نعم من صميم دعوتنا تناسي الجراحات والآلام الشخصية في سبيل غاياتنا الكلية والتي منها حفظ وحدة البلاد وأمنها واستقرارها والسلم المجتمعي بين ابناء شعبها فهذه من صميم مقاصد شريعتنا التي نضحي من أجل الدفاع عنها وحتى مقصد حفظ الدين تعتبر هذه المذكورات السابقة أساساً لابد منه للوصول له.
ولكن إخوتي الكرام لابد لنا كي نصل لهذا السلام المجتمعي المنشود أن نحدد أولاً ماهي المشكلة تجاه الوصول له.
إخوتي الكرام ليس العائق تجاه الوصول له هو استقطابات ثنائية الأطراف أو صراعات بين فرق وطوائف أو ثاراتٌ وأحقاد كما كانت مشكلة حرب راوندا وغيرها من الحروب العنصرية والقبلية ومطالب الدماء والقصاص وكما يظهر للناظر (بادئ الأمر) في أزمتنا اليوم في الشارع السوداني من خلال الهتافات ولكن الحقيقة فإن هذه الهتافات لا تعبر عن حقيقة الأزمة لأنها ليست إلا ساتراً يتغطى بها من صممها وخدع بها هؤلاء الشباب الذين يحركهم ويقودهم وهم أنفسهم (أي هؤلاء الشباب) يعلمون أن وراء هذه الهتافات فضاءٌ سياسي لابد أن يتجلى وأنهم منقادون لهذا الفضاء لا محالة وفي الحقيقة هم راغبون ومندفعون تجاه تنزيل هذا الفضاء البديل ولكن بغير قناعةٍ فيه..فقط منحوه قرابين الثقة دون أن يسدلوا أستاره.. وهذا بسبب الفراغ الذهني والعاطفي الذي ملأه من يقودهم من أحزاب البؤس والنفاق وابناء السفارات ومنظمات الارتزاق .
إخوتي الكرام سيظل أولئك العملاء يذكون فيهم النيران بلا انقطاع رغبةً في الوصول لأحلامهم السوداء.. وهؤلاء لا أمل فيهم ولا رجاء فللعمالة ظلماتٌ تعتمها قلوبُ خاوية وأفكارٌ هاوية..ظلماتٌ بعضها فوق بعضها أنى لها من نورٍ في زاوية ؟!
إذاً فإن أزمة البلاد الحقيقية هي العمالة والارتزاق والتدخلات الخارجية عبر وكلاء الاستعمار الحديث من قوى سياسية ومدنية تسعى لتسليم البلاد على طبق من ذهبٍ لحماتهم وأسيادهم يطمسون هويتها وسيادتها ويتلاعبون بتعليم أجيالها وعقولهم ويمزقونها لدويلات ينهبون ثرواتها ومواردها.. وإن الرضوخ لهذا المسار الأسود تحت ضغط الواقع وبداعي السلام المجتمعي اسمه (الاستسلام والهزيمة) لا اسم له غير ذلك مهما خدعنا أنفسنا بالمسميات الأخرى.. فلهو انحدار مريع وتنازلٌ شنيع.. ولا معنى للحياة بعده.
الحل يكمن في تفريغ طاقات هؤلاء الشباب وصرفهم عن هذا المعترك وعدم مواجهتهم بصورة مباشرة وتوعيتهم بالتدريج لما يحاك من ورائهم وأي توعية لا تتناول أزمات البلاد الحقيقة المذكورة سابقاً ستجعلنا ندور في دائرة مفرغة.
إخوتي الكرام إن قضيتنا وقضية شهدائنا من قبلنا أبداً لم تكن يوما ما مثلهم قضية دماء وقصاص وحقوق حتى نُطالب بالتنازل عنها.. فقد كان اخواننا منذ عرفناهم ومازالوا يتسامون على جراحاتهم وحقوقهم وحقوق اخوانهم في سبيل قضيتهم.. والتي هي قضية وطنٍ يكون أو لا يكون.. ووطن محفوظ الهوية والدين والوحدة والأمن والسيادة والعدالة الحقيقية غير المسيسة والحرية السياسية الحقيقية وعلى هذا يُبنى الوعي بالسلام وهذا هو الطريق الوحيد للسلام.. وسلام بغير أُسس يُبنى عليها هو عين الاستسلام.