المسكوت عنه.. طلب الفتيات للزواج.. ردة مجتمعية أم ضرورة مرحلة؟
أمر غير مألوف في المجتمع السوداني أثار جدلاً واسعاً ظهور فتاة عبر صورة متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي تحمل لافتة تعرض نفسها للزواج ممن يرغب بها، ورغم التشكيك في الصورة المتداولة وأنها ليست الصورة الحقيقية، الا أن الحقيقة تظل في ضرورة حاجة الشباب من الجنسين للزواج. معروف أنه في الوضع العادي يتقدم الشباب إلى الفتاة للارتباط بها، لكن ما هي شرعية مطالبة البنات بالزواج وهل المجتمع بقبل ذلك وماذا يقول الدين.. (اليوم التالي) طرحت هذه القضية للإجابة عن كثير من الأسئلة في هذا الشأن:
خبر ذو صلة
أشعلت فتاة سودانية (رفعت لافتة) في شارع عام بالخرطوم، تطلب فيها الزواج، وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي وظهرت الفتاة ترتدي إسكيرت وبلوزة، وتضع كمامة سوداء على وجهها، في الشارع العام عند إحدى إشارات المرور، وهي تلوح بلافتة كتبت عليها «عايزة عريس أرغب في الزواج أقبل التعدد » ووضعت رقم هاتفها. وتباينت ردود فعل رواد مواقع التواصل التي أثارت جدلاً واسعاً بعد ظهورها بين رفض الفكرة ووصفها بغير المقبولة. ورأى آخرون أن فكرة الفتاة عادية وشجاعة، وتدل على سعي الفتاة لحفظ نفسها بالزواج.
طلب الفتاة للزواج جائز
الداعية الإسلامي دكتور سالم حامد قال لـ(اليوم التالي): لا مانع شرعاً أن تَعرِضَ المرأة نَفسَها على الرَّجُلِ إذا رأت فيه صلاحاً وتقىً وعلماً وورعاً، واستدل في قوله أن الإمام الشافعي، وابنِ العربيّ المالكي، والإمام القُرطبيِّ، وابنِ دقيقِ العيد، وقد ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يدل على جواز ذلك. ففي القرآن الكريم قوله تعالى :(وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنُونَ) سورة الأحزاب الآية: 50.
ومن السنة النبوية:
ما جاء عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (جاءت امرأةٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد وهبتُ لك مِن نفسي، فقال رجلٌ: زوِّجْنيها، قال: قد زوَّجْناكها بما معك مِن القُرآنِ).
وفي صحيح الإمام البخاري أيضاً عن ثابت البناني قال: كنت عند أنس وعنده بنت له، فقال أنس: (جاءت امرأة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – تعرض عليه نفسها، فقالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها، وا سوأتاه، وا سوأتاه، فقال أنس: هي خير منك، رغبت في النبي – صلى الله عليه وسلم – فعرضت نفسها عليه).
وقد قال العلماء: في الحديث جواز على عرض المرأة نفسها على الرجل ورغبتها في الزواج منه إذا رأت فيه، صلاحاً وفضلاً، وعلماً وشرفاً، وأنه لا عار عليها في ذلك.
ويجوز أيضاً لولي المرأة أن يعرضها للزواج على من يرى فيه الدين، ويعتقد فيه الخير والصلاح، فقد عرض الرجل الصالح ابنته على سيدنا موسى – عليه السلام -، كما قال تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـالِحِينَ) سورة القصص الآية: 27.
وكذلك، فإن أمنا خديجة خديجة – رضي الله عنها – لما رغبت في الزواج من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأت من خُلقه وأدبه، فإنها قد أرسلت صاحبة لها تُسمى نفيسة بنت منية تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمر خديجة ورغبتها بالزواج منه، فوافق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وتولى أمر زواج أمنا خديجة رضي الله عنها أبوها خُويلد.
وأيضاً عرض سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ابنته حفصة لما مات زوجها رضي الله عنه، عرضها على سيدنا عثمان بن عفان، ثم عرضها على سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كما في القصة المعروفة، وهذا هو الأولى والأفضل، أو تخبر المرأة وليها أو تلمح له بأنها ترغب في الزواج من فلان لأنها رأت فيه الصلاح فيذهب وليها ويعرضها على ذلك الرجل بعينه.
*طلب زواج عبر منظمة*
وقال سالم إنه يجوز للفتاة أن تطلب من إمام المسجد أو منظمة تعنى بشؤون الزواج بترشيحها لمن يرغب بالزواج بها مع التركيز على صاحب الدين والأخلاق ولا شك ستجد في المسجد الإنسان الصالح الجاد الذي يتزوج بها إن شاء الله.
