محمد المكى ابراهيم… بعض الرحيق
محمد المكى ابراهيم… بعض الرحيق
كمال الجزولى : تجاوز شعره ضيق التعاليم النقدية ضمن تقاليد المدرسة العربية :
حاتم الكنانى : يحتفي شعره بالبساطة العميقة، يعكس وجه الشعر والشاعر والحياة:
عمر عشارى : ديوان (أمتي) شكل وجداننا وأسهم فى صياغة الضمير الثورى لجيل اكتوبر ومابعده
فى أمسية رمضانية.. اكتظت خيمة منتدى دال الثقافى بقاعة التميز، وأكد الحشد الكبير من مختلف الأعمار نساء ورجالاً وشابات وشباب أن شاعر ( أمتي) و ( بعض الرحيق أنا والبرتقال انت) أكد ذلك الحشد الكريم أن الشاعر محمد المكي ابراهيم لازال بشعره يحتل مكاناً مرموقاً فى وجدان الأمة السودانية ،محمد المكى إبراهيم شاعر سوداني ولد بالأبيض في ولاية شمال كردفان، تلقى تعليمة الأولي هناك ودرس الثانوية في مدرسة خورطقت ثالثة أهم ثانويات السودان في ذلك العهد، ثم تخرج في جامعة الخرطوم كلية القانون، والتحق في ٣ ٣ قامب بوزارة الخارجية في طليعة الملتحقين عام 1966 وظل يعمل بها طيلة ثلاثين عاماً إلى أن اضطرته للاستقالة منها انقلاب الإنقاذ المنسوب إلى التيار الإسلامي. وبعد استقالته توجه الشاعر إلى الولايات المتحدة حيث واصل عمله الأدبي في مقارعة تلك الحكومة.
—-
وابتدر الأمسية الاستاذ عمر عشاري ممثل المسؤولية الاجتماعية بشركة دال الغذائية، مخاطباً الجمع الكريم قال : إن ديوان أمتى فى حقيقة الأمر هو قصيدة لكل الأجيال الحادبين والحالمين بوطن جميل ، ولاشك أننا فى هذه الأمسية وفى منتدى دال الثقافى يجيء تكريم شاعرنا الكبير محمد المكي ابراهيم انما احتفاء بالجزالة والفخامة والشعر الرصين ، هذه الأمسية احتفاء بالحداثة وبهذا المشروع الشعرى الكبير ، الذى امتد منذ الستينات وحتى اليوم ، ولازال شاعرنا يرفد الساحة الشعرية بالمحبة وهو شاعر وطنى فذ، شكل وجداننا وأسهم فى صياغة الضمير الثورى لجيل اكتوبر ومابعده، ثورة ووعداً وحلماً ورفضاً وتصدياً للشموليات ، ويستحق فعلا التكريم من شرفاء وطني ، ثم ترحم عشارى على الشاعر الراحل محمد طه القدال، الذى قاد منتدى دال لما يقارب 10 سنوات، والذى كان حريصاً على انتقاء موضوعات المنتدى، كما كان حريصاً على الترويج الإعلامى لفعاليته ، وكان يسعى من ضمن آخرين لإنجاز مشروع ثقافي متكامل.
