حوار مع الأستاذ عادل الباز* رجلي انكسرت فى لعبة دبل كيك.. واصبحت أعرج خمسون عاماً بسببها.!.
حاوره / خليفة حسن بلة
منذ زمن وأنا أنوي محاورة أستاذي عادل الباز، ومنذ ذلك الزمان وأنا أتهيب مقدمة الحوار، كيف أكتب عن واحد متعدد؟ كان يجتمع عنده الفرقاء حيث يتجادلون في ود وتعلو ضحكاتهم، في الصباح يدير اجتماع التحرير بانضباط وصرامة وفي ذات الاجتماع يستمع لآراء ناقدة له من محرر ويتقبلها ولو استدعى الأمر يعتذر، يحتفل بوصول رواية من لندن ويؤجل قراءتها لما بعد مباراة الهلال والموردة ونصحبه في المدرجات يستقطب دائما واحد أو أكثر من أصدقائه (المثقفاتية) كأنه يريد أن يريهم حياة أخرى، يهتف مع المشجعين ويشتم الغبي ويشرب الشاي والقهوة وأثناء هذا الطقس يقترح بالهاتف مانشيت لخبر الأولى، يحب رصين الغناء بدءا من الكاشف ووردي وابي داؤود وأم كلثوم وغيرهم.. وحين يستبد به الطرب يرقص بشتارة بائنة، يقرأ الشعر وينتخب لنا جميله ، محب للناس ويمشي في حاجاتهم ويرعى الود حتى وإن لم يحفظ بعضهم جمائله عليهم، كريم جدا كأنه (وارث جبل دهب)، وهو ملهم للآخرين وحريف في هذا الجانب أحفظ له دعمي في الصحافة والكتابة، لا يقبل العادي من الأشياء ويشعرك أن الثريا متناول رميتك،ويمقت الأغبياء المدعين والثرثارين،
عادل أحمد الباز طاقة خلق وإبداع، (هين تستخفه بسمة الطفل قوي يصارع الأجيالا) لهذا وذاك وغيرها مما يعرفه عنه الكثير من الحصفاء
أرسلت له عبر الواتساب أسئلتي لحوار نستهل به تجربة جديدة، فيستجيب بعد أن شتمني وأخي أمير عبدالماجد وشكك في نوايانا الشريرة من هذا الحوار..
قال في أول رسالة : (انت حتكلمنى عن اسئلتكم انت وامير خابزكم وعارفكم فى المسخرة.. عاوزين تمسخرونى من اول عدد..)
المهم صدق ظني في أننا سننجز حوارا ممتعا.. سينتج ردود أفعال..
خليفة : من أين نبدأ يا استاذ ؟
عادل : من كوستى رديف انت مش من كوستى.!
خليفة : مش أحسن نبدأ من روتو بالدويم يا استاذ. !
عادل : يعنى أنت عارف العلاقة / روتو أحد أحياء الدويم القديمة، أفسده السكارى بصخبهم الكثيف ومعاركهم التي لا تنتهي.. كان ضاجاً بالحياة،كنا نتسلل إليه لنمسع أعذب الغناء والدوبيت…بالطبع لم نكن نتعاطى الحرام أو المكروه عمداً. صدق أو لاتصدق.
خليفة ده كلو فى الدويم بلد العلم والنور؟ !
ما الغريب الدويم بلد العلم والنور .. والجبنة والفسيخ ومعاهد المعلمين ووطن الغناء الجميل ..هل تعرف كم شاعر أنجبنا وكم رئيس وزراء وكم لاعب كورة .. وكم صعلوك.. حين دخلنا جامعة الخرطوم وجدنا 38 أستاذ من اولاد الدويم.
مالك يا خليفة جاى تفتش الماضى… ياااسلام على التجاني حاج موسى إبن الدويم البار فعلاً ….
عادل : هل تعرف قصة إبن الدويم البار.؟
خليفة : لا أنا من كوستى.
عادل : كان عندنا استاذ مشهور ما إن يطل المساء حتى يكون أول الداخلين لبار الدويم .. فلما أعلنت الانتخابات فى ذلك العام قرر أن يترشح .. فامتلأت جدران المنازل بالشعار الشهير ( انتخبوا “فلان” إبن الدويم البار) وقتها قام المنافس بالليل بتغطية كلمة الدويم ( لتصير العبارة انتخبوا فلان ابن البار) فى الصباح ضحكت الدويم وسقط ابن البار !!
