رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان د. رفعت الأمين : المقارنة ما بين الإنقاذ والانتقالية في انتهاكات حقوق الإنسان صعبة

أصبحت انتهاكات حقوق الإنسان واحدة من الهموم والقضايا التي تؤرق مضاجع الحكومات السودانية المتعاقبة؛ حيث تراجع السودان – مؤخراً – ضمن قائمة الدول الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان؛ لاسيما فإن التقرير الدوري الشامل الذي تم عرضه مؤخراً كان يحوي الكثير من تلك الانتهاكات للخمسة أعوام السابقة، وهو التحدي الذي تواجهه المفوضية القومية لحقوق الإنسان باعتبارها المفوضية الوطنية المعنية بتلك الانتهاكات من خلال الرصد والمتابعة ونشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان ، ولكن المفوضية أكدت – مؤخراً – أن تدخُل بعض مكاتب الأمم المتحدة الموجودة منها (المكتب القطري لحقوق الإنسان وبعثة اليونتامس ) في مهام المفوضية واختصاصاتها أدى لارتفاع نسبة تلك الانتهاكات بطريقة غير مباشرة، إما لعدم متابعة تلك المكاتب لبعض الشكاوى المقدمة لها، وأوضحت المفوضية أن مهمة تلقي الشكاوى تقتصر فقط على المفوضية، وإن تلقي بعض المكاتب الأممية الشكاوى، يعتبر تدخلاً غير محمود في عمل وصلاحيات المفوضية .
وهو ما ظهر مؤخراً ضمن تقارير تلك المكاتب الأممية عن حالة حقوق الإنسان في السودان . مطالبة تلك المكاتب بعدم تلقيها أي شكاوى، وتوجيه أصحابها للمفوضية القومية لحقوق الإنسان باعتبارها الأولى بتلقي ومتابعة شكاوى المواطنين والمنتهكة حقوقهم ..
(اليوم التالي) حاورت رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان دكتور رفعت الأمين حول تدخل بعض مكاتب الأمم المتحدة في تلقي الشكاوى ..
***
هل وجود المكتب القطري لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة (اليونتامس) ساعدا في تحسن حالة حقوق الإنسان في السودان؟
كان مأمولاً أن يسهم المكتب القطري في عملية رفع وتعزيز القدرات في مجال حقوق الإنسان بالأساس، وقبل إنشاء هذا المكتب كان هنالك خبير مستقل معني بحالة حقوق الإنسان في السودان ، الخبير المستقل كان معيناً تحت البند العاشر وهو البند الخاص ببناء القدرات، المكتب القطري جاء في سياق إخراج السودان من الإجراءات الخاصة ، وهو يعني أن حالة حقوق الإنسان في البلد لم تعد بحاجة لإخضاعها لهذه الآلية، على أن يتولى القطري مهام رفع وتعزيز القدرات، ولكن واضح أن عمل المكتب القطري توسع بصورة كبيرة، ولم تعد مسألة بناء القدرات أولوية بالنسبة له، بدليل أننا خاطبناهم مرات عديدة للاستفادة منهم في مجال التدريب ، وكانت الاستجابة محدودة جداً ” دورة تدريبية واحدة في رمضان الماضي” ولم تتكرر حتى الآن، وفي المقابل ظل المكتب القطري مشتركاً في تفاصيل وطنية بحتة عديدة بما في ذلك مشروع قانون المفوضية القومية لحقوق الإنسان، كان المكتب القطري يقود المشاورات ويوجه الدعوات لها على الرغم من التحفظات الواسعة على الطريقة التي أدير بها المشروع، وكانوا يقولون لنا إن المجتمع المدني لديه تحفظات على المفوضية، صحيح أن بعض المنظمات كانت ومازالت لديها تحفظات، وهنالك منظمات أخرى ظلت ومازالت تتفاعل معنا، وظللنا نطرح سؤالاً دائماً؛ ما هو معيار المكتب القطري في التواصل مع المنظمات ، بل وفي تبني مواقفها؟
المعروف أن المفوضية هي من تتلقى شكاوى الانتهاكات، بينما بعض المكاتب الأممية هي الأخرى تتلقى أيضاً شكاوى هذا التضارب والتقاطع وأثره على أداء المفوضية ؟
الآن وبوضوح تام أغلب الشكاوى تُقدم للمكتب القطري ، قالوا لنا إن المواطنين يخشون من التواصل مع المفوضية، وهذه نقطة ما تزال غامضة بالنسبة لي، لما الخوف ؟ في فترات سابقة كان الناس يتواصلون مع المفوضية في أصعب الظروف، ما الجديد الآن؟
الإجابة هي أن المكتب القطري وبعثة يونيتامس قررا أن يحلا محل المؤسسة الوطنية. وهذا الوضع أثر على المفوضية بشكل مباشر.