الشاعر عالم عباس محمد نور ابتدر أولى شهاداته فى حق الشاعر محمد المكي ابراهيم قائلاً : (ونحن نحتفى به فى هذا المنتدى العريق منتدى دال الثقافى ، الذى عودنا كل هذا الجمال وعلى هذه المحبة الطافية والكرم الحاتمي. كنت أتحدث مع أصدقائى ، أن لا أتحدث عن محمد المكي ابراهيم الشاعر. اتحدث عن عبقريات أخرى عند محمد المكى ابراهيم ، كلنا نحتفي به شاعراً ولانقبل به غير ذلك، كنت أقول لبعض أصدقائي هنالك عبقريات متعددة لشخص ما، بمعنى أن الناس يؤطرون الشخص على مااعتادوا عليه٠ ويحرمونه من عبقريات كثيرة يتمتع بها ، على سبيل المثال شيخنا العظيم عبدالله الطيب العالم الضخم الأكاديمي، الذى لايجاريه أحد ، و صاحب المرشد فى أشعار العرب، أعظم كتاب كتب فى الشعر العربى حتى الآن في مايتعلق فى فهم الشعر، وعبد الله الطيب على كثرة إنتاجه الغزير فى الشعر وتجويده هو أول من كتب قصيدة التفعلية قبل نازك الملائكة، وأكثر الناس منا لايعرفون شعر عبدالله الطيب مع أنه أفنى عمره كله لكي يكون شاعراً ،،
وذهب عالم عباس الى القول.. إن العبقريات لاتعني المواهب، فالعبقريات هى التفرد. وشخص واحد يكون لديه أكثر من عبقرية. وقال إن محمد المكي ابراهيم كثيرون منا لايعرفون إنتاجه الروائى، إذ لديه روايتان إحدى هاتين الروايتين منشورة ولديه رواية بعنوان ( آخر العنابسة) سألته عنها قال إنها لم تكتمل بعد ، مع أننى اطلعت عليها قبل أكثر من عقدين من الزمان ، وفى هذا المقام قال الناقد والمفكر محمد الجيلانى حول كتابه ( فى أصول الفكر السودانى وتطوره ) الذي كتبه ود المكي وهو طالب، يرى الجيلانى أنه ، مايزال من أهم الكتب التى كتبت في ما يتعلق بالفكر السودانى ، مازال مرجعاً مهماً في ما يتعلق بالفكر السودانى.
إن الشاعر محمد المكى ابراهيم رجل العبقريات المتعددة ،
السفير خالد فرح قال؛ طلب منى أن أتحدث عن محمد المكي سفيراً، ولكن نحن فى الخارجية لدينا تقاليدنا مهنية تشبه تقاليد المؤسسة العسكرية، عندما يطلب من ضابط صغير أن يتحدث عن جنرال كبير يصعب عليه الحديث، التحق ود المكي فى وزارة الخارجية فى يناير 1966م كما علمت أن دفعته فى ذلك العام كانت كوكبة من السفراء العظام. لقد تقلد فى عدة بعثات خارجية شملت السعودية ، وبراغ، ونيويورك، وعمل سفيراً للسودان فى كل من باكستان وجمهورية الكنغو الديمقراطية ، عندما التحقت بالخارجية كان محمد المكى ابراهيم سفيراً ملء السمع والبصر، قبل ذلك سبقته شهرته كشاعر كبير هذا ماجعلني أسعى للاقتراب منه، وكان يقابلني بمودة شديدة ، وبأريحية رغم الفارق فى الوظيفة،، وكنت سكرتيراً ثالثاً وفى بداية السلم ، وكنت أسعى لمكتبه دائماً وأعرض عليه ما أكتب أحياناً، ويشجعنى ويصوبني.
وحول محمد المكي ابراهيم والأجيال أوضح الشاعر الشاب حاتم الكنانى بانه
حين وقع في يده المجموعة الشعرية (يختبئ البستان في الوردة) للشاعر محمد المكي إبراهيم، قال : في مقتبل ربيع الشعر، وكانت ذاكرتي شديدة الحفظ والتأثر والميل إلى تقليد عيون الشعر العربي القديمة والحديثة، ولم تنهض بعدُ قريحتي لتستوعب الخدش الذي تسببت فيه قصيدة التفعيلة من لدن الكأس التي تحطمت لعبد الله الطيب واجتراحات السياب وصلاح عبد الصبور، ونازك الملائكة وقضايا شعرها الحر. كان التقليد حد التمدرس الذاتي على كتابة القصيدة يبرز أولاً في كتابتي، حتى أن ذلك ليبدو جلياً حين قرأني أبناء جيلي في الشعر في أوائل الألفية.
والقصيدة لدى شاعرنا محمد المكي شاملة للحسنيين: تحتفي بالبساطة العميقة، وفي قاعها تشكيلة من الكائنات البحرية، وعلى السطح تبدو مرآة الواقع عاكسة وجه الشعر والشاعر والحياة.
وأزعم أن تأثير (يختبئ البستان) – رغم أنه نقطة من بحر محمد المكي – لم يزل حتى الآن يطبع تصوري الشخصي عن كتابة الشعر.
