العنصرية.. ومشكلة الهوية.. تسييس الكيانات القبلية

نبيل أديب: العقوبات في مواجهة مُثيري الكراهية ضعيفة والعنف بدوره يقود إلى حرب أهلية
علي بلدو: الأزمة النفسية التي يتعرض لها ضحايا العنصرية لا تقل عن ضحايا الإبادة الجماعية
الصائم: أسوأ استقطاب وفي سودان ما بعد الثورة تسييس الكيانات القبلية
الخرطوم: مهند بكري
حذر خبراء ومختصون من انفجار “قنبلة” العنصرية والتي تُعد طريقاً مُعبداً للحرب الأهلية التي شهدتها مناطق عديدة في العالم عبر العصور المختلفة.
وأمس الأول ضجت مواقع التواصل الاجتماعي والمجالس في البلاد بمقطع فيديو من محكمة مدبري انقلاب الثلاثين من يونيو 89 أظهر عبارات “عنصرية” موجهة إلى مُدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون يُرجح إنها خرجت من أحد محامي الدفاع.
وقال استشاري الطب النفسي والعصبي بروفسيور علي بلدو، في إفاداته لـ(اليوم التالي) إن المجتمع السوداني من أكثر المجتمعات عنصرية على وجه الأرض، واضعاً 10 مطلوبات لتفادي الانفجار.
فيما يرى الخبير القانوني المحامي، نبيل أديب، في إفاداته أن العقوبات المُضمنة في القانون الجنائي تحت المادة 64 والتي تعاقب على إثارة الكراهية والاحتقار أو العداوة ضد أي طائفة أو بين الطوائف ضعيفة، وتابع: “لكن الأهم من ذلك هو التأسيس لقبول الآخر عن طريق العدالة الانتقالية المؤسسة على الحقيقة والمصالحة والتي يتم فيها معالجة جميع الانتهاكات التي شهدتها البلاد بسبب التمييز العنصري.
أشياء يتم السكوت عنها:
ويرى بروفسور علي بلدو استشاري الطب النفسي والعصبي أن المجتمع السوداني هو من أكثر المجتمعات عنصرية على وجه الأرض هذا إن لم يكن أكثرها على الإطلاق منذ أن رست سفينة نوح إلى هذه اللحظة حسب قوله، من واقع تعدد مظاهر العنصرية في المجتمع من تقسيم الناس إلى أعراق مختلفة ومواطنين بأسماء مختلفة “مواطنين درجة أولى ودرجة ثانية” وإطلاق الألفاظ المهينة عليهم مثل “العب والخادم” وما شابه وهي كلها من الأشياء المسكوت عنها، لكن يتم التصريح بها في المجالس الخاصة وعلى حين غفلة وعند السمر مع الأصدقاء والأسرة وفي حدود القبيلة ولا يتم الاعتراف بها من الناحية القانونية والرسمية.
