واجبهم شكر قحت: اعادة التلاحم بين الاسلاميين، هل يعيد التاريخ نفسه؟
عبد الغني احمد ادريس
المقولة الاشهر لكارل ماركس هي ان التاريخ لا يعيد نفسه ولو فعل فانه ملهاة عظيمة، او هكذا يترجمونها، تنتظم الساحة السياسية والاجتماعية السودانية هذه الايام نشاط سياسي كثيف يدعو للتصالح والوفاق الوطني، لكن الجديد فيه هو اطلاق مبادرات للتحالف بين مكونات التيار الاسلامي الذي يصفونه بالعريض وهي دعوة قد تبدو مزلزلة لاركان تحالفات قامت في العشر سنوات الاخيرة ووصلت جملتها لحوائط مسدودة بداية من اعلان تحالف الفجر الجديد الذي وقع في بعد انفصال الجنوب ولم يصل لشئ فقامت علي انقاضه الجبهة الثورية التي صارت ثلاث جبهات حاليا ثم جاء اعلان قوى نداء السودان ثم نداء باريس ثم تحالف قوي الحرية والتغيير الذي اصدر لنفسه صك ملكية بوضع اليد لثورة ديسمبر التي اطاحت بالبشير والتي تشظت اخر الامر الي ثلاث مكونات بدورها لكن المهم عندها هو أن العسكر الذين خلفوا البشير في مؤسسته الامنية قد صدقوا صك ملكيتهم وقاموا بتسليم التحالف سلطة اتضح لاحقا انها اكبر من مقدرتهم على ادارتها او حتي على استيعاب وادارك حجم مسئوليتها فعمد رموز التحالف الي تصفية الحسابات والانتقام من الخصوم والتشفي ولو على حساب البعد الاستراتيجي لحكمهم ودولتهم التي هي بيضة تحت التكوين.
الخيط الناظم للتحالفات التي ذكرناها اعلاه هي ان جملتها اتضح انها تستهدف الي اقصاء الاسلاميين ولو تلونت مواثيقها بشعارات براقة، ولا اوضح من هذا علي ما ذكرنا بان اول برنامج قامت به رموز هذه التحالفات المتشظية هو سعيها للتشفي والانتقام، في المقابل عكف التيار الاسلامي منذ سقوط دولة البشير الي دراسة وتنقيح تجربته بصورة مكثفة وبطريقة مؤلمة اشبه برش الملح على الجرح، وانتظمت منازلهم ومقار لقاءتهم الاجتماعية والثقافية حلقات بحث وتفتيش في الذات بصورة عميقة وبعيدة وكانت الخلاصة المستفادة ان الرماح المجتمعة يستعصي كسرها وانها اذا افترقت تكسرت احادا كما يقول المثل العربي القديم،
ومن المهم الاعتراف ان النقاش الذي جري هذا اخذ بقشور الاحداث ولم ينفذ الي لب الازمة التي تعتور مسار هذا التيار السياسي الهام في البلاد فالجميع يعلم ولكنهم يتغافلون عن ان الازمة الفكرية لهذا التيار لم تبدا يوم بيان ابن عوف ولا يوم اعلن البشير نيته الترشح لانتخابات ٢٠٢٠ ولا يوم الرابع من رمضان ديسمبر ١٩٩٩م بل هي ابعد من هذا
، لكن ضغط الاحداث وتسارع سطحية الخصم في تسديد اللكمات دفع هذا التيار العريض الي الاسراع في تنظيم خصومه والعمل علي تناسي الخلافات والتسامي فوق الجرح والسرعة الي اعادة التلاحم ولو تحت السطح قبل الظهور الي العلن.
وفي سياق متصل قام اعداءهم بتقديم خدمتين استراتيجيين لهم الاولي ان الخصوم في سعيهم للتشفي والانتقام وضعوا بيض كل الاسلاميين في سلة واحدة فاضطرهم للتوحد ولو بغريزة الدفاع عن النفس وتناسي الخلافات التي قام التاريخ بعملية فوتشوب لها كما ذكرنا والخدمة الثانية كانت في الفشل الذريع الذي قامت به مكونات تحالف الحرية والتغيير في ادارة الدولة وما خلفته ثلاثون شهرا من حكمهم من تفكك النسيج الاجتماعي والتفسخ الاخلاقي وانفلات امني حتي في عاصمة البلاد ولكن الانكى من مخلفاتهم هو الكوارث الاقتصادية التي من شواهدها الارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم في تاريخ البلاد والغلاء الفاحش الذي بات يضرب كل بيت وكل فرد في المجتمع وما جره ذلك من تعطل في الخدمات والتعليم والصحة وغيره حتي صار اقصي حلم للمواطن هو العودة الي اسواء ايام حكم البشير مستجيرا من نيران هذا التحالف، هذه الخدمة الثانية التي ذكرناها خلقت انفصال تاريخي بين مكونات هذا التحالف والشارع السوداني فصارت نظرت المواطن البسيط لمنسوبي التيار الاسلامي في الطرقات اقرب للاعتذار عن سوء الظن بهم بل وفيها درجة من الحنين الي ايام عهدهم التي لم تكن قطعا جنة فردوس مفقود لكنها كانت اقل درجة من التعب والضنك اليومي.
علي هذه الخلفية وفسيفساءه يأتي المؤتمر الصحفي المنتظر يوم غدا لوضع خطوط عريضة لاعادة اللحمة بين مكونات هذا التيار والذي يرجو الانسان السوداني ان يكون عاقلا معقولا لا يسعي للانتقام من الخصوم ولا يرنو الي أشانة السمعة والشتائم مثل ما وقع من بعض رموزهم قبل ايام في المطاعنة بالشهادات او المؤهلات، بل المطلوب سماع صوت عاقل رزين يدعو للوحدة واعلاء صوت الحقيقة فواقع السودان اليوم في ابريل ٢٠٢٢ بعيد تماما عما كان عليه قبل ثلاث سنوات بل ايضا الواقع الاقليمي والدولي بعد جائحة كورونا وانسحاب افغانستان وحرب اوكرانيا لم يعد هو ذات الواقع الذي كان قبلها، فالنظر بعقلانية للاحداث والتطورات التي انتظمت البلاد في هذه الشهور الثلاثين الاخيرة يستوجب درجة اكبر من الوعي والحكمة والاعتراف بالاخر وتناسي الجراح اكثر من اي وقت مضي فلو كانت غريزة الدفاع عن النفس الزمت الاسلاميين بالتنادي والتداعي وتناسي خلافاتهم طوال الاربعين سنة الماضية فالواجب الان ان يفعلوا ذات الشي لاجل الوطن مع شركاءهم في المشهد السياسي من خصومهم، في بلاد تتقاذفها الرياح الهوج من كل جانب ويطمع فيها كل طامع .