خليفة : الدويم حاضرة دائماً فى كتاباتك. ما السر؟
عادل : شفت الدويم؟
خليفة : لا ولكن عرفت ناسها
وهم مكمن سرها.… وهي جميلة وكيف لا … تنام في أحضان بحر أبيض وتنثر عطرها على مجراه وتفرد شعرها على ضفتيه فبعض يلزم الكتف وبعض يتهدل. هى مدينة مترعة بالحكايا والقصص الغريبة والممتعة. كتب فيها عبد الله الطيب أجمل كتبه وأشعاره وخط فيها جمال محمد أحمد أجمل خطاباته. تأسس المسرح السوداني فى أحضانها وكان هناك أحمد الطيب زين العابدين والفكي عبد الرحمن. عشرات النوابغ والأفذاذ فى كل المجالات أنجبتهم الدويم هى ولود.
خليفة : لماذا ناسها؟
لأنهم مختلفين متنوعين لا يشبهون إلا أنفسهم وبالمناسبة نحن من حتة واحده بنشبه بعض!!.
هل تعرف أننا فى الدويم لا نعرف إلا بأسماء امهاتنا. عادل ود نفيسة ومرضي ود آسيا وأزهري ود دريشة وهكذا.
تُذكر الدويم فيذكر سر الختم الخليفة ومحمد أحمد المحجوب وغندور. وجيل كامل من المثقفين هل هؤلاء كل ما انجبت؟
قبل أن أقول ليك من انجبت وهم بالآلاف دعني أقول بالمناسبة، سر الختم الخليفة كان مفروض يكون أبوي عديل لولا أن ود الباز حضر فجأة إلى الدويم وطلب يد بت عمو نفيسة الشيخ الريح وكان ما كان. على العموم أنا غير نادم لأن والدي أصبح من بعد خليفة كبير فى الطريقة الختمية بعد أن تزوج للمرة الثانية من السيدة نائلة بنت السيد جعفر. أنا أخواني 5 من السادة والسيدات. أنعم بهم وأكرم.
الذين يذكرون دائماً مَن أشرت إليهم لا يعرفون التشكيلي الفذ سيف الدين لعوتة ولا الشاعر التجاني حاج موسى ولا عبد القادر يوسف ولا السمؤال خلف الله ولا الطيب زين العابدين ولا الطيب حاج عطية ولا غندور… ولا خليل عثمان ولا عم برعي …ولا صلاح على الأمين ولا المتعافي ولا او الريس ولا اولاد زروق والقائمة تطول وهم بالقطع لايعرفون أستاذي العظيم الطيب عبد الحميد الذى علمني كل شيء من صيد السمك إلى صيد الأشعار الجميلة والروايات البديعة . كان رائعاً في كل شئ شآبيب الرحمة على قبره. يمكنني أن أحسب لك مئات من العلماء والمبدعين والفنانين أنجبتهم الدويم فى كل المجالات ولهم فى خدمة الشعب فن وعلم وعرق.
نترك الدويم ونذهب لعادل الباز… قالوا إنه في دافوري فى الحي الثامن بالدويم انكسرت رجلك وجبصوها غلط ولولا ما حدث لكنت أمهر جناح لفت فى السودان.؟
ما عارف لكن ما أظن كنت ح أكون ألعب من كريشنقا. هل تعرف كريشنقا ( أخطر مهاجم أنجبته الكرة السودانية وهو من أشبال الدويم ولعب لفترة قصيرة للهلال العاصمي ولا زلت أذكر العنوان الشهير فى إحدى الصحف (جاءت الجماهير لتشاهد حبشى فأدهشها كريشنقا).
نعم رجلي انكسرت فى لعبة رائعة دبل كيك … سببت لي كسر فى الحوض ولكن المهم إنو اللقطة عجباني إلى الآن رغم أنني أعرج خمسون عاماً بسببها.!.
العملية كانت غلط والجبص غلط… بس الحمد لله أهو أنا حي قاعد فى الدوحة أبحث عن رزقي.
من حكايا الناس عن جدك الباز أتخيله بطل لفيلم وثائقي.
جدى الباز يصلح لأن يكون بطل مسلسل درامي مدهش. تصور جدي في أكثر الروايات تواضعاً أنه تزوج من 53 امرأة. ( أنا لازالت موحد .. والحمد لله تقول شنو بالتأكيد أنا متزوج من واحدة تساوي الثلاثة وخمسين مجتمعات.) عرفت من زوجات جدى أربع ولكل واحدة منهن حكاية مثيرة. جدي (فى كل بلد سوالو أولاد.) انا هسع شاكي إنو فاروق الباز وأسامة الباز ونعمة الباز ديل أولاد جدي. الله أعلم.
الطريق لجامعة الخرطوم كلية الاقتصاد والعلوم السياسية كان كيف.؟
كان مستحيلاً وخاصة لأمثالى..أنا ضعيف فى الرياضيات وشاطر فى الروايات، مشيت غلط الاقتصاد!! ما كان مفروض أدخل الجامعة أصلاً كان مفروض أصبح أستاذ فى بخت الرضا لولا خليل عثمان أميز وأكرم رجال الأعمال الذى أتاح لى فرصة العمل فى مصنع النسيج وأنا طالب بالجامعة.