ارتباط العنصرية بمصطلح “البورة”:
بحسب بلدو المجتمع السوداني مجتمع يجيد النكوص والنكران وإخفاء الأمور بطريقة تدعو إلى الدهشة، وكذلك يجيد تغليف المواضيع المختصة بالعنصرية بأشياء أخرى كنوع من أنواع الحيل النفسية وميكانيزما الدفاع النفسي الذاتي للخروج من الشعور بتأنيب الضمير وجلد الذات وعدم الرغبة في الاصطدام مع الشرائع والأعراف السماوية والتي حرمت العنصرية كلها ولكن يتم التماهي مع هذا الأمر بنوع من أنواع الحيل النفسية كأنهم يتحدثون عن القبلية أو إعطاء كل ذي حقٍ حقه وغيرها، وكذلك يتم التكفير عن هذه العنصيرة بالأغاني المزيفة والخطب الرنانة وأيضاً الأشعار التي لا تسمن ولا تغني من جوع وتعد أيضاً من أسباب تمدد هذه الظاهرة في المجتمع ويمضي بلدو في حديثه لـ(اليوم التالي): بعيداً ليضيف أن العنصرية في المجتمع السوداني لها جوانب خفية لا يدركها الكثيرون ومنها “أنها من أهم أسباب البورة وعدم الزواج في السودان” نتيجة لرفض الأسر الأزواج والزوجات بناءً على القبيلة والعرق والإثنية، ولكن يتم أيضاً استخدام وسائل أخرى لـ(تطفيش) الأزواج والزوجات المحتملين وعدم التصريح لهم بهذه المشكلة وهذا أدى إلى شعور بعدم الرغبة في الزواج والعزوف عنه وأيضا انتشار البورة في المجتمع وعدم السعادة الزوجية لاحقاً، وأيضا ارتفاع معدلات الطلاق والانفصال وعدم الاستقرار الأسري، علاوة على تأثيرها في التنمية والتطور وهجرة الكوادر، وزيادة في معدلات العنف “اللفظي والبدني والرغبة في التمرد وتكوين المنظمات الإجرامية والحقد على المجتمع”، وتابع: هذا أيضاً يفرز واقعاً من عدم قبول الآخر وعدم الرغبة في الانسجام مع الآخرين ويهدد المجتمع السوداني من أساسه، ووجوده ويشكل ثقباً كبيراً في النسيج المجتمعي ويؤدي أيضاً إلى نوع من أنواع التضاد والتناكف وعدم المواءمة بين الفرد والجماعة وهذا يخلق واقعاً نفسياً طارداً وغير متوازن يقود إلى العنف وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، وكما يقول المختص النفسي بلدو إن العنصرية في السودان أصبحت مرضاً نفسياً أصاب الكثير والكثيرات من المواطنين ولكنهم لا يدرون أنهم مرضى به وليست لديهم الرغبة في التعافي منه، وكذلك يتم يوماً بعد يوم ازدياد هذا المرض مما أدخل المجتمع في حالة من الاكتئاب الجماعي والإحباط النفسي الشعبي وهذا بدوره سيقود بحسب بلدو إلى اصطدام قريب ما بين المجموعات ويؤدي أيضاً إلى ارتفاع حدة خطاب الكراهية وعدم الشعور بالسعادة مما يقود إلى انفراط العقد الاجتماعي، واستطرد بالقول: بالتالي نحن على خطر وشيك، ولا نقول إن قنبلة العنصرية هي في طريقها إلى الانفجار ولكن نقول إنها انفجرت فعلاً، وهذه بداية دويها وضجيجها.
10 مطلوبات لتفادي الانفجار:
وعن المعالجات يقول بلدو إنها تشمل إعادة تشكيل الشخصية السودانية وإعادة صياغة الفرد والجماعة وبث الثقافة الوطنية والنفسية والاجتماعية في المناهج الدراسية طيلة سنوات التعلم وكذلك تفعيل القوانين واللوائح وتجريم هذا الفعل ويسبق ذلك الاعتذار المتبادل والتوافق على عقد اجتماعي جديد يضمن الكرامة الإنسانية ويتم في نفس الوقت إنشاء مراكز مختصة ضد العنصرية وتقديم الدعم النفسي لضحايا العنصرية بحيث أن ضحية العنصرية بحسب بلدو لا يقل بأي حال من الأحوال من ضحايا الحرب والإبادة الجماعية.

الاستقطاب في سودان ما بعد الثورة:
فيما يقول أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية د. محمد خليل الصائم في إفاداته لـ(اليوم التالي) إنه وعلى الرغم من نشاط الوعي الشعبوي في سودان ما بعد الثورة المؤمن بفكرة المواطنة والشمولية رغم حداثتها إلا أن “انتشار فكرة التمييز والقبلية بطريقة فجة” يُهدد وحدة البلاد وتماسكها، مشيراً إلى أن السلوك العدائي للنظام البائد قاد إلى انفصال الجنوب وأجج الحرب في إقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأطر لفكرة “المركز والهامش”.
