خلال الحرب العالمية الثانية في اربعينيات القرن الماضي وفي خضم العمليات العسكرية والهجمات الجوية والبحرية الألمانية على بريطانيا ووسط حرائق ودمار في لندن والمدن الرئيسة، توافد أعيان بريطانيا إلى مكتب رئيس الوزراء البريطاني الشهير ونستون تشرشل يشكون سوء الحال واستشراء الفساد واستغلال البعض للحالة الصعبة التي تمر بها البلاد.. و..و .. وما يرافق ذلك خلال الحروب.
عندها سأل تشرشل الأعيان والمسؤولين كيف القضاء؟ قالوا: إنه ما زال بخير، فرد عليهم قائلاً نحن إذن بخير وبقية الأمور الأخرى تعالج وما نحن فيه من فوضى وجرائم واستغلال البعض حالة وقتية.
تشخيص تشرشل ثبتت صحته إذ سرعان ما تعافت بريطانيا واستعادت سيرتها فعاد (الضبط والربط) في شتى مناحي الحياة، هذا كله كان بفضل الاهتمام بالقضاء وتعزيزه وجعله سلطة ثانية في البلاد بما يفضي إلى الاستقرار في تشريعات وقوانين والأنظمة التي تحكم نظام البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ومما يحفظ للاستعماري البريطاني تشرشل صاحب المقولة الشهيرة: (أحالف الشيطان من أجل النصر) أن ناظرة مدرسة بريطانية إبان الحرب العالمية الثانية أقامت دعوى أمام القضاء البريطاني تطالب بنقل مطار حربي قريب من المدرسة إلى مكان آخر لأن أزيز الطائرات عند إقلاعها وهبوطها يحدث صوتاً يزعج طلابها وفيه تعطيل للدراسة فضلاً عن أن المطار الحربي يجعل من المنطقة هدفاً للعدو لضربه بالقنابل مما قد يسبب خسائر في أرواح الطلبة الصغار ويصيبهم بأذى.
المحكمة البريطانية قضت بنقل المطار الحربي الى جهة أخرى بعيدة عن العمران مما أحرج السلطات البريطانية الحربية وبذلوا جهدًا لإيقاف هذا الحكم ولكن دون جدوى…
وأخيرًا لجأوا الى رئيس مجلس الوزراء المستر ونستون تشرشل ليوقف تنفيذ الجكم بدعوى أن نقل المطار سيضعف الدفاع الجوي البريطاني عن أداء رسالته ضد العدو النازي.
رفض المستر تشرشل هذا الطلب قائلاً: خير لنا أن تخسر بريطانيا الحرب ولا أوقف تنفيذ حكم قضائي. الرجل فعل ذلك إيمانًا منه أن أحكام القضاء عنوان الحقيقة وأن القضاء العادل هو أساس الملك.
وقطعاً فإن المستر تشرشل كان محقًا تمامًا في ذلك ..! لأن أساس تقدم أي دولة هو وجود قضاء صالح.! قضاء غير مرتشٍ !!
قضاء لا تمتد له يد الدولة من أجل التلاعب بحقوق الناس.!! قضاء لا تمتد له يد الأغنياء من أجل أخذ الحكم الذي يناسبهم بحق الفقراء!!
قضاء لا يعرف التسيس ولا المحسوبية ولا الرشاوى .. قضاء ينصف الحق ويعطي كل ذي حق حقه.!!
قضاء لا يعرف المادة قضاء لا يعرف الواسطة قضاء لديه رقابة صارمة لا ترحم كل مع من تسول له نفسه الاخلال بالنظام والتعدي على حقوق الآخرين والنيل من البعض بأساليب شتى..!!
هذا القضاء العادل هو فقط من سينهض بالأمم الكبيرة ودولها وينتشلها من الركود والفساد.. ولا يتم تحقيق ذلك إلا بتفعيل دور الرقابة القضائية الصارمة حينها فقط سيتم الحصول على نظام قضائي متكامل!!
شواهد التاريخ والتجارب تذهب إلى التأكيد بأن أي دولة وإن كانت متقدمة، وقضاؤها فاسد سوف تذهب بسرعة الصاروخ إلى قاع الدول المتخلفة لأن تقدمها في هذه الحالة بكل تأكيد هو تقدم وهمي!