صاحبك الكتيابى ياخليفة مش قال:
هل الفقراء إلا نحن والطير **
نصوغ لحبة لحنا ويأكل لحمنا الغير.
نغيب فتضرب الدنيا سرادقها كان مغيبنا عرس ..
خليفة: كنا عندما نجي بيتكم في امتداد ناصر لا نجد سرير فاضي.. السراير مشغولة بشباب وقتذاك كلهم أصبحوا نجوماً في مجالات مختلفة مليان ناس نائمة وأنت مافي..نتذكرهم معك؟
يا خليفة إنت مش عارف إنو أنا عندي زهايمر مبكر أذكر شنو ولا منو.. على العموم كانوا يجملون منزلنا، عناقريب متواضعة بؤنسهم وضحكهم الجميل. كلهم كانوا أحباب وأصدقاء.
خليفة: الله يرحم أمنا والدتكم الحاجة نفيسة..وأمد الله في عمر وعافية أختنا شقيقتكم نوال .. عصرت عليهم شديد يا أستاذ.
لاماعصرت عليهم.. أمي نفيسة بإذن الله ترفل الآن فى نعيم الجنة فى نمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة، بفضل ما كانت تكرم وتخدم وتسهر على أصدقائي . أما نوال تستاهل التعب لأنها تعبتني الآن شديد.!!
من وين جيت للصحافة.؟
من الدويم/ من بخت الرضا من جوف مكتباتها وثقافة أساتذتها وبهاء وعمق أناشيدها… كنا أنا وصديق عمري كمال علي الأمين (حياه الغمام) معجبين بنشيد المستقبل (إنني طفل صغير اتخذت العلم نوراً
يا ترى ماذا أصير عندما أغدو كبيراً
هل ترى أغدو أديباً أو صحافياً شهيراً
أم ترى أغدو ام طبيباً أم وزيراً …. عندما يقرأ الأستاذ هذ المقطع فى الفصل نهتف معا صحفياً شهيراً !!.
كانت الصحافة نشيداً وأمنية وحلم… يا لأحلامنا المجهضة.
ومالها الصحافة أعطتك إسماً ومكانة ودوراً ؟
الحمد لله وجعلتني معلم الله.
خليفة : ترحلت كثيراً في فضاءات وأزقة الصحافة من ألوان، سنابل المجلة، للشاهد الدولي فالصحافي الدولي، سنابل الثقافية، ثم جريدة الصحافة، فالأحداث الورقية، فالخرطوم والرأي العام، وأخيراً الأحداث الإلكترونية.
الترحال ده قلق مبدع. أم لدواعي أخرى؟.
الأثنين، قلق وحاجات تانية… منها اختلافات مع ناشرين ومرات طمع مني او بحثاً عن الأفضل ومرات زهج ساكت. انا عندى مشكلة لا استطيع الاستمرار أكثر من أربع سنوات أو بالكثير خمس فى مقعد واحد يصيبني ملل عجيب وأنا مقتنع إنو أي حاجة تديرها خلال أربع سنوات قدرت تعمل فيها حاجة أو ماقدرت حقو تمشى تخليها.
هسع أنا ماعارف يوم القيامة كيف لو ربنا أكرمني بالجنة ما عارف بعد أربع سنوات البحصل شنو. ممكن أطلب نقليات داخلية بس لن أطلب زيارتكم أنت وأمير فى سقر.
والقروش وين في الرحلة دي.؟
الصحافة مهنة ما فيها قروش. الذين حالفهم الحظ وعملوا منها قروش فى تاريخ الصحافة يعدون على أصابع اليد. المهم سترة الحال.
أنت اشتغلت مع الأستاذ حسين خوجلي ويقولون أنه حصيف في اكتشاف النوابغ و النابهين.؟.
حسين ذكي ومبدع. المواهب تلمع كالنجوم فى سماء صحافته لأنه يتيح لها حرية العمل والإبداع ويرهقها بتعليقاتو الساخرة العمل مع حسين يجعل من الصحافة مهنة ممتعة. صالة تحرير ألوان كانت صالة للأدب والفن والغناء الجميل والجدل السياسي المستمر المثمر.
خليفة: نقرأ ونسمع عن شهادات لمتميزين كثر يعترفوا لك بما وصلوا إليه.. نحرجك أن طلبنا منك نماذج لمن قدمتهم للإعلام؟ تعدد المجالات والمواهب.؟
نعم عملت مع كثير من المتميزين الذين يثرون الحياة الصحفية الآن. هل تعرف أن 5 من مراسلي الصحف الأجنبية والوكالات تخرجوا من صحيفة الأحداث وعشرات الصحفيين المميزين ومدراء القنوات الفضائية. للأحداث عشرة رؤساء تحرير ولنا في مجلس الوزراء صحفيين وكان لنا فى مجلس السيادة. تبقى لنا فقط تجنيد أعضاء في المكون العسكرى ونستلم البلد.
