تسعة طويلة أخذ القانون باليد.. مخاطر وتعقيدات
أصبحت الجرائم في السودان ﺗﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻨﺤﻨﻰ غير ﻃﺒﻴﻌﻲ بزيادة ﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍلعيش ﻭضيق ﻓﺮﺹ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ مما أنتج ذلك الواقع القاتم.. جرائم منظمة من قبل جماعات متفلته تعتدي على المواطنين في الطريق العام للسرقة والنهب وشكلت خطراً على المواطنين في ظل غياب الأمن بالبلاد وعجز السلطات المختصة.. أصبحنا ﻧﺸﻬﺪ ﺣﺎﻻﺕ ﻣﻦ العنف بين ما يسمى بـ9 طويلة والمواطن وتحريض المواطنين على قتلهم وتعذيبهم. وانتشرت في الفترة الأخيرة فيديوهات عبر السوشال ميديا تظهر الاعتداء على مجموعات من تسعة طويلة مما أثار ذلك العديد من الآراء حول مؤيد ومعارض لأخذ العقوبة باليد من قبل المواطنين دون اللجوء الى الجهات الشرطية والعدلية.
(اليوم التالي) تناولت هذه القضية مع عدد من المختصين، فالاعتداء على 9 طويلة دون سلطة قضائية هل تعد جريمة أم حل للمشكلة..
قال المحامي أحمد السنوسي لصحيفة (اليوم التالي) إن مجموعات 9 طويلة هي مجموعات إجرامية تعتدي على حق الآخرين، ومعلوم أنها مجموعات إجرامية، ولكن القانون لا يعطي المواطن حق أخذ الحق باليد إلا في حالة الدفاع عن النفس وما يسمى بالدفاع الشرعي ويكون ذلك عند تعرض المواطن للاعتداء من قبل (9) طويلة باستخدام القوة الجنائية فله الحق بأن يعتدي عليها بالمثل لحماية النفس .
وذكر السنوسي أن القانون لا يعطي مجموعة الأشخاص عند القبض على (9) طويلة الاعتداء عليهم وأن لا يستخدمو أي قوة جنائية تجاههم وعليهم تسليمهم الى الجهات العدلية لبدء إجراءات محاكمتهم .
مخالفة للقانون :
واضح أن القانون وضع لينصف الأفراد حتى لا تكون الحياة فوضى، وقال إن ظاهرة (9) طويلة أصبحت منتشرة بصورة كبيرة جداً، ولابد من الحد لضبطها.
وذكر الأستاذ أحمد السنوسي أن الاعتداء على (9) طويلة دون سلطة قضائية يعتبر جريمة، وأفاد السنوسي إذا تعرض أي فرد من (9) طويلة الى الاعتداء من قبل المواطن وحدث أي ضرر أو وفاة أحد أفراد العصابة يعاقب الجاني ويعتبره القانون قاتلاً وتعد مخالفة للقانون.
فعل مجرم
واضح أن القانون هو الذي يوضح العقوبة وليس للمواطنين الحق في تعيين نوع معاقبتهم أو شكلها .
وقال إن السرقات أصبحت كثيرة، وهي فعل مجرم الا ان الجهة التي تفرض عليهم العقوبة هي الأجهزة العدلية كالنيابة والجهاز القضائي.
دفاع عن النفس
الداعية الإسلامي محمد هاشم الحكيم قال إن الشريعة الإسلامية أمرت الناس بأكل الحلال وحذر (الله) عز وجل من السحت وهو الحرام واستدل بقوله تعالى: (ولا تأكلو أموالكم بينكم بالباطل) وقوله صلى الله عليه وسلم: (أي جسم نبت من سحت فالنار أولى به).
وقال الحكيم لـ(اليوم التالي) إن السرقة جريمة وحدُّها قطع اليد، والسرقة عبر السلاح هي جريمة وحرابة ولها ثلاث عقوبات (القتل والصلب أو القطع من خلاف أو النفي من الأرض)، وأفاد أن تنفيذ العقوبة هي من واجبات الدولة،
مؤكداً في حديثه بوجود تقاعس في التعامل مع عصابات ما يسمى بالـ9 طويلة تنهب وتسرق باستمرار علني نهاراً ولا تخشى شيئاً .
وقال إن تقاعس الدولة هو الذي دفع المواطنين لحماية أنفسهم وتطبيق القانون بأنفسهم، وأضاف الحكيم: من قتل دون ماله فهو شهيد.
وأفاد الحكيم في حديثه أن من قتل مجرماً دفاعاً عن نفسه، فالمجرم في النار، وقال: الأفضل أن يتم تسليم المجرمين الى السلطات لتنفيذ الحكم عليهم لأن التعدي عليهم بما يفوق جريتمهم يعتبر مشكلة، وأشار الى أن التعدي ربما يصل الى القتل وجريمة السرقة ليست عقوبتها القتل .
