مظاهر العنف في دارفور.. هل تُعيد القوات الأممية؟
محامو دارفور : حكومة دارفور فشلت في بسط سيطرتها على الأوضاع الأمنية
الثورية : اتفاق جوبا لم يحقق شيئاً لإنسان دارفور
محلل سياسي : صراع دارفور لن ينتهي بتوقيع اتفاق جوبا
والي غرب دارفور : كل يوم أسوأ والحل.. الاعتراف بأخطاء الماضي
—
زادت حالات العنف ومظاهر الانفلات الأمني في إقليم دارفور ، منذ انسحاب قوة حفظ السلام الدولية من البلاد، ولم تفلح السلطات الحاكمة في بسط هيبة الدولة ووقف الاقتتال الذي توجه اتهامات لأطراف عسكرية حكومية بالضلوع فيه، وإسناد عرقيات ينتمون لها في القتال القبلي، والصراع على الموارد.
وأكد متحدثون لـ(اليوم التالي) فشل حكومة الإقليم في بسط سيطرتها على الأوضاع في الإقليم، وأن اتفاقية سلام جوبا الموقعة بين الحركات المسلحة، والتي تشارك في الحكومة الحالية بمناصب رفيعة، والحكومة الانتقالية السابقة في تحقيق طموحات مواطن دارفور، وطالبوا بضرورة بسط هيبة الدولة في الإقليم وتحقيق في كافة الجرائم، بالإضافة إلى نزع السلاح من أجل سلام واستقرار الإقليم، وفي الوقت ذاته طالبت الجبهة الثورية بتطبيق كامل لاتفاق سلام جوبا.
ومن وقت لآخر، تشهد مناطق عديدة في إقليم دارفور اقتتالاً دموياً بين القبائل، ضمن صراعات على الأرض والموارد ومسارات الرعي، ومظاهر التفلت الأمني حيث عاد الاقتتال القبلي بولاية غرب دارفور كما اغتال مجهولون مسؤولاً في حكومة ولاية شمال دارفور بمدينة الفاشر طعناً بالسكين، ونهبت سيارته، ويجيء الحادث بعد أيام قلائل من نهب سيارة المدير التنفيذي لمحلية أمبرو في ذات الولاية تحت تهديد السلاح، وسيارة عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الفاشر.
وتقول جماعات إنسانية إن إقليم دارفور الذي أنهكته الحرب، يشهد زيادة في وتيرة أعمال العنف في الآونة الأخيرة، و يربط المحللون بينها وبين اتفاق سلام تم توقيعه في أكتوبر 2020، والذي أشعل فتيل التنافس بين بعض الجماعات على السلطة، دون معالجة المخاوف الأمنية بصورة كافية.
ومؤخراً تجددت الاشتباكات في ولاية غرب دارفور إثر نزاعات قبلية وسقوط نحو 24 شخصاً مابين قتيل وجريح.
أطماع ونفوذ
ومن جانبها قالت عضو هيئة محامي دارفور، نفيسة حجر، إن حكومة الإقليم وحكام الولايات فشلوا فشلاً ذريعاً في بسط هيبة الدولة والسيطرة على الأوضاع وعندما كانت دارفور كنظام(ولايات) كان الوضع أفضل، واستشهدت باتهام والي شمال دارفور لقوات الحركات المسلحة بالاعتداء على مقر البعثة المشتركة لحفظ السلام في دارفور (يوناميد).
وطبقاً لحجر في إفادة لـ(اليوم التالي) بأن الحركات المسلحة التي جاءت بالسلام أصبحت جزءاً من إشكالات دارفور، لجهة أن دارفور عبارة عن كنز يقع في السودان والأطماع عليها كثيرة من قبل الحركات المسلحة والدعم السريع مشيرة إلى أن الأسلحة المستخدمة في الاقتتال أسلحة متطور ومتقدمة لا تتوفر إلا للدولة والمليشيات المدعومة من الخارج.
وأضافت.. أي أحداث في دارفور نجد خلفها قوات نظامية أو الدعم السريع أو حركات مسلحة وحكومة الإقليم “ما قادرة تبسط سلطتها” بحسب تعبيرها، وطالبت بضرورة بسط هيبة الدولة في الإقليم والتحقيق في كافة الجرائم وتقديم مرتكبيها للمحاكمات، بالإضافة إلى نزع السلاح من أجل سلام واستقرار الإقليم .