قلم الباز يصنف أنه حاد.. هل توافق؟
حاد ضد المستكبرين والظالمين والفاسدين والذين في آذانهم وقر أيا كان دينهم وانتماءهم وموقعهم من الإعراب السياسى. لا يهمني لون القط ما يهمنى هو أنه قادر على أكل الفار أم لا.
تعددت المجالات التي تركت فيها بصمتك غير الصحافة (نمارق، بيت الثقافة
فى المجال الثقافي وفي الدراما ومسلسلات وبرامج وقصص وحكايا ووثائقيات.. فى الرواية كارلوس.. هل هذا تنوع أم تشتت.؟
بحسب موقفك وإسهامك فى تلك المجالات بين النجاح والفشل. أنت مثلاً بتمثل وبتكتب دراما بتدير مراكز ثقافية وقنوات فضائية. أنت متنوع ولا مشتت.؟ أعود معك إلى الدويم أغلب أولاد الدويم متنوعين وذوي مواهب متعددة، أضرب لك مثلاً السمؤال خلف الله القريش. سمؤال لاعب كرة ماهر وعازف أكورديون فنان و نحت اسمه فى تاريخ العمل الثقافي من اتحادات الطلاب وحتى قمة وزارة الثقافة في السودان مروراً بنمارق وبيت الثقافة وغيرها، وهو إمام جامع وهو الآن مستشار ثقافي بأهم وزارة في قطر. المحجوب شاعر وسياسي، غندور لاعب كرة وطبيب ووزير خارجية. عشرات صقلتهم بخت الرضا بتنوعها فاستحقوا هذا الثراء المعرفي والعطاء الممتد فى كثير من المجالات.
الهجرة قرار بكامل قواك العقلية أم كنت مجبر عليها؟
كنت بين أن أدخل السجن بعد إغلاق صحيفتي أو أن أجعل يدي سفلى أو فاسداً أو أن أحتفظ بكرامتي و مهنتي عزيزاً وأضرب فى أرض الله الواسعة، فقررت الهجرة وأنا بكامل قواي العقلية.
هجرتك جعلت نصفك الآخر – وصال ناصر – تهجر الإخراج رغم ما قدمته من أعمال تنبئ عن مخرجة مبدعة.
نعم تركت الإخراج الذي أبدعت فيه عبر المسلسلات والأفلام ولا أذكر مخرجة قدمت للدراما السودانية بالمثابرة التي أنجزت بها وصال كل أعمالها في “بالله شوف” وقصص وحكايات وبقبة البرامج. وهذا جزء من تضحياتها الكبيرة فى حياتنا. طبعا التضحية الأولى أنها تزوجتني.
بعض ما يميزك انفتاحك على من يصنفوا من المختلفين معك فكرياً وسياسياً. هل ما زال حبل الود ممتد بينك وبينهم؟
نعم كل أصدقائي الذين أختلف معهم فكرياً و رياضياً وسياسياً محتفظ بهم منذ سنوات طويلة لا شيء يعكر صفو ودنا والاحترام وافر بيننا.
شنو حكايتك مع الحاج وراق يميني صديق لشيوعي يسارى قيادي ..ألم تفرقكم السياسة؟
وراق صديقي منذ الجامعة في ثمانينيات القرن الماضي ولايزال. كان يمكن أن نكون جمهوريين وصلنا بواسطة أستاذ دالي إلى الأستاذ محمود محمد طه ولم نقتنع بالفكرة. أسسنا منتدى النفير الثقافي سوياً بجامعة الخرطوم ومعنا إلهام مصطفى يطرها الله بالخير. عملنا سوياً بجريدة الصحافة (الشراكة الذكية). الحاج رجل ذو أفق واسع وعميق. لو أن قحت استمعت لنصائحه لكان حالها غير.
تتحامل على (قحت).. لأنهم من أسقطوا الإنقاذ يقول بعض المحللين؟
أنا علاقتى بالانقاذ شنو؟ هل كنت وزيراً أم مستفيداً؟ هل تعلم أنني لم أعمل فى أي وظيفة ولم أتولى أي منصب فى الإنقاذ عبر ثلاثين عاماً. أنا متهم بالانحياز للانقاذ لأني إسلامي وهذا ما أفتخر به. أنا أكثر من انتقد الإنقاذ وكشف فساد بعض منسوبيها. قحت خانت قيم الثورة فى الحرية والعدالة وأنا لا أحب الخائنين كما أن الله لايهدي كيدهم وقد فعل. قحت لم تسقط الإنقاذ وهى آخر المتشعلقين فى قطار الثورة.