لماذا لم تتجه المفوضية بصورة حاسمة لوقف هذا التدخل في مهامها المتعلقة بالشكاوى؟
قمنا ببعض التدابير وسنواصل فيها مع جميع أصحاب المصلحة الوطنيين وعلى رأسهم المجتمع المدني.
هل لجوء البعض للمكتب القطري أو أي من مكاتب الأمم المتحدة بالشكاوى لقصور في المفوضية أم عدم متابعتها الشكاوى والحلول؟

في الواقع المفوضية القومية لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية مواجهة بكثير من التحديات ، دور المكتب القطري الذي نأمله أن يساهم في معالجة هذه التحديات، وإذا كان بالمفوضية قصور كان لزاما عليهم أن يستجيبوا لطلبنا المتعلق برفع وتعزيز القدرات، بمعنى أنهم هنا بالأساس لمساعدة المؤسسات الوطنية، وليس للقيام بمهمة النيابة عنها في مهامها.
نحن نتفاعل بشكل سريع مع جميع الشكاوى ونقوم بأدوار كبيرة جداً في معالجة هذه الشكاوى
في حال استمرت المكاتب الأممية في تلقي الشكاوى ما هي الخطوة التي تتخذها المفوضية ؟
لدينا تدابير نعمل عليها الآن وستظهر نتائجها لاحقاً
برأيك هل حالة حقوق الإنسان في السودان تراجعت أم تحسنت وفي كلتا الحالتين ما هي الأسباب؟؟
حالة حقوق الإنسان في السودان شأنها شأن حالة حقوق الإنسان في جميع البلدان التي مرت بحالة انتقال، بمعنى أنها تقدمت في ملفات ووجود المكتب القطري وبعثة يونيتامس بالسودان دليل على هذا التقدم، ومصادقة الدولة على معاهدات دولية وإقليمية وتغيير تشريعي، وأيضا توجد تحديات كبيرة تتطلب تضافر الجهود لمعالجتها.
.
لماذا لا تتعاملون مع المنظمات الوطنية المتخصصة في حقوق الإنسان للمساعدة في الرصد والتقصي ؟
اتفق معك على أهمية التفاعل مع منظمات المجتمع المدني وبخاصة في مسألة الرصد، لدينا قصور في هذا الجانب، نتحمل بعض مسؤوليته وتتحمل بعض المنظمات جزءاً من المسؤولية، وهنا أعني أن حالة تسييس بعض المنظمات أدى لمزيد من العوائق.
ولكن مؤخراً صارت بيننا وبين عدد من المنظمات تفاعلات جيدة. وقبل ذلك كانت لدينا شراكات مع منظمات مهمة، ولكنها تعثرت بسبب الظروف العامة، ونأمل أن تستأنف قريباً .
