رسالة في بريد الحرية والتغيير
في العام ١٩٨٦، خرج الشعب الفلبيني الى شوارع مانيلا (واسمها الحقيقي امان الله) ثائرين على الديكتاتور الذي حكم بلادهم بقوة الحديد والنار، معلنين نهاية حكم الرئيس Ferdinand Marcos. وعلى الرغم من ان ماركوس كان مقربا من الغرب، الا ان المجتمع الغربي رحب بثورة الشعب الفلبيني واعتبرها ثورة ضد الظلم والديكتاتورية.
اضطر ماركس ان يغادر البلاد مع اسرته، مفضلا قضاء ما بقي من عمره في المنفى حيث توفي بعدها بأعوام. لكن اسرته عادت الى الفلبين في منتصف التسعينيات، حيث انخرط نجله الوحيد Marcos Jr في العمل السياسي، ونجح في دخول البرلمان مستثمرا ما تبقى من شعبية والده ونفوذ اسرته في شمال الفلبين.
لكن المفاجأة التي لم تخطر على بال احد من الثوار الذين انهوا حكم Marcos الأب، ان تخرج الجماهير بعد ٣٦ عاما لتنصب Marcos Jr رئيسا للبلاد في انتخابات حرة وديموقراطية، حصل فيها على حوالي ٦٠٪ من اصوات الناخبين. ولئن كان كارلوس الأب قد غادر الحياة، الا ان زوجته Imelda Carlos (والتي لعبت دورا هاما في استفزاز مشاعر الشعب الفلبيني واجباره على الثورة) بدت في غاية السعادة وهي تشهد عودة أبنها الى القصر الرئاسي.
المعارضة الفلبينية اتهمت السوشيال الميديا بتسهيل وصول كارلوس الابن الى سدة الحكم، وذلك من خلال الحملة الدعائية المنظمة والمعلومات المغلوطة التي استطاع فريقه الانتخابي تسويقها للجيل الجديد من ابناء الشعب. تجدر الاشارة هنا الى ان المرشح الرئاسي الذي خسر امام Carlos Jr استخدم نفس العبارة التي استخدمتها هيلاري كلينتون لتبرير فوز ترامب (Spreading Disinformation )
كنت قد نشرت تسجيلا صوتيا قبل ايام علقت فيه عن ندوة تحدث فيها باراك اوباما عن خطورة نشر المعلومة المغلوطة عبر وسائل السوشيال ميديا، وكيف ان الروس قد برعوا في استخدام هذا السلاح عندما سوقوا ترامب في السوشيال ميديا عبر نشر كمية ضخمة من الاكاذيب والمعلومات المضللة. في ختام الندوة نبه اوباما الى ان اكبر مهدد سيعيق مسيرة الديموقراطية في مقبل الايام هو “الاستخدام السلبي للسوشيال ميديا في الدعاية الإنتخابية”.
بغض النظر عن قضية تعقيدات المشهد في الفلبين، واحتمالات استخدام السوشيال ميديا لحسم الصراع الانتخابي (كما حدث في انتخابات كلينتون/ترامب). تظل هناك حقيقية اثبتتها التجربة البوليفية، وهي ان ديناميكية الثورة أمر في غاية التعقيد، وأن خروج الجماهير ضد حاكم ما، لا يعني بحال من الاحوال انه موقف نهائي مؤبد. فالجماهير تملك الذكاء الذي يجعلها لا تكف عن المقارنة، ومتى تبين لها بؤس الحكام الجدد وعجزهم عن التحلي بالمسؤولية والامانة والصدق. فإنها لا تمانع مطلقا من اعادة إعطاء الفرصة لحكام الأمس (كما حدث في بوليفيا، عندما عاد الحزب الاشتراكي الى سدة الحكم عبر الانتخابات. بعد اقل من خمسة اعوام من الثورة التي اخرجته من السلطة).
عبدالرحمن عبدالله سيد احمد
هيوستن، تيكساس