من الذي يتحمل سقوط الانقاذ.. أو ما الذي أسقطها؟
من أسقط الإنقاذ أولاً هم قادتها بصراعاتهم الصغيرة وبعض سياساتها الرعناء المتغطرسة، ثم إن أهلها أخيراً صموا آذانهم عن الاستماع لكل النصائح. المكتولة المابتسمع الصايحة.
لو قابلت البشير ماذا ستقول له.؟
شكراً سيدي الرئيس…. شكراً هذه قالها كثيرون لمن لايستحقون.
. صلاح قوش .. صديقك حسب مايشاع
خليفة : من أين نبدأ يا استاذ ؟
عادل : من كوستى رديف انت مش من كوستى.!
خليفة : مش أحسن نبدأ من روتو بالدويم يا استاذ. !
عادل : يعنى أنت عارف العلاقة / روتو أحد أحياء الدويم القديمة، أفسده السكارى بصخبهم الكثيف ومعاركهم التي لا تنتهي.. كان ضاجاً بالحياة،كنا نتسلل إليه لنمسع أعذب الغناء والدوبيت…بالطبع لم نكن نتعاطى الحرام أو المكروه عمداً. صدق أو لاتصدق.
خليفة ده كلو فى الدويم بلد العلم والنور؟ !
ما الغريب الدويم بلد العلم والنور .. والجبنة والفسيخ ومعاهد المعلمين ووطن الغناء الجميل ..هل تعرف كم شاعر أنجبنا وكم رئيس وزراء وكم لاعب كورة .. وكم صعلوك.. حين دخلنا جامعة الخرطوم وجدنا 38 أستاذ من اولاد الدويم.
مالك يا خليفة جاى تفتش الماضى… ياااسلام على التجاني حاج موسى إبن الدويم البار فعلاً ….
عادل : هل تعرف قصة إبن الدويم البار.؟
خليفة : لا أنا من كوستى.
عادل : كان عندنا استاذ مشهور ما إن يطل المساء حتى يكون أول الداخلين لبار الدويم .. فلما أعلنت الانتخابات فى ذلك العام قرر أن يترشح .. فامتلأت جدران المنازل بالشعار الشهير ( انتخبوا “فلان” إبن الدويم البار) وقتها قام المنافس بالليل بتغطية كلمة الدويم ( لتصير العبارة انتخبوا فلان ابن البار) بالصباح ضحكت الدويم وسقط ابن البار !!
خليفة : الدويم حاضرة دائماً فى كتاباتك. ما السر؟
عادل : شفت الدويم؟
خليفة : لا ولكن عرفت ناسها
وهم مكمن سرها.… وهي جميلة وكيف لا … تنام في أحضان بحر أبيض وتنثر عطرها على مجراه وتفرد شعرها على ضفتيه فبعض يلزم الكتف وبعض يتهدل. هى مدينة مترعة بالحكايا والقصص الغريبة والممتعة. كتب فيها عبد الله الطيب أجمل كتبه وأشعاره وخط فيها جمال محمد أحمد أجمل خطاباته. تأسس المسرح السوداني فى أحضانها وكان هناك أحمد الطيب زين العابدين والفكي عبد الرحمن. عشرات النوابغ والأفذاذ فى كل المجالات أنجبتهم الدويم هى ولود.
خليفة : لماذا ناسها؟
لأنهم مختلفين متنوعين لا يشبهون إلا أنفسهم وبالمناسبة نحن من حتة واحده بنشبه بعض!!.
هل تعرف أننا فى الدويم لا نعرف إلا بأسماء امهاتنا. عادل ود نفيسة ومرضي ود آسيا وأزهري ود دريشة وهكذا.
تُذكر الدويم فيذكر سر الختم الخليفة ومحمد أحمد المحجوب وغندور. وجيل كامل من المثقفين هل هؤلاء كل ما انجبت؟
قبل أن أقول ليك من انجبت وهم بالآلاف دعني أقول بالمناسبة، سر الختم الخليفة كان مفروض يكون أبوي عديل لولا أن ود الباز حضر فجأة إلى الدويم وطلب يد بت عمو نفيسة الشيخ الريح وكان ما كان. على العموم أنا غير نادم لأن والدي أصبح من بعد خليفة كبير فى الطريقة الختمية بعد أن تزوج للمرة الثانية من السيدة نائلة بنت السيد جعفر. أنا أخواني 5 من السادة والسيدات. أنعم بهم وأكرم.
