اغتيال الفنان أندوكاي…. الغدر بالسماحة والتسامح والسلام
طارق الأمين
ابن دار أندوكا.. المبدع الجميل محمد حسن أندوكاي.. نسيج من المرح والفكاهة ومحبة العالم.. هدير من الاحتفاء بالناس والحياة وجذوة قصوى من البذل والعطاء لم تعرف دواخله اليأس منذ ظهوره على مسرح الحياة ضاجاً بالأمل وناسجاً من تناقضات الواقع لوحاته المسرحية وأهازيجه الغنائية تحفها كاريزما صدقه الممتدة من أقاصي غرب البلاد الى شرقها وجنوبها.. أواسطها والشمال.. أندوكاي مبدع ممشوق القامة وفاتن الخيال.. كريم الخصال.
يا للحزن يا صديقي
هل حقاُ رحلت بكل هذا الطيف المتنوع من القدرات الإبداعية والملكات الإنسانية
عرفت صديقي وأخي الأصغر الفنان المغدور أندوكاي قبل حوالي عشرة أعوام من الآن.. كنا في بيت الفنون نبحث عن شركاء لإطلاق مشروع المسرح التفاعلي في السودان برعاية اليونسيف فانضم للمجموعات التي تأسست في عدد من المدن السودانية ونال تدريباً مكثفاً في فنيات التأليف والأداء المسرحي التفاعلي على منهجية… Stop and act والتي برع فيها حتى نال جائزة أفضل ممثل في مهرجان تنافسي بالخرطوم شاركت فيه العديد من فرق الولايات.. لم يبخل هذا المبدع على الناس بما حباه به الله من مواهب فطفق يطوف القرى والحلال والمدن والمدارس ومعسكرات النازحين مبشراً بثقافة السلام والتعايش السلمي والتي كان قد تلقى فيها تدريباً متقدماً في بيت الفنون عبر خبراء سودانيين وأجانب حتى امتزجت الموهبة عنده بالعلم والتدريب الفائق فغدا آيقونة دارفور المسرحية وغرسها الإبداعي لا تملك الا أن تحبه في أول إطلالة تلتقيه فيها.. ثم تجسدت أصالته في نسج شبكة من العلاقات الفنية والاجتماعية والإنسانية مع كل الطيف الفني من جيله الثلاثيني حتى صار منزله بحي الجبل في مدينة الجنينة مزاراً وملجأً للمبدعين من كافة أنحاء السودان.. يدعوهم ليقدموا ما عندهم في غرب دارفور ويصل اليهم في كل مكان مشاركاً في أنشطتهم الاجتماعية والثقافية وقد قام بالمشاركة في فعاليات عديل المدارس أكثر من مرة وتبدت قدراته الفذة في التمثيل والغناء والتأليف المسرحي والغنائي لكل من التقاه فاستحق لقب الفنان الشامل عن حب وجدارة وامتد تأثيره غرباً الى داخل دولة تشاد المجاورة في طريقه ليكون نجم السودان الأول.. تحدثت معه عبر الهاتف قبل أيام… اتفقنا في تلك المحادثة الأخيرة على تسجيل حلقات درامية بالخرطوم لصالح إنسان السودان في كل مكان.. حلقات تبعث الأمل وتطرد اليأس وتبشر بالمستقبل..
كم هو حزين هذا الفقد الموجع.. لم يكن ينقص هذي البلاد المكلومة مزيداً من الدموع والجراحات.. فلتدم خالداً يا صديقي فقد بذلت أجمل ما حباك الله به من موهبة في سبيل إسعادنا.. إني أشهد أنك كنت من المخلصين ومع الضعفاء والمرضى والحزانى وتلاميذ المدارس.. لم تدخر جهداً في تعليم أطفال المعسكرات الألعاب وأساسيات النظافة والسلام وكنت تنضح حماية للأمومة والطفولة والتعايش الاجتماعي وتنبض بالحب والحياة والتسامح والابتسام في كل زمان ومكان.. تمقت الظلم والحروب وتغني للمطر.. (المي كن جي ندقي بجبجي.. نشيلي طورية وجراي نمشي لي زرع) فلتحلق عالياً يا صديقي المبدع في سماوات الخلود وليسعنا وأهلك وأسرتك والأصدقاء لطف المولى وعنايته.. إن الله كريم مجيب الدعوات..