أعرب قطاع الزراعة والثروة الحيوانية في حزب المؤتمر السوداني عن بالغ قلقه إزاء مذكرة التفاهم التي أبرمتها شركة السكر السودانية مع شركة “رانج” السعودية، والتي تتعلق بالاستثمار في قطاع السكر والمصانع الحكومية داخل البلاد، معتبراً أن هذه الخطوة تمثل تهديداً مباشراً للمصلحة الوطنية وتكريساً لسياسات التفريط في الموارد الاستراتيجية، في ظل غياب المؤسسات الرقابية والتشريعية وانعدام الشرعية السياسية.
وفي بيان صادر بتاريخ الثلاثاء 19 أغسطس 2025، أشار القطاع إلى أن الاتفاقية التي تم توقيعها بين الشركة السودانية الحكومية ونظيرتها السعودية تفتقر إلى الشفافية، وتحيط بها حالة من الغموض، خاصة فيما يتعلق بالمعلومات الأساسية حول الشركة الأجنبية الموقعة، وقدرتها الفعلية على إدارة قطاع حيوي ومعقد مثل صناعة السكر، الذي يُعد من أهم الصناعات الاستراتيجية في السودان.
وحذر حزب المؤتمر السوداني المستثمرين المحليين والدوليين من الدخول في أي اتفاقيات مع السلطة القائمة حالياً، مؤكداً أن تلك العقود ستكون عرضة للإلغاء فور استعادة الحكم المدني، وأن أي محاولة لعقد صفقات استثمارية تحت مظلة الإنقاذ وإعادة الإعمار، دون معالجة قضايا الملكية والحقوق المكتسبة، تُعد مرفوضة جملة وتفصيلاً. وأوضح البيان أن مصانع السكر الحكومية، بما فيها الجنيد وسنار وعسلاية وحلفا الجديدة، تُصنف ضمن الأصول الوطنية الحيوية التي لا يجوز التصرف فيها دون توافق شعبي ومؤسسي.
وشدد البيان على أن أي شراكة جديدة لا تحافظ على نموذج المصانع الحكومية، أو تمس ملكية الأراضي الزراعية للمزارعين، أو تقلل من حصصهم، هي شراكة غير مقبولة ومآلها الفشل، وفقاً لما ورد في نص البيان. كما اعتبر الحزب أن التعاقد مع السلطة الحالية باطل قانونياً، نظراً لانعدام الشرعية الدستورية والشعبية، وغياب الإطار السياسي السليم الذي يضمن حماية المصالح الوطنية.
وأكد البيان أن الاتفاقيات التي تُبرم في هذا السياق تفتقر إلى الحصانة القانونية، وستكون عرضة للمراجعة والإلغاء بمجرد استعادة الشعب السوداني لحكمه المدني الديمقراطي، محذراً من أن أي استثمارات تُضخ في هذه المشاريع ستكون خاضعة للمساءلة القانونية عند قيام الدولة المدنية المنشودة.
وجدد حزب المؤتمر السوداني دعمه الكامل للمزارعين وسكان المناطق المحيطة بمصانع الجنيد وسنار وحلفا الجديدة وعسلاية، مشدداً على أن أي شراكة مستقبلية يجب أن تُبنى على حوار شفاف ومسؤول مع ممثلي المزارعين، وتضمن لهم حقوقهم كاملة، بما في ذلك حقهم في ملكية الأرض التي يعتمدون عليها في معيشتهم.
وفي سياق متصل، أشار البيان إلى أن التصريحات الصادرة عن الشركة السودانية الحكومية بشأن صفقة استيراد 600 ألف طن من السكر، بمعدل 50 ألف طن شهرياً عبر الشركة السعودية، تثير شكوكاً جدية حول مدى الالتزام بالشفافية، وتتناقض مع القواعد العالمية التي تحكم المشتريات الحكومية، والتي تستند إلى المناقصات المعلنة والمنافسة العادلة.
وأضاف البيان أن الاتفاق مع شركة “رانج” السعودية يزداد خطورة في ظل غياب معلومات موثوقة حول خبرات الشركة وقدراتها الفنية والمالية، ما يجعل الاتفاقية أقرب إلى صفقة تفتقر للمصداقية والجدوى الاقتصادية، بحسب تعبيره. وأوضح أن الظروف الراهنة من حرب وانعدام الأمن والمجاعة وانهيار البنية التحتية تجعل من تنفيذ المشروع أمراً غير واقعي، خاصة فيما يتعلق بتخزين ونقل وتأمين الكميات المستوردة، ما يعكس غياب رؤية استراتيجية واضحة، ويشير إلى وجود مصالح ضيقة تقف خلف هذه الخطوة.
ودعا البيان القوى السياسية والمدنية والمجتمعية إلى التكاتف والوقوف صفاً واحداً في مواجهة أي محاولات لبيع الأصول الوطنية في ظل غياب الشرعية، مؤكداً أن حماية ثروات البلاد تُعد جزءاً أساسياً من معركة استعادة الدولة المدنية.
وكانت شركة السكر السودانية قد وقعت في 25 يوليو 2025 مذكرة تفاهم أولية مع شركة “رانج” السعودية، نصت على بحث إمكانية الشراكة في تشغيل وتطوير مصانع السكر الحكومية. وفي توضيح لاحق بتاريخ 5 أغسطس 2025، قال مدير شركة السكر السودانية، خالد جاد الرب، إن المذكرة تضمنت توريد كميات من السكر إلى السوق المحلي بهدف تحقيق الوفرة والاستقرار، إلى جانب دراسة فرص الدخول في شراكة استراتيجية طويلة الأجل لتأهيل المصانع المتضررة.
وتعاني مصانع السكر الحكومية من تراجع حاد في الإنتاج، حيث خرج بعضها من الخدمة خلال الحرب التي شهدت سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من ولايتي الجزيرة وسنار طوال عام 2024. كما تأثر مصنع سكر حلفا الجديدة في ولاية كسلا بشرق البلاد من الإهمال الحكومي والتدهور المستمر، ما أدى إلى مغادرة عدد من الموظفين والمهندسين مواقعهم بسبب تدني الأجور وعدم انتظام صرفها، فضلاً عن توقف الحوافز الشهرية، الأمر الذي ساهم في تعميق الأزمة داخل هذا القطاع الحيوي.
مصدر الخبر
من هنا