أظن أن أول أثر تركته المجموعة هو عنوانها الخافق بأسرار الوردة: يختبئ المُعقّد في البسيط، والكثرة في الوحدة، والتنوع في الجنس الواحد، مما أشرت إليه في
تختبئ الأشياء في وجودها
والأرض في حدودها
وتسكن المعاني اسماءها المشجرة.
يقول الأستاذ كمال الجزولى : فى تعامله مع الأشياء تماماً، كما مع البشر، لايكتفى ود المكى بالوقوف عند الأسطح الملساء، بل يتقصى الطرافة والرؤية لذلك تعبيراً بفراسة مشهودة، ولعل ذلك تعبير واف لانفجار الطرائف المدهشة، فى جل مايصدر عنه ، وأضاف؛ رغم أننى من زاوية النظر النقدية البحتة لست من أنصار نظرية المصادفة (ضربت لازب ) بين المبدع وإبداعه، وإن حدث ووقع شيء من ذلك أحياناً فينبغي التعاطى معه بحذر، وفى أضيق الحدود ، على أن ذلك أمر آخر، ومن السياق، وأضاف.. أذكر واقعة تشهد على أن طرافة الرؤية لدى ود المكى، والتى تنبع كماقلت من ذكاء روحه وخفة ظله الشفافة، لايقتصر عليه وحده، بل غالباً ما تنتقل عدواها إلى الآخرين فى تلقائية ويسر.
وأضاف الجزولى.. فى مناسبة جمعتنا معه فى بيتنا ذات نهار فى منتصف عقد الألفية الأولى نحتفي بعودته الأولى من أمريكا بعد غياب سنوات طوال ، كانت ثمة مفكرون وأدباء وفنانون وساسة أناب عنهم السيد الصادق المهدى – عليه رحمة الله – وقتها فى كلمة ترحيب بالمحتفى ، إذ بالإمام يدهشنا ايما دهشة وهو يعرج بالكلام الى تمجيد التلقائية السودانية، مستشهداً بتلك الصورة الشعرية الطريفة غير المسبوقة، التى لابد أن مكى التقطها من حميمية الشوارع الخلفية لظاهرات سودانية.
من جانب آخر.. أشار الجزولى قائلا : اذا كنا نلاحظ الحضور الطاغي للفكر فى غالب نصوص مكى الشعرية، برغم كل ماراكم تراث النقد العربى من احتفاء بلحظة الانفعال الخاطفة التى تغيب الوعي باعتبارها اللحظة، وهى خاصية أصيلة فى الشعر إلا أن ذلك لايعني البته أدنى تعارض فى هذه النصوص بين هذا الحضور الفكري وبين العذوبة التى أشرنا إليها ، اذ لاينزلق نص ود المكى بالغاً ما بلغ دفع الفكر صوب تخوم الفلسفة بما حباه الله من طاقة ودربه تجاوز شعره ضيق التعاليم النقدية المتوارثة ضمن تقاليد المدرسة العربية ، والشاهد أن مفاجأة المتلقي فى أغلب الأحيان بما يصعب مالم يكن من المستحيل توقعه، فضلاً عن الشفق برؤية مايرى الآخرون، هو مايجعل محمد المكى ابراهيم عصياً على التنميط كإنسان وكشاعر مفكر ، ويرى كمال الجزولى أن العذوبة بمثابة الشفرة الأساسية لشعريته، فإن عنصري الطرافة والرؤية المدهشة يشكلان مع السهولة والتلقائية أبرز مكونات هذه العذوبة ، ويقول : الأمر الذى يشحن نصوصه من الحيوية المضادة للتنميط.
فى ختام كلمته قال : ينصب محمد المكى ابراهيم عن جدارة إمارة جيل ربما جيلين من الشعراء خصوصاً أن ديوانه البكر (امتى) الذى أحدث صدوره دوياً فى الساحة الأدبية لايماثله سوى دوي انفجار قنبلة،
ويذكر.. شاركت فى الأمسية بقراءات شعرية الشاعرة ايماض البدوى وئام سر الختم، كما شارك بالغناء الفنان ابوبكر سيداحمد عاطف عبدالحى، فى ختام الأمسية قدم محمد المكى ابراهيم نماذج من شعره، وقامت أسرة منتدى دال الثقافى بتكريمه.