جواز تطبيق القانون
وقال الحكيم إن بعض من العلماء يرى جواز (الحسبة) موضحاً أن الحسبة تعني تطبيق القانون بيدك، مثل أن يذهب بعض من الأشخاص الى منازل (الخمارات والتعدي عليها وتكسيرها)، وهي فعل العامة وليس فعل العلماء موضحاً أن العلماء كانوا إن شاهدوهم سكتوا عليه وكانوا يقولون: إن الله يدفع بالعامة الكثير من الشرور .
التشهير
وقال إن التشهير بـ9 طويلة هي مصيبة تدعو الى مفسدة أكبر ولابد من درس حالة المجرم هل تصويره وتشهيره يجعله مفضوحاً ولا يبحث عن توبة أو التشهير يردع الآخرين بأن لا يفعلوا مثلهم.
*فتن
وقال الشيخ مختار بدري في فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي رداً على سؤال أخذ الحق باليد حال القبض على 9 طويلة قال: (في الشريعة الإسلامية أي زول يرفع السلاح على الناس دمه هدر، إذا أي زول ضربه وقتله ما عليه لا دية لا قتل، دا حكم الشريعة كدا، بالذات في البنيان، أي جوة البلد، ما في خلا يعني).. وأضاف: جزاء قاطع الطريق الصلب، وقال: (البلد دي لو لم تطبق فيها شريعة! ستحدث فيها فتن لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى).
غياب العدالة
وفي سياق متصل قالت د. نعمة إبراهيم الاستشاري النفسي لصحيفة (اليوم التالي): باتت أنواع الإجرام في السودان متطورة ومتزايدة بسبب ﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻭﻓﺮﺹ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻭﺗﻐﻴﺐ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
دافع شخصي
وقالت نعمة إن جرائم عصابات ما يسمى الـ9″ ﻃﻮﻳﻠﺔ” هي ﺟﺮﻳﻤﺔ ﺫﺍﺕ ﺩﻭﺍﻓﻊ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ ﺭﻏﺒﺎﺕ ﺍﻟﺠﺎﻧﻲ تروع ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ باستخدام أسلحة للترهيب ﻭﺍﻟﺘﻌﻨﻴﻒ، ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ﻭﺍﻟنهب باستخدام ﺩﺭﺍﺟات ﻧﺎﺭﻳﺔ ﻻ ﺗﺤﻤﻞ ﻟﻮﺣﺎﺕ ﻣﺮﻭﺭﻳﺔ موضحة أن 9 طويلة ﺗﻄﻮﺭ ﻧﻮﻋﻲ لعصاﺑﺎﺕ ﺍﻟﻨﻴﻘﺮﺯ ﺍﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﻫﻘﻴﻦ ﻭﺻﻐﺎﺭ ﺍﻟﺴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﺘﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، ﻟﺘﻈﻬﺮ ﺑﺪﺭﺍﺟﺎﺕ ﻧﺎﺭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻨﻬﺎ ﺷﺨﺼﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ، ﺍﻷﻭﻝ ﻳﻘﻮﺩﻫﺎ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻬﺐ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﺐ ﺍﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺗﻒ ﺍﻟﻨﻘﺎﻟﺔ، وقالت إن ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ، ﺑﻞ ﺗﻄﻮﺭﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺴﻼﺡ ﺍﻷﺑﻴﺾ (ﺍﻟﺴﻮﺍﻃﻴﺮ ﻭﺍﻟﺴﻜﺎﻛﻴﻦ) ﻭﺍﻟﻘﺘﻞ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻧﻬﺐ ﻫﺎﺗﻒ ﺍﻟﻀﺤﻴﺔ .
مهدد للمواطن
وذكرت دكتورة نعمة ﻓﻲ ﺍﻵﻭﻧﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ أصبحت عصابة (9) طويلة ﻣﻬﺪﺩاً ﻭﻫﺎﺟﺴﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴاً للمواطنين ﺗﺤﺪ من ﺣﺮﻛﺘﻬﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﻧﺸﺎﻃﻬﻢ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻱ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، خاﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﻏﺮﻭﺏ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻨﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ .
*تهاون المسؤولين
وقالت نعمة إن عدم وجود قانون رادع يحمي المواطن وتهاون المسؤولين في حماية المواطن جعلهم يفقدون السيطرة في التعامل مع ما يسمون بـ(9) طويلة محاولين الدفاع عن أنفسهم وأموالهم .
حقد اجتماعي
وقالت نعمة إن فرد (9) طويلة لديه حقد اجتماعي على المجتمع يكون متعمداً لجريمته مع سبق الإصرار والترصد ويعلم ما سيحدث له .
سلوك إجرامي
وقالت دكتورة نعمة إن التعدي على ما يسمى بـ9 طويلة من قبل المواطنين يزيد في استمرارية السلوك الإجرامي بخلق وابتكار فنيات أخرى للتصدي للتعذيب .
