تقرير .. رسائل أمل ومشاريع إعمار.. مشاهدات من لقاء رئيس مجلس الوزراء د.كامل إدريس
تقرير : عزمي عبدالرازق
لم تكن زيارة رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، إلى مصر مجرد زيارة دبلوماسية عابرة، بل كانت محطة فارقة في مسيرة الحكومة الجديدة. اللقاء في بيت السفير بالمعادي جمع طيفًا واسعًا من أبناء الجالية السودانية ورجال الأعمال والدبلوماسيين والصحفيين، الذين انتظروا كلمة حاسمة تنهي حالة الغموض وتفتح آفاق المستقبل.
إجابات صريحة وتأكيد للسيادة
على الرغم من ضيق الوقت وازدحام جدول أعماله، كان الدكتور إدريس في كامل لياقته الذهنية. استمع إلى كل سؤال ومداخلة بصبر واهتمام، ليُثبت أن حكومته لا تتخذ قراراتها في أبراج عاجية، فجاءت إجاباته واضحة وصريحة، بلا مواربة أو دبلوماسية تقليدية.
بدأ حديثه بحسم شديد، أنهى به الجدل الذي رافق تعيين وزير الثروة الحيوانية، الدكتور المنصوري، وأوضح أن الوزير لا يحمل الجنسية الإماراتية، حسب علمه، لكنه ألمح إلى إمكانية استبداله. ونفى أيضًا بشكل قاطع وجود أي مفاوضات مع الإمارات، مضيفًا: “البرهان في أم درمان وأنا هنا”، في إشارة واضحة إلى أن القرار السوداني يُصنع في السودان، ولا يوجد شخص مفوض بهذه المهمة.
رسائل أمل ومشاريع إعادة إعمار
انطلقت رسائل الأمل المتناسلة التي عكست أجواءً من التفاؤل والإيجابية، حيث بشر رئيس الوزراء بعودة الحكومة إلى الخرطوم في أكتوبر المقبل، وكذلك إعادة فتح مطار الخرطوم، معلنًا عن خطة طموحة لإعادة تخطيط وإعمار العاصمة. وأكد أن الأولوية القصوى هي توفير الكهرباء والماء، متعهدًا بمحاسبة أي وزير يقصر في مهامه. هذه الوعود لم تكن مجرد كلمات، بل كانت مشروعًا كاملًا لإعادة بناء الدولة، بالإشارة إلى “مشروع مارشال” لكل وزارة، وكشف عن تغلغل ما أسماه بـ”الطابور الخامس” في مفاصل الدولة، ولفت إلى أن الوزراء الذين تم تسميتهم أجرى لهم معاينات مباشرة، وأنهم يعملون مثل خلية نحل.
وقال إدريس إنه لا يستطيع الجمع بين منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وأنه يعمل أكثر من 22 ساعة في اليوم، مما يؤكد حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه.
وقد أعرب عن اهتمامه بتحديات الزراعة والتجهيز للعروة الشتوية، قاطعًا بأنه سيزور ولاية الجزيرة في الأسبوع المقبل. ووصف الوضع في أم درمان بأنه “أفضل من باريس أمنيًا”، وبشر بنجاح الموسم الزراعي الصيفي. والأهم من ذلك، كان هناك انفتاح كبير على الولايات الأخرى، مع التأكيد على أن وضعها أفضل نسبيًا، وهو ما يعطي مؤشرًا على أن جهود الحكومة لا تقتصر على العاصمة فقط.
وأشاد إدريس بالدعم المصري الكبير، الذي تجسد في تسهيلات التعليم والصحة، ومعالجة ديون الكهرباء، وبشّر بعودة رسوم الجامعات للطلاب السودانيين، كما هو الحال في السابق، وهى إشارة أيضاً وردت في حديث السفير عماد عدوي. كما جاء الوعد المصري بإطلاق سراح الموقوفين السودانيين في قضايا الهجرة. وبخصوص معاناة المغتربين في الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر والتواصل مع أسرهم، قال إنه طرح هذا الأمر على الحكومة المصرية التي وعدت بمعالجته. وأكد أن الحكومة ستتكفل بتوفير 500 بص من القاهرة إلى الولايات السودانية للراغبين في العودة الطوعية.
ومنح إدريس الفرصة أيضًا لوزير الإعلام والثقافة خالد الأعيسر، الذي قدم ملامح من رؤيته حول تطوير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون ووكالة سونا للأنباء، مشيرًا إلى اهتمامه الكبير بقطاع الإعلام، وكان يسأل عن بعض الأسماء، وتمنى أن براهم جميعاً في السودان. وقد حضر اللقاء أيضاً وزير الدولة بالخارجية، السفير عمر صديق الذي أجاب على سؤال حول عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي، وقال إن مجلس السلم والأمن الأفريقي سوف يصدر بياناً يؤكد فيه على شرعية الحكومة الجديدة.
شهادة ميلاد وشراكة استراتيجية
لم تنته القصة بهذا اللقاء، فقد رافقت رئيس الوزراء في جولة قصيرة قبل ختام الزيارة، حيث توقف عند مقهى “حديث المدينة”، ليحيي أبناء وطنه في لفتة إنسانية عفوية، تؤكد أنه لا يتردد في الاستماع إلى الناس في أي مكان، وتلمس همومهم.
تُعد هذه الزيارة، وهي أول زيارة خارجية لرئيس مجلس الوزراء، بمثابة شهادة ميلاد جديدة لسودان ما بعد الحرب وتأكيد على شرعية حكومة الأمل، سيما وأنها حظيت باهتمام شعبي ورسمي، ووضعت اللبنة الأساسية في طريق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
قد يعجبك ايضا
تعليقات