د. محمد المجذوب يكتب: الشباب الثائر وجدلية الحرية والنظام

الزرقاء ميديا

يحتاج شبابنا الثائر الى ان يستوعب وبوعي كامل اشكالية معادلة العلاقة بين الحرية والنظام في الحياة السياسية، فلا تتحول الحاجة الإنسانية الملحة للأمن والنظام الى حالة استبداد وطغيان ودكتاتورية، وحتى لا تتحول اشواق الحرية والتحرر الى فوضي خلاقة لا تبقي ولا تذر، لأنه عندما يباشر الناس ممارسة حرياتهم السياسية من الناحية العملية والممارسة اليومية، فإنهم يكتشفون إن الإمكانات العملية المتاحة لهم محدودة، وأنه لا بد للسلطة العامة من تقييد الممارسة العملية لما يمكن ممارسته من حريات وتنظيمها تنظيماً قد يعكس شيء من الشعور بالتقييد والمنع، على الأقل عند البعض، وذلك بحسب وضعهم وموقفهم المعارض بالنسبة إلى مركز القرار والتنفيذ.

ان علي الشباب السوداني، ان يدفع في اتجاه صنع عقد سياسي في السودان (الدستور) الذي يضمن الحرية ويحفظ النظام، بما يعنى أننا دائما في حاجة للكثير من الطرق التي تستعمل في فهم طبيعة السلطة العامة لتقييدها وهي ضرورة التفرقة بين مجالين الصلاح والفساد في مستوى الفعل العام والخاص، والتي يمكن الإشارة إليها من خلال معني العقود السياسية المنظمة للحريات والحرمات في الحياة العامة، فبحسب النظر السياسي المراد تجسيده في الواقع الظرفي للأمة السودانية يكون التمييز، أكان خطاباً مجتمعياً أم سلطانياً، مما يعطي إطاراً لقواعد ثابتة معروفة، ومستقرة، لنوع المؤسسات في السلطة ، والتي لا تميز ولا تفرق بين أي إنسان أو جماعة في القيام بالنشاطات السياسية الحرة.

فيكون العقد السياسي هو المعنى القانوني المحقق لإرادة الجماعة السياسية والمعبر عن سلطتها وأرادتها المدنية الجامعة، لاحتوائه على معانى الالتزام بالقيام بالالتزامات الأخلاقية والثقافية السائدة، كما هو أداة هامة لتعيين نظام سلطة الامة السودانية، باعتبار أن العلاقية التعاهدية تفسير طبيعة السلطة العامة الشرعية، لأنها تعني نوع التعاقد الارادي العاقل والأخلاقي بين افراد الشعب السوداني، وبالتالي تعين طبيعة السلطة العامة في المجتمع السوداني، فهو المؤسسة الأكثر قيمية والأكثر جوهرية والذي يشير إلى كيان أو جسد من العهود السياسية الأساسية المعبرة عن الشرعية السياسية لنظام السلطة العامة.

ان التعاقدية السياسية الحرة الممثلة في إرادة صنع الدستور ، ستكون العقد السياسي بين السودانيين كونه يضمن الحرية ويحقق النظام في أن، لأنه سيكون عبارة عن وثيقة مكتوبة مشكلة عقد التزامات من قبل أفراد الشعب السوداني، فيكون الأساس الدستوري الذي تخضع لها سائر المؤسسات السياسية في الدولة ، كمؤسسات السلطة العامة والهيئات القضائية وسائر المؤسسات في السلطات العامة والخاصة.

ي ان الوثيقة السياسية (الدستور) ، هي عبارة عن وثيقة قانونية تشرح ترتيبات مؤسساتية لضمان تنوع السلطة ولضمان المحافظة على التجديد الدوري لقيادة الدولة بغرض حامية القيم الثقافية والأخلاقية في المجتمع ، كما تشمل معانى توزيع السلطات والوظائف العامة والرقابة والتوازن بين السلطات والولايات والحكم الاتحادي … الخ. وبهذا المعنى فهي الشكل الأكثر عقلانية من أشكال الاتفاقات والعهود التي تستعمل مرجعيات المجتمع مؤسساً لها.

وهكذا فالمعني التعاقدي المطلوب في الحالة السودانية، يشير إلى ذلك الشيء الكلي الخارجي، الذي هو الجسد السياسي للدولة ، وعلى هذا فنفاذية وصلاحية موضوعات وقواعد العقد السياسي هي شيء منفصل وسابق لنظام مؤسسة السلطة العامة، كونها الجهة المؤسسية التي تعبير عن إرادة الشعب السياسية ومن هنا فإن تعديلها أو إلغائها يعتبر أمراً على درجة كبيرة من الأهمية.

وبذلك فإن معنى العقد السياسي هو الاستعمال الأكثر قيمية والأكثر جوهرية والذي يشير إلى كيان أو جسد من العهود العامة الأساسية المعبرة عن قيم واخلاقيات المجتمع، هذه الفكرية، بالرغم من أنها لم تتم الإشارة إليها بهذا المعني في الفكر السياسي التقليدي أو المعاصر، إلا إنها هي الأساس لوجهة النظر التي نطرحها في نظرية السلطة العامة كما بدت لنا. وهي فكرة كيان أو جسد من العهود والالتزامات، فالعهود التي ينظر إليها على أنها التزامات اخلاقية متضمنة في الوجدان الفردي أي متشكلة في السلوك واتجاهات الأفراد ، والتي تعمل على توجيه تصرفاتهم.

وهكذا فإن المعاني المختلفة للفكرة التي يحملها معني العقد السياسي، والتي على الشباب السوداني ادراكها لتحقيق تطلعاتهم في الحرية والتحرر ، ضمانه للمحتوي العقدي والأخلاقي للأفراد وتصديقه العملي الخارجي في الحياة السياسية، باعتبار أن الحرية الكاملة للإنسان في النظرة الاسلامية تكون عند طاعة الإنسان الكاملة لله وهو الأمر عينه الذي يحقق النظام في الاجتماع السياسي.

بمعنى إن علاقات الحرية والنظام تحل عندما توضع العلاقات على مستوى العلاقة بجلال الله تعالى كطرف والإنسان كطرف آخر بدل وضعهما كعلاقة بين حاكم ومحكوم كما في الفكر الغربي، فيكون الإيمان الذي يحقق الحرية، هو عينه الذي يحقق الأمن في الاجتماع، يقول تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ {الأنعام/ 82}. صدق الله العظيم .

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...