شقلاوي يكتب : جرائم السبتك تانك.. حين يطفو قاع الحرب

وجه الحقيقة

 

إبراهيم شقلاوي

              

منذ اندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل في العام 2023 ، تحوّلت العاصمة الخرطوم، وتحديدًا محلية بحري، إلى ساحة مفتوحة لانتهاكات ممنهجة ارتكبتها مليشيا الدعم السريع بحق المواطنين، بعيدًا عن أي التزام بالقوانين أو الأعراف الإنسانية. وقد كشفت عملية تحرير بحري مؤخرًا ليس فقط عن حجم الخراب، بل عن مآسٍ إنسانية مهولة، تشي بأن المعركة لم تكن فقط معركة أرض، بل معركة علي اجساد المدنيين الأبرياء. في منطقة شمبات الجنوبية ظهرت واحدة من أفظع تلك الجرائم، حين تمكنت فرق الدفاع المدني بولاية الخرطوم، بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر السوداني، من انتشال جثامين لنساء ورجال، ألقيت أجسادهم داخل بئر صرف صحي “سبتك تانك” بأحد المنازل. لم تكن مجرد جثث مجهولة، بل كانت لضحايا تعرّضوا لتعذيب قاسٍ، حملت آثاره عظامهم المهشمة وجماجمهم المكسورة، قبل أن يُلفوا بسجاد الصلاة ويُلقوا في قاع البئر، كما أكد تقرير الطب العدلي. الأكثر إيلامًا في تفاصيل الجريمة كان التعرف على جثمان الأستاذ منتصر أحمد الحسن الساعوري، مدير إدارة العمليات المركزية ببنك أبوظبي الأول، وزوجته وأطفاله الذين انقطعت أخبارهم منذ مايو 2023. رجل عُرف بدماثة أخلاقه ، وبُعده عن أي انتماء سياسي أو نشاط عسكري، لينتهي به المطاف وأسرته ضحايا داخل بئر السبتك تانك، لمليشيا لا تعترف بالقوانين اول القيم الإنسانية . هذه الجريمة جزء من سلسلة طويلة من الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في المناطق التي كانت تحت سيطرتها . وما شهدته شمبات وما جاورها ربما يخفي خلفه مآس مشابهة في منازل وأحياء أخرى ، لا تزال أسرارها مطمورة تحت ركام الخراب والدمار الذي خلفته الحرب. ومع كل كشف جديد، تزداد مسؤولية الحكومة ومؤسساتها الأمنية والعدلية في تطهير العاصمة والمناطق المحررة من آثار الحرب َو إنتهاكات المليشيا ، وضمان عودة الحياة الطبيعية، عبر عمليات التمشيط ، وتعقيم المواقع، والاستجابة العاجلة لأي بلاغات عن وجود أجسام غريبة ، أو عبوات ناسفة . لكن الأهم من ذلك أن هذه الفظائع تفرض على النخب السياسية والمجتمع الدولي ضرورة إعادة توصيف الصراع الجاري في السودان لاسيما الذين كانوا يسمونها إنها حرب بين جنرالين، فالحرب ليست مجرد نزاع على السلطة كما كشفت تطوراتها، بل معركة وجودية بين دولة تسعى لاستعادة سيادتها ومؤسساتها بعد أن أوشكت أن تنتزع عبر انقلاب المليشيا وداعميها المحلين و الإقليميين ، فتحول إلى أسوأ أشكال الإرهاب بحق المدنيين. هذه الجريمة تكشف عن نمط سلوك اتبعته المليشيا في مناطق سيطرتها، حيث أصبح القتل والتعذيب والإخفاء القسري أدوات لإخضاع المدنيين، وهي أفعال تضعها بشكل صريح تحت طائلة القانون الدولي الإنساني. فكما هو معلوم فإن المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، تحظر بشكل قاطع الاعتداء على الأشخاص الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، بما في ذلك القتل والتعذيب والمعاملة القاسية . كما أن البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، الذي ينظم النزاعات المسلحة غير الدولية، يكرر هذا الحظر ويشدد عليه، مؤكدًا أن استهداف المدنيين بأي وسيلة يُعد جريمة حرب.” وثيقة المنظمة الاممية” أن ما حدث في شمبات يندرج تحت تعريف الجرائم ضد الإنسانية كما نصّ عليه نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فوفقًا للمادة السابعة من النظام العدلي، يُعتبر القتل العمد والتعذيب والاختفاء القسري واضطهاد أي جماعة من السكان المدنيين، جرائم ضد الإنسانية وهو ما تنطبق أركانه بوضوح على الجرائم التي ارتكبتها المليشيا، في شمبات وغيرها. ما كشفته فرق الدفاع المدني في شمبات، وما أكدته التحقيقات الطبية والجنائية، يضعنا أمام مسؤولية قانونية وتاريخية لا تقبل التسويف أو المجاملة لأنه باختصار يعتبر خذلان للضحايا الذين ينتظرون من ينصفهم أموات بعد أن فشل انصافهم احياء. فالسكوت على مثل هذه الجرائم، أو التعامل معها كأحداث طارئة معزولة، يفتح الباب أمام ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويهدد بانهيار ما تبقى من الأخلاق و القيم القانونية والدستورية في السودان. لا يمكن لأي دعوة تدعي وقف الحرب أو التفاوض أن تتجاهل حقيقة أن الجرائم ضد المدنيين لأنها لا تسقط بالتقادم، وأن العدالة ليست خيارًا، بل شرطًا لاستعادة الأمن و السلام. على الحكومة السودانية، أن تجعل من هذه الحادثة ملفًا مفتوحًا أمام القضاء الوطني والدولي، وأن توثق كافة الانتهاكات وفق المعايير القانونية، وتفعّل قنوات التعاون مع المنظمات العدلية الدولية، لضمان محاسبة كل من تورط من المليشيا المتمردة أو داعميها المحلين و الإقليميين وألا يُترك دم الأبرياء ليتبخر في هواء الخرطوم دون قصاص. هذا وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة لقد عرّت جرائم السبتك تانك وجه الحرب القبيح، وجعلت قاعها يطفو علي السطح وأكدت تعريفها بكونها معركة للكرامة والعدالة قبل أن تكون معركة عسكرية. وإن دماء الأبرياء التي سالت تحت الأرض لن تجفّ إلا حين تترسخ دولة القانون، وتعود السيادة الوطنية كاملة ، بعيدًا عن الأطماع الإقليمية والدولية واطماع عملاء الداخل الذين رهنوا البلاد للأجنبي مقابل حفنة من المال والنفوذ. دمتم بخير وعافية. الإثنين 24 مارس 2025 م

Shglawi55@gmail.com

قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...