الذين يذكرون دائماً مَن أشرت إليهم لا يعرفون التشكيلي الفذ سيف الدين لعوتة ولا الشاعر التجاني حاج موسى ولا عبد القادر يوسف و السمؤال خلف الله ولا الطيب زين العابدين ولا الطيب حاج عطية ولا غندور… ولا خليل عثمان ولا عم برعي …ولا صلاح على الأمين ولا المتعافي وهم بالقطع لايعرفون أستاذي العظيم الطيب عبد الحميد الذى علمني كل شيء من صيد السمك إلى صيد الأشعار الجميلة والروايات البديعة . كان رائعاً في كل شئ شآبيب الرحمة على قبره. يمكنني أن أحسب لك مئات من العلماء والمبدعين والفنانين أنجبتهم الدويم فى كل المجالات ولهم فى خدمة الشعب فن وعلم وعرق.
نترك الدويم ونذهب لعادل الباز… قالوا إنه في دافوري فى الحي الثامن بالدويم انكسرت رجلك وجبصوها غلط ولولا ما حدث لكنت أمهر جناح لفت فى السودان.؟
ما عارف لكن ما أظن كنت ح أكون ألعب من كريشنقا. هل تعرف كريشنقا ( أخطر مهاجم أنجبته الكرة السودانية وهو من أشبال الدويم ولعب لفترة قصيرة للهلال العاصمي ولا زلت أذكر العنوان الشهير فى إحدى الصحف (جاءت الجماهير لتشاهد بوشكاش وأدهشها كريشنقا).
نعم رجلي انكسرت فى لعبة رائعة دبل كيك … سببت لي كسر فى الحوض ولكن المهم إنو اللقطة عجباني إلى الآن رغم أنني أعرج خمسون عاماً بسببها.!.
العملية كانت غلط والجبص غلط… بس الحمد لله أهو أنا حي قاعد فى الدوحة أبحث عن رزقي.
من حكايا الناس عن جدك الباز أتخيله بطل لفيلم وثائقي.
جدى الباز يصلح لأن يكون بطل مسلسل درامي مدهش. تصور جدي في أكثر الروايات تواضعاً أنه تزوج من 53 امرأة. ( أنا لازالت موحد .. والحمد لله تقول شنو بالتأكيد أنا متزوج من واحدة تساوي الثلاثة وخمسين مجتمعات.) عرفت من زوجات جدى أربع ولكل واحدة منهن حكاية مثيرة. جدي (فى كل بلد سوالو أولاد.) انا هسع شاكي إنو فاروق الباز وأسامة الباز ونعمة الباز ديل أولاد جدي. الله أعلم.
الطريق لجامعة الخرطوم كلية الاقتصاد والعلوم السياسية كان كيف.؟
كان مستحيلاً وخاصة لأمثالى..أنا بليد فى الرياضيات وشاطر فى الروايات، مشيت غلط الاقتصاد!! ما كان مفروض أدخل الجامعة أصلاً كان مفروض أصبح أستاذ فى بخت الرضا وبس لولا خليل عثمان أميز وأكرم رجال الأعمال الذى أتاح لى فرصة العمل فى مصنع النسيج وأنا طالب بالجامعة.
صاحبك الكتيابى ياخليفة مش قال:
هل الفقراء إلا نحن والطير **
نصوغ لحبة لحنا ويأكل لحمنا الغير.
نغيب فتضرب الدنيا سرادقها كان مغيبنا عرس ..
كنا عندما نجي بيتكم في امتداد ناصر لا نجد سرير فاضي.. السراير مشغولة بشباب وقتذاك كلهم أصبحوا نجوماً في مجالات مختلفة مليان ناس نائمة وأنت مافي.. نتذكرهم معك؟
يا خليفة إنت مش عارف إنو أنا عندي زهايمر مبكر أذكر شنو ولا منو.. على العموم كانوا يجملون منزلنا، عناقريب متواضعة بؤنسهم وضحكهم الجميل. كلهم كانوا أحباب وأصدقاء.
رحم الله أمنا والدتكم الحاجة نفيسة..وأمد الله في عمر وعافية أختنا شقيقتكم نوال .. عصرت عليهم شديد يا أستاذ.
لاماعصرت عليهم.. أمي نفيسة بإذن الله ترفل الآن فى نعيم الجنة فى نمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة، بفضل ما كانت تكرم وتخدم وتسهر على أصدقائي . أما نوال تستاهل التعب لأنها تعبتني الآن شديد.!!
من وين جيت للصحافة.؟
من الدويم/ من بخت الرضا من جوف مكتباتها وثقافة أساتذتها وبهاء وعمق أناشيدها… كنا أنا وصديق عمري كمال علي الأمين (حياه الغمام) معجبين بنشيد المستقبل (إنني طفل صغير اتخذت العلم نوراً
يا ترى ماذا أصير عندما أغدو كبيراً
هل ترى أغدو أديباً أو صحافياً شهيراً
أم ترى أغدو عريساً أم طبيباً أم وزيراً) عندما يقرأ الأستاذ هذ المقطع فى الفصل نهتف معا صحفياً شهيراً !!.