وأكدت أن الصراعات في إقليم دارفور ليست نزاعات قبلية وإنما نزاعات حول الثروة، فضلاً عن أنها نزاعات قديمة متجددة، وتوقع المواطن تغيير الوضع بعد سقوط الإنقاذ، ونوعاً ما، استقر الوضع خلال فترة الحكومة الانتقالية وبعد 25 اكتوبر عاد التدهور المريع نتيجة لإطلاق الحكومة يد الحركات المسلحة، وقالت إن اتفاقية سلام جوبا لم تأت بجديد، بل جاءت بالأسوأ على الإقليم .
مكاسب سياسية
يقول القيادي بالجبهة الثورية ورئيس حركة تمازج – قطاع جلهاك – محمد إسماعيل زيرو إن التردي الأمني والاقتصادي الذي يشهده إقليم دارفور مؤسف، أن يأتي بعد توقيع السلام الذي ناقش كل الإشكالات ، وأنه لا يعني المحاصصات والجلوس على الكراسي بل توفير الأمن والأمان لإنسان دارفور ومناطق الحروب، وأكد زيرو في حديثه لـ(اليوم التالي) بأن اتفاق سلام جوبا لم يحقق ما يريده مواطن دارفور من ناحية أمنية وتنموية واقتصادية، إنما حقق بعض مكاسب ووظائف سياسية على مستوى إقليم دارفور والمركز، وأضاف.. هذا ليس المطلوب، مواطن دارفور يريد الأمن والاستقرار والسلم والتعايش الاجتماعي وعودة النازحيين واللاجئين، والمصالحات والاتفاق لم تجنِ دارفور ثماره، بل جنت كثيراً من الإشكالات والحروب الأهلية والتي لا تقدم البلاد.
عدم جدية وبطء
وطبقاً للقيادي بالجبهة الثورية هنالك تواطؤ في الاستجابة مع المشاكل، الأمر الذي أدى لتفاقم الأزمة، علاوة على تأخير تنفيذ الترتيبات الأمنية، وقال.. هناك عدم جدية وبطء من أطراف السلام لتنفيذ سلام جوبا، لجهة أنه سلام كبير ناقش جذور الأزمة ولم ينفذ إلا القليل الذي لا يعني المواطن في دارفور، وأوضح أنه لم يتم إنشاء عدد من المفوضيات كمفوضية الحواكير والنازحين واللاجئين وغيرها من المفوضيات، وتابع.. على الحكومة أن تراعي المشاكل التي ظهرت في دارفور ومناطق الهشاشة الأمنية، وعمل الآليات لتنفيذ الاتفاق، وطالب حكومة إقليم دارفور بضرورة حسم الانفلات الأمني، عبر تشكيل قوات محايدة للتدخل في حال حدوث اقتتال قبلي لحماية المدنيين، وللحد من الاقتتال والخسائر سيما وأن التدخل الحكومي يأتي متأخراً.
صراع موارد
ويقول المحلل السياسي الفاتح عثمان إن الصراع في دارفور في أصله صراع قبلي على الزرع والكلأ والماء، فضلاً عن أنه نتاج لفترة الجفاف التي ضربت الإقليم في ثمانينات القرن العشرين وأيضاً بسبب الزيادة السكانية العالية والحدود المفتوحة مع دول الجوار، الأمر الذي أدى لتدفق السلاح وعصابات النهب من دول الجوار التي عانت من نزاعات مسلحة متتالية عصفت بأمنها، سيما وأن التداخل القبلي بين تلك الدول ودارفور كبير جداً وأن النزاعات المسلحة في دول الجوار ألقت بظلالها على الأمن في دارفور، وأبان محجوب في حديثه لـ(اليوم التالي) بأن النزاعات القبلية تحولت إلى حركات متمردة بفعل التدخل الدولي، لجهة أن التمرد كاد أن يدمر الإقليم كله، وأضاف.. لكن الجيش والدعم السريع هزم تلك الحركات المتمردة وتم طردها خارج السودان، وقال.. بعد هزيمة حركات التمرد عاد الصراع القبلي من جديد، وأنه أمر متوقع؛ سيما وأن أصل الصراع لم يكن سياسياً بل صراع على الموارد.