وأنا هنا أود أن أشير الى أهمية الانتباه لخطورة اشتراك بعض المنظمات في الصراع السياسي
أين يتم عرض التقرير النهائي في السودان قبل عرضه على مجلس حقوق الإنسان في جنيفا في ظل عدم وجود برلمان ؟
بالنسبة لتقارير المفوضية فهي عادة تقدم إلى الجهات الرسمية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان ، أي الجهات التي تملك المبادرة في معالجة أية إشكالية تتصل بحقوق الإنسان ، تقدمنا ايضاً بتقرير عن حالة حقوق الإنسان لآلية الاستعراض الدوري الشامل في العام المنصرم، ونشرنا تقريراً مفصلاً عن أزمة شرق السودان.
نعد تقارير أيضاً في إطار الشبكة الأفريقية للمؤسسات الوطنية.
نأمل أن تكتمل هياكل السلطة الانتقالية ويكون هنالك برلمان ومحكمة دستورية وتقوم المفوضيات بما في ذلك مفوضية حقوق الإنسان في القريب حتى تكتمل هياكل حماية وإعمال حقوق الإنسان في السودان.
هل تتدخل بعض الجهات بالحذف أو الإضافة في بعض التقارير؟
في الفترة التي عملت فيها بالمفوضية لم يحدث أن تدخلت جهة في عمل المفوضية على الإطلاق ، لا بالحذف ولا بالإضافة
مقارنة ما بين نظام الإنقاذ والفترة الانتقالية بعد الثورة أيهما أكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان وما هي الأسباب ؟
المقارنة فيها صعوبة، لأسباب عديدة أهمها اختلاف المرحلتين واختلاف التحديات، ولكن الآن حدث تحسن واضح في عدد من الملفات على الرغم من التحديات الكبيرة.
هل تقوم الحكومة حالياً بالدعم المادي للمفوضية وفقاً لنظام باريس ؟
في الحقيقة الدعم ما يزال شحيحاً، الظروف التي نعمل في ظلها صعبة للغاية ، في ظل إحجام المؤسسات الدولية عن الدعم وفي ظل الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد.
هل يؤثر ضعف التمويل في عدم أداء المفوضية لدورها الحقيقي؟
بالطبع ضعف التمويل يؤثر في المؤسسة وفي عملها.
المفوضية الآن تتلقى تمويلاً شهرياً من الدولة، هو بالأساس ليس كافياً ونتطلع لمعالجته.
وفي بعض الأحيان نعقد شراكات مع مؤسسات حكومية لتغطية بعض المناشط، فضلاً عن دعومات تلقيناها لمناشط محددة من جهات رسمية.
ولا يفوتني الإشارة إلى أن دعم الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في مرات عديدة، سواء بتمويل مناشط بالكامل، أو بالمساهمة في تمويل بعض المناشط.
وفي كل الأحوال يجب أن أبين للرأي العام الدور الكبير الذي يقوم به الموظفون والموظفات والعاملات والعاملون بالمفوضية القومية لحقوق الإنسان، هذا الحماس والإيمان بالمؤسسة لدى موظفيها وعمالها كان عاملاً مهماً في سد الفجوات جميعها
ماهي خطة المفوضية لوقف الانتهاكات المتكررة من بعض الأجهزة العسكرية ؟
بالطبع لا يمكنني تحديد من يقوم بالانتهاكات، هذه مسألة ننتظر فيها تقارير لجان التحقيق المستقلة التي كوّنت مؤخراً، ولكن نحن دورنا محدد بموجب القانون في تقديم النصح للسلطات، وهو دور نقوم به بشكل مستمر ، وفي حالات كتيرة نجد استجابة، كما أن لدينا دور آخر متعلق بالمساهمة في بناء القدرات لجميع الفاعلين الوطنيين – رسميين وغير رسميين – وهو دور نقوم به بشكل مستمر ، ولدينا دور المساعدة بالتوصيات، في ما يتعلق بالتدابير اللازمة لحماية حقوق الإنسان ، وهو دور نقوم به بنشاط كبير إلى جانب أدوارنا الأخرى.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...