أسلوب أصلح*
واعتبرت نعمة أن التعدي على عصابات الـ9 طويلة من قبل المواطنين أسلوب قاسٍ جداً الا أنه يعد الأسلوب الأصلح للمواطن الضحية .
معالجات
وقالت نعمة إﻥه لابد من ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻇﺎﻫﺮﺓ “9” ﻃﻮﻳﻠﺔ وهي تتطلب ﺗﺸﺮﻳﻌﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻬﺐ ﻭﺍﻟﺴﺮﻗﺔ .
ولابد من محاربة العطالة ومنع الوساطة والمحسوبية في الخدمة المدنية وتعزيز الوازع الديني ومنع التضخم الاقتصادي وتعزيز دور الشرطة في خدمة الشعب قبل وقوع الجريمة والتصدي لها وعلة الجهات المسؤولة منع الانفلات الأمني .
تعبير عن الغضب
ومن جانبه قال الدكتور علي بلدو استشاري الطب النفسي ‘ن سلوك المواطنين تجاه ما يسمون بـ(9) طويلة ناتج عن تقاعس دور الشرطة والقيام بواجباتها، وقال إن المواطن فقد الثقة حول القوات النظامية، وأصبح بعض المواطنين يتهمونهم بسلوك نفس هذه العصابات.
وقال بلدو لـ(اليوم التالي) إن التعدي من قبل المواطن تعبير عن الغضب وعدم الرضا عن أداء القوات النظامية وعدم إيمان المواطن بالقانون .
شوارع دامية
وذكر بلدو أن العنف تجاه هذه العصابات ينتج عنه عنف آخر مما يتسبب في أساليب أخرى غير السرقة مثل القتل باستخدام الرصاص بدلاً عن استخدام الأسلحة البيضاء في جميع طرق العاصمة القومية وتصبح شوارع دامية ويروح بذلك أشخاص أبرياء.
حرب أهلية
وقال بلدو: ظهرت في الآونة الأخيرة فيديوهات توثق التعدي على عصابات (9) طويلة من قبل المواطنين وانتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعد هذه الفيديوهات بداية حرب أهلية سودانيه في طريقها الى التفاقم .
قانون هباء منثور
وقال بلدو إن وضع قانون تحديد عدد الركاب في الدراجات النارية عبارة عن قانون (هباء منثور ومحاولة لذر الرماد داخل العيون).
وقال بلدو: لابد من معالجة ظاهرة عصابات الـ9 طويلة وعلى الدولة حفظ الأمن والتحكم في السلاح وتفعيل القوات النظامية لحفظ الأمن.
مهدد للأمن
وقال الكاتب مهدي إبراهيم أحمد لصحيفة (اليوم التالي) إن التعدي على الـ9 طويلة ظاهرة دخيلة على المجتمع ظهرت خلال الفترة الانتقالية نتيجة السيولة الأمنية.
وقال مهدي إن انتشار 9 طويلة أدخل خوفاً في نفوس المواطنين بكثرة حالات النهب والسلب والتعدي، وأصبحت مهدداً للأمن والسلم الاجتماعي .
وأفاد مهدي أن تعامل الحكومة مع تلك الظواهر يجب أن يكون بإصدار القوانين التي كان آخرها حظر استخدام المواتر لشخصين وقد يحجمها، لكنه قد لا يقضي على الظاهرة التي تأصلت في المجتمع.
تصرف مقبول
وقال مهدي إن المواطنين لجأوا لاستخدام حق الدفاع عن أنفسهم بما يرونه صواباً في ظل تقصير السلطات وأفاد أن التصرف مقبول، ولكن له ردود أفعال ستكون عنيفة في غياب القانون .
انتشار فيديوهات
وذكر الأستاذ مهدي أن انتشار فيديوهات توثق التعدي على عصابات الـ9 طويلة انقسم الناس حولها ما بين مؤيد بشدة لما يشاهده وبين رافض ومتحفظ نتيجة حجم الغبن وما أفرزته تلك العصابات من سلوك دخيل وتعدٍ في وضح النهار وممارسات أضحت من اليوميات لكن تبقى روح القانون في وجود دولة القانون هي المعبر للحد من تلك الظاهرة التي أقلقت مضاجع الناس وصارت أياديهم توضع على القلوب.
قانون الحرابة
وقال مهدي إن انتشار الفيديوهات غير كافٍ لاتعاظ المجرمين لإيقاف الظاهرة، ولكن الحل يكمن في تعزيز القانون وتشريع القوانين والعقوبات المغلظة التي ترقى لمستوى الحرابة .
وكذلك في تعزيز دور الشرطة ودعمها وتوفير ما يعينها بانتشار النقاط في الأحياء والمرابيع والشوارع العامة ذلك ربما قد يقضي عليها ويخمد نشاطها المتزايد .