وبحسب الصائم فإن أسوأ استقطاب وفي سودان ما بعد الثورة تم بتسييس الكيانات القبلية وإدخالها في إدارة الشأن العام، وأضاف: ذلك النهج كان إبقاء لأثر صممه نظام الرئيس المعزول لحمايته وكان يجب التخلص منه باتباع شعار الثورة “يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور” هذا الشعار لا يعني دارفور الشكل أو الرقعة الجغرافية، بل يعني أنه يجب العمل على إنهاء كافة أشكال التمييز ولم شمل الوطن في كتله واحدة ترسم خارطة السودان المتعدد الأعراق والثقافات كعنوان للثراء الشعبوي والإرث الحضاري.
ويرى الصائم أن العنصرية ظلت موروثاً قديماً تؤجج خلال العقود الثلاثة الماضية، ذلك ما يتطلب احتشاداً لمقاومت استشرائه ومناهضة التمييز السالب بكافة أشكاله وأنواعه، ونصح الصائم بتحقيق دولة المواطنة والتي من شأنها أن تسن تشريعات قانونية وجزائية رادعة لضمان تخطي مرحلة الخطر.
حرب أهلية:
وبحسب الخبير القانوني المحامي نبيل أديب فإن التمايز العرقي والإثني قد يؤدي إلى توتر اجتماعي يقود إلى العنف الذي قد يصل في أقصى مداه إلى الحرب الأهلية متى ما كانت المكونات المختلفة تعيش في مناطق مستقلة عن بعضها البعض، ما لم تتم معالجة ذلك التوتر عن طريق التمازج الحضاري.
وأشار أديب في إفاداته لـ(اليوم التالي): إلى أن التمازج الحضري يتطلب خلق بيئة تسمح بتعايش الثقافات المختلفة عن طريق المؤسسات التعليمية والثقافية التي تقبل التنوع وتمنع التمييز بين تلك المكونات، مُشدداً في الوقت ذاته إلى أن الهدف النهائي من التمازج الحضاري هو اقتسام السلطة والثورة بين المكونات المختلفة بشكل منصف ومقبول لها.

دور دستوري وقانوني:
ويرى أديب أن القانون يلعب دوراً مهماً في ذلك فمن حيث الدستور فإنه هو الذي يؤسس لاقتسام السلطة والثروة لذلك فقد كان رفض الآباء المؤسسون للدستور الفيدرالي أو حتى الحكم اللامركزي عند الاستقلال سبباً لتأجيج الحرب الأهلية، أما القانون فيلعب دوراً مزدوجاً وهو من جهة يؤسس لتمازج الحضارات عن طريق إدخال الثقافات المختلفة في المؤسسات التعليمية والثقافية التي تخاطب المكونات المختلفة مع السماح بوجود فاعل للثقافة المحلية الخاصة بالمنطقة في مؤسسات المنطقة المعنية.
وبحسب أديب فإن القوانين العقابية تفترض أن تؤسس لرفض العنصرية عن طريق العقاب على العنف الجسدي واللفظي المؤسس على مشاعر عنصرية، وأشار إلى أن القانون الجنائي يعالج العنصرية عن طريق المادة 64 ونصها والتي تعاقب على إثارة الكراهية أو الاحتقار أو العداوة ضد أي طائفة أو بين الطوائف بسبب اختلاف العرق أو اللون أو اللسان وبكيفية تعرض السلام العام للخطر، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة.
وأضاف أديب: “هي كما نرى عقوبة ضعيفة ولكن الأهم من ذلك هو التأسيس لقبول الآخر عن طريق العدالة الانتقالية المؤسسة على الحقيقة والمصالحة والتي يتم فيها معالجة جميع الانتهاكات التي شهدتها البلاد بسبب التمييز العنصري”.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...