حل حقيقي
وبحسب محجوب.. لن ينتهي الصراع بتوقيع اتفاقية جوبا للسلام التي أتت بحركات هزمت وطردت خارج السودان؛ بل سيظل الصراع قائماً إلى أن يتم توسيع الموارد المتاحة، وضمان حرية الوصول إليها للجميع بعيداً عن أعراف الحاكورة التي كادت تعصف تماماً بإقليم دارفور، وأوضح أن الحل الحقيقي يتمثل في توسيع مصادر المياه وزيادة الزراعة والكلأ عبر مشروعات عديدة؛ مع التركيز على مناطق النزاع، وبعدها نزع السلاح من القبائل وبسط الأمن للجميع، وأكد المحلل السياسي أن اتفاقية جوبا للسلام لن تنتج سلاماً أو استقراراً في دارفور لمجرد التوقيع عليها، خاصة وأن بعض الحركات لم توقع عليها كحركة عبدالواحد محمد نور، بينما تنمية الموارد من مياه وزراعة ومراعٍ، وصناعة يمكنها أن تنهي النزاع بشكل قطعي، بشرط إنهاء العمل بنظام الحاكورة لأنه أس أزمة دارفور في ظل نقص الموارد.
تحدٍّ كبير
وقال والي غرب دارفور الجنرال خميس عبد الله أبكر – خلال الإفطار الرمضاني السنوي للولاية، بمشاركة عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي ونائب حاكم إقليم دارفور، بجانب أعضاء التحالف السوداني وتنظيمات الجبهة الثورية وعدد من العمد والسلاطين بولاية غرب دارفور – قال إن الأحداث المؤسفة التي وقعت مؤخراً بدارفور خصوصاً ولايته، وفُقد فيها عدد من الأرواح، وأضاف “كل يوم أسوأ من أمس وخلاف في خلاف” إنه تحدٍّ كبير، ورهن خميس حل الصراع بترك العنصرية والاعتراف بأخطاء الماضي، منوهاً إلى بطء سير عملية الترتيبات الأمنية وجمع السلاح، الأمر الذي انعكس على الإقليم، مشيراً إلى أن ثورة ديسمبر جاءت لتسقط الإنقاذ وتحقق الحرية والسلام والعدالة، ولكن ما تمر به البلاد من أزمات ومعاناة يعيشها المواطن البسيط، يجب أن تضعه كل القوى السياسية والمسؤولون نصب أعينهم، وتعمل على إصحاحه وأن تعترف بالفشل وتبدأ خطوات جديدة للتصحيح.
غياب قانون
وفي السياق ذاته.. أرجع نائب حاكم إقليم دارفور عيسى عليو، تجديد الصراعات القبلية والانفلات الأمني وعودة ظاهرة النهب المسلح والاعتداء على المواطنين داخل المدن، غياب قانون يحكم الإقليم وعدم قبول الآخر؛ علاوة على أن النزوح أفرز مشاكل كبيرة وبؤراً قبلية في ولايات دارفور الخمس، مشدداً على ضرورة بحث المشاكل الحقيقية وحلها ليستقر الإقليم، وطالب عليو بتطبيق كامل لاتفاق سلام جوبا، وإعادة النازحين واللاجئين، فضلاً عن تعويضهم تعويضاً فردياً، وأضاف.. الفي النفوس أعاق عمل حكومة الأقاليم، سيما وأن الاتفاق ليس للقيادات، إنما السودان ودارفور.
ضوء آخر النفق
وفي الاتجاه ذاته أكد عضو مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين كباشي حرصهم على تحقيق شعارات الثورة والإسراع في تطبيق بنود القانون الذي ظل يقبع في الإدراج منذ ثمانيه أشهر لتحقيق أمن المواطنين في كل ولايات السودان، فيما رهن رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس حل مشكلة دارفور تطبيق اتفاق سلام جوبا وتنفيذ برتكول الترتيبات الأمنية بصورة خاصة، وقال.. في حال الفشل واستمرار الأزمة القائمة سيدخل السودان في نفق مظلم ويتدحرج إلى الهاوية، ولن تكون هناك دولة تسمى السودان؛ سيما وأن البلاد تسير دون حكومة تنفيذية، إلا أنه عاد وقال.. رغم قتامة المشهد؛ هناك ضوء في آخر النفق.