كانت الصحافة نشيداً وأمنية وحلم… يا لأحلامنا المجهضة.
ومالها الصحافة أعطتك إسماً ومكانة ودوراً ؟
الحمد لله وجعلتني معلم الله.
ترحلت كثيراً في فضاءات وأزقة الصحافة من ألوان، سنابل المجلة، للشاهد الدولي فالصحافي الدولي، سنابل الثقافية، ثم جريدة الصحافة، فالأحداث الورقية، فالخرطوم والرأي العام، وأخيراً الأحداث الإلكترونية.
الترحال ده قلق مبدع. أم لدواعي أخرى.؟
الأثنين، قلق وحاجات تانية… منها اختلافات مع ناشرين ومرات طمع مني بحثاً عن الأفضل ومرات زهج ساكت. انا عندى مشكلة لا استطيع الاستمرار أكثر من أربع سنوات أو بالكثير خمس فى مقعد واحد يصيبني ملل عجيب وأنا مقتنع إنو أي حاجة تديرها خلال أربع سنوات قدرت تعمل فيها حاجة أو ماقدرت حقو تمشى تخليها.
هسع أنا ماعارف يوم القيامة كيف لو ربنا أكرمني بالجنة ما عارف بعد أربع سنوات البحصل شنو. ممكن أطلب نقليات داخلية بس لن أطلب زيارتكم أنت وأمير فى سقر.
والقروش وين في الرحلة دي.؟
الصحافة مهنة ما فيها قروش. الذين حالفهم الحظ وعملوا منها قروش فى تاريخ الصحافة يعدون على أصابع اليد. المهم سترة الحال.
أنت اشتغلت مع الأستاذ حسين خوجلي ويقولون أنه حصيف في اكتشاف النوابغ و النابهين.؟.
حسين ذكي ومبدع. المواهب تلمع كالنجوم فى سماء صحافته لأنه يتيح لها حرية العمل والإبداع ويرهقها بتعليقاتو الساخرة العمل مع حسين يجعل من الصحافة مهنة ممتعة. صالة تحرير ألوان كانت صالة للأدب والفن والغناء الجميل والجدل السياسي المستمر المثمر.
نقرأ ونسمع عن شهادات لمتميزين كثر يعترفوا لك بما وصلوا إليه.. نحرجك أن طلبنا منك نماذج لمن قدمتهم للإعلام؟ تعدد المجالات والمواهب.؟
نعم عملت مع كثير من المتميزين الذين يثرون الحياة الصحفية الآن. هل تعرف أن 5 من مراسلي الصحف الأجنبية والوكالات تخرجوا من صحيفة الأحداث وعشرات الصحفيين المميزين ومدراء القنوات الفضائية. للأحداث عشرة رؤساء تحرير ولنا في مجلس الوزراء صحفيين وكان لنا فى مجلس السيادة. تبقى لنا فقط تجنيد أعضاء في المكون العسكرى ونستلم البلد.
قلم الباز يصنف أنه حاد.. هل توافق؟
حاد ضد المستكبرين والظالمين والفاسدين والذين في آذانهم وقر أيا كان دينهم وانتماءهم وموقعهم من الإعراب السياسى. لا يهمني لون القط ما يهمنى هو أنه قادر على أكل الفار أم لا.
تعددت المجالات التي تركت فيها بصمتك غير الصحافة (نمارق، بيت الثقافة
فى المجال الثقافي وفي الدراما ومسلسلات وبرامج وقصص وحكايا ووثائقيات.. فى الرواية كارلوس.. هل هذا تنوع أم تشتت.؟
بحسب موقفك وإسهامك فى تلك المجالات بين النجاح والفشل. أنت مثلاً بتمثل وبتكتب دراما بتدير مراكز ثقافية وقنوات فضائية. أنت متنوع ولا مشتت.؟ أعود معك إلى الدويم أغلب أولاد الدويم متنوعين وذوي مواهب متعددة، أضرب لك مثلاً السمؤال خلف الله القريش. سمؤال لاعب كرة ماهر وعازف أكورديون فنان و نحت اسمه فى تاريخ العمل الثقافي من اتحادات الطلاب وحتى قمة وزارة الثقافة في السودان مروراً بنمارق وبيت الثقافة وغيرها، وهو إمام جامع وهو الآن مستشار ثقافي بأهم وزارة في قطر. المحجوب شاعر وسياسي، غندور لاعب كرة وطبيب ووزير خارجية. عشرات صقلتهم بخت الرضا بتنوعها فاستحقوا هذا الثراء المعرفي والعطاء الممتد فى كثير من المجالات.
