تحليل سياسي للراهن السياسي السوداني.
بقلم د محمد المجذوب
بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين نذر حرب عالمية وشيكة وهو أمر معروف ومعلن من قبل الطرفين، لا سيما بعد وصول بايدن للبيت الأبيض، عندما عمل على نقل مركز ثقل السياسة الخارجية الأمريكية نحو الخطر الصيني، وأعلن تخليه عن أجندة الحرب على الإرهاب بصفة عامة في السياسة الخارجية الأمريكية، وكذا الكثير من إلاجندة الأخرى في خطاباته الرسمية.
في الحرب الإثيوبية _الإثيوبية الدائرة منذ عام بين الفرقاء الاثيوبيين، استطاع التغراي استمالة دوائر القرار الغربية عموما، لصالح توجهاتهم بما لهم من شبكة علاقات واسعة في أمريكا خصوصا، واصبحو هم ممثلي المصالح الأمريكية في إثيوبيا. بالمقابل بدت السياسة الأمريكية مترددة تجاه رجلها ابي أحمد الذي صنعته ومنحته جائزة نوبل للسلام.
لم يجد الرجل (ابي أحمد)، بدا من الذهاب والتوجه نحو الاستنصار بالصين التي لها أكبر استثمارات في القارة الأفريقية في إثيوبيا، فقامت الأخيرة بنصرته بطائرات الدرون، عندها حقق الجيش الفدرالي الإثيوبي انتصارات استراتيجية على جيش جبهة تحرير التغراي الذي كان على أبواب العاصمة أديس أبابا، فتغير ميزان الحرب بالكامل فعادت العاصمة أديس أبابا آمنة بين ليلة وضحاها.
الحالة السودانية تعبر عن الوجة الآخر لصراع المصالح بين الصين وأمريكا، خاصة وأن السودان كان هو بوابة الاستثمارات الصينية في أفريقيا إبان عهد الإنقاذ، وللصين مصالحها الاقتصادية الكبيرة في السودان والتي لا تريد للولايات المتحدة الأمريكية الاقتراب منها.
وكما تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن رجلها في أديس أبابا (ابي احمد) ، فإنها ستتخلي عن رجلها في الخرطوم (د حمدوك)، لصالح الرهان على الرئيس البرهان، باعتباره قائد الجيش القادر على حفظ مصالحها الحيوية، ممثلة في هواجس عودة الإرهاب وضمان الاستثمارات الأمريكية وكذا منع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر حدود السودان في حالة فقدان الجيش السوداني للسيطرة على البلاد. وهي الرسالة التي قالها بوضوح نائب الرئيس حميتدي في مقابلته الأخيرة.
وبالمحصلة فإن د حمدوك ومن ورائه خصومه ومؤيديه من رفاقه في قوى الحرية والتغيير، يجدون أنفسهم وان ظهورهم باتت مكشوفة من الدعم الخارجي أو الإسناد الداخلي.
شباب الثورة المؤمن بشعارات وقيم الحرية والعدالة والديمقراطية عليه إعادة قراءة المشهد، وتوزع موازين القوى المتجدد، وعليه أن يبدي مرونه أكبر ويقود حوارا أوسع مع القوى السياسية الحزبية الكبرى، صاحبة المصلحة الحقيقية في التحول الديمقراطي، أعنى القوى والأحزاب (الإسلامية، الاتحادي الأصل، الأمة الأصل) كونها الأحزاب الكبرى الراغبة حقيقة في الانتقال الديمقراطي، وان يبتعد أكثر وأكثر من أجندة الاحزاب التي اختطفت الثورة، أعنى أحزاب اليسار (الشيوعي، البعثي، والقومي السوداني ، والناصري ومن على شاكلتهم )، كونها أحزاب صغيرة لا ناقة لها في التحول الديمقراطي والانتخابات ولا جمل.
إذا كانت القراءة للأحزاب القوي السياسية الكبرى ذات بصيرة أعنى القوى والأحزاب السياسية المذكورة أعلاه، باعتبارها صاحبة المصلحة الحقيقية في الانتقال الديمقراطي والانتخابات، فان عليها أن تتناسي خلافاتها، وتشكل تحالفا أو تفاهما سياسيا وطنيا موسعا تستطيع من خلاله الوصول الامن للانتخابات العامة ودوام الحريات العامة وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة.
عندئذ نفرح جميعا لوطننا السودان بتجاوزة أكبر أزمة سياسية، تكاد تؤدي بوحدته واستقراره.
محمد المجذوب
الجمعة 3 ديسمبر 2021