، إدراكا نافياً للجهل ثالثاً.

نقلاً عن موقع المحقق الإخباري

قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...