الهجرة قرار بكامل قواك العقلية أم كنت مجبر عليها؟
كنت بين أن أدخل السجن بعد إغلاق صحيفتي أو أن أجعل يدي سفلى أو فاسداً أو أن أحتفظ بكرامتي و مهنتي عزيزاً وأضرب فى أرض الله الواسعة، فقررت الهجرة وأنا بكامل قواي العقلية.
هجرتك جعلت نصفك الآخر – وصال ناصر – تهجر الإخراج رغم ما قدمته من أعمال تنبئ عن مخرجة مبدعة.
نعم تركت الإخراج الذي أبدعت فيه عبر المسلسلات والأفلام ولا أذكر مخرجة قدمت للدراما السودانية بالمثابرة التي أنجزت بها وصال كل أعمالها في “بالله شوف” وقصص وحكايات وبقبة البرامج. وهذا جزء من تضحياتها الكبيرة فى حياتنا. طبعا التضحية الأولى أنها تزوجتني.
بعض ما يميزك انفتاحك على من يصنفوا من المختلفين معك فكرياً وسياسياً. هل ما زال حبل الود ممتد بينك وبينهم؟
نعم كل أصدقائي الذين أختلف معهم فكرياً و رياضياً وسياسياً محتفظ بهم منذ سنوات طويلة لا شيء يعكر صفو ودنا والاحترام وافر بيننا.
شنو حكايتك مع الحاج وراق يميني صديق لشيوعي يسارى قيادي ..ألم تفرقكم السياسة؟
وراق صديقي منذ الجامعة في ثمانينيات القرن الماضي ولايزال. كان يمكن أن نكون جمهوريين وصلنا بواسطة أستاذ دالي إلى الأستاذ محمود محمد طه ولم نقتنع بالفكرة. أسسنا منتدى النفير الثقافي سوياً بجامعة الخرطوم ومعنا إلهام مصطفى يطرها الله بالخير. عملنا سوياً بجريدة الصحافة (الشراكة الذكية). الحاج رجل ذو أفق واسع وعميق. لو أن قحت استمعت لنصائحه لكان حالها غير.
تتحامل على (قحت).. لأنهم من أسقطوا الإنقاذ يقول بعض المحللين؟
أنا علاقتى بالانقاذ شنو؟ هل كنت وزيراً أم مستفيداً؟ هل تعلم أنني لم أعمل فى أي وظيفة ولم أتولى أي منصب فى الإنقاذ عبر ثلاثين عاماً. أنا متهم بالانحياز للانقاذ لأني إسلامي وهذا ما أفتخر به. أنا أكثر من انتقد الإنقاذ وكشف فساد بعض منسوبيها. قحت خانت قيم الثورة فى الحرية والعدالة وأنا لا أحب الخائنين كما أن الله لايهدي كيدهم وقد فعل. قحت لم تسقط الإنقاذ وهى آخر المتشعلقين فى قطار الثورة.
من الذي يتحمل سقوط الانقاذ.. أو ما الذي أسقطها؟
من أسقط الإنقاذ أولاً هم قادتها بصراعاتهم الصغيرة وبعض سياساتها الرعناء المتغطرسة، ثم إن أهلها أخيراً صموا آذانهم عن الاستماع لكل النصائح. المكتولة المابتسمع الصايحة.
لو قابلت البشير ماذا ستقول له.؟
شكراً سيدي الرئيس…. شكراً هذه قالها كثيرون لمن لايستحقون
. صلاح قوش .. صديقك حسب مايشاع.؟
بلحيل ومنذ الجامعة وسيظل
بمناسبة قوش ماذا تقول عن القول بمساهمته في إسقاط الإنقاذ؟
هو مِن ضمن قادة الإنقاذ الذين عملوا بمثابرة لإسقاطها وقد فعلوا ما فعلوا بمثابة عظيمة.
. كيف تنظر لمستقبل الإسلاميين؟
زاهر ولو بعد حين….لا يمكن أن تذهب تضحيات أجيال منهم سدى… سقوا هذه الأرض بدمائهم وستنبت هذه الأرض جيلاً منهم متسلح بتجربة عميقة وأفق واسع.
. مَن سيفوز بأغلبية انتخابات السودان الجاية و مَن سيحكمه مستقبلاً؟
العلم عند الله لكن لو ربنا سهل وجرت انتخابات خلال الخمس سنوات القادمة فإن الفائز الاول هو السودان أما مَن سيحكم ستكون مجموعات خليط من الأحزاب القديمة والحديثة وقوى الهامش و الاسلاميين وبعض اليسار متحالفاً أو متدثراً بلافتات حديثة.