طلب الزواج عبر وسائل التواصل فتنة كبيرة
وأكد سالم أن عرض المرأة نفسها على الملأ، أو تعرض نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذا مما ينهى عنه شرعاً، لأن هناك فرق كبير بين أن تعرض المرأة نفسها على من ترى فيه الدين والخير والصلاح بعينه ليتزوج بها، وبين أن تعرض نفسها لكافة الناس، فإن هذا ينافي حياء المرأة وطبيعتها، وبهذا يأتيها الصالح والمفسد، وتفتح على نفسها باب فتنة كبيرة يصعب عليها سدها.
ومن ذلك أنها تفتح على نفسها باباً عريضاً يجعل كثيراً من الشباب يتواصلون معها بدعوى الزواج وهم غير جادين، وقد تتعرض لكثير من المضايقات أو الإحراجات أو الاستهزاءات في الحين والمستقبل حتى ولو تزوجت.
وقال سالم استناداً على كثير من القواعد الفقهية فإن عرض المرأة نفسها بهذه الطريقة على وسائل التواصل الاجتماعي من غير ضوابط يُمنع شرعاً وعرفاً، وهو منافٍ للقيم المجتمعية ولطبيبعة المرأة.
فيما قال الداعية الإسلامي أسامة سليمان حمد لصحيفة (اليوم التالي) إن (الزواج سنة من سنن الله تعالى ومن سنن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال صلى الله عليه وسلم: “من رغب عن سنتي فليس مني” لا حرج في شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام كما قال: من أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه .”
وذكر بأن صور الفتاة التي تم تداولها في وسائل التواصل أرادت أن تعف نفسها وطلبت من الناس أن يستروها وأن تتزوج على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فلا غبار فيه على كل حال .
حصن منيع
وقال سليمان إن الفتاة إذا رأت بأنها عرضة للمخاطر والذئاب البشرية وإذا أرادت أن تعف نفسها وتجعل لنفسها حصناً منيعاً تتقدم هي للزواج أو أن تطلب من صاحباتها من تراه مناسباً من يتزوج بها أو منها لا بأس فيه.
واستدل في قوله بالسيدة خديجة رضي الله عنها عندما جاءتها نفيسه بنت منية وخطبت لسيدنا رسول الله السيدة خديجة بنت خويلد .
ظاهرة غريبة
وقال سليمان إن طلب الزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعد في الأعراف السودانية ظاهرة غريبة على مجتمعنا ومن الإطلالات التي يقف عندها الناس لأن الحياء الذي كسا الله به المرأة والعفة وعادات السودانيين بأن لا تطلب البنت الزواج بمثل هذه الطريقة ويعتبر متنافياً للعرف والعادات السودانية .
وقال إن الأمور تقاس بضدها أيهما أولى أن تطلب البنت العفة حيث أن أصبح كثيراً من الشباب أصبح عاجزاً عن الزواج .متسائلاً: أيهما أفضل أن تعرض نفسها رخيصة لكل من” هب ودب”؟ أو أن تصرح بهذا؟
وقال إن الشباب هو الذي جعل البنات يخرجن بهذه الصورة ويعتبر قصوراً وتقصيراً من الشباب لأن معظم الشباب عزف عن الزواج وأصبح أمرهم عجيباً وليس للبنت ذنب أن ترمى بسوء الأدب أو الإساءة لها وعليهم حسن الظن بها.
ودعا سليمان للفتاة التي ظهرت عبر وسائل التواصل طالبة الزواج بأن تتزوج بالزوج الصالح وأن يهنئها بهذا الزوج .
العيب في الشباب
وأوصى الشباب بأن لا يجعلوا أخواتهم وبناتهم يخرجن عن دائرة العرف المجتمعي لكي لا يصرن على السنة الناس وليس العيب فيهن، بل العيب في الشباب الذي عزف عن الزواج ودعا الداعية الشباب الى الزواج بأقل مهر وقال إن الأرزاق إنما تأتي بهذا الزواج.
ثورة تغيير
وفي السياق ذاته قالت الاستشاري النفسي ابتسام محمود لـ(اليوم التالي) إن السودان يعيش ثورة تغيير لها إفرازات إيجابية وسلبية على المجتمع السوداني ووصفت سلوك عرض الفتاة نفسها للزواج عبر السوشيال ميديا هو سلوك جديد على المجتمع.
وذكرت أن المعيار الاجتماعي يعد واحد من محددات السلوك المجتمعي ويعتبر سلوك طلب الزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب أزمة الزواج التي نتجت بسبب العطالة والمتطلبات الغاليه لمراسم الزواج.
رسالة لتحريك المجتمع
وقالت ابتسام إن اللافتة التي تحملها الفتاة في أحد شوارع الخرطوم طلباً للزواج هي رسالة لتحريك المجتمع لتقليل التكاليف الباهظة للزواج دون وضع خطة لبعد الزواج لتأسيس السكن والاستقرار .
وقالت ابتسام إن هذا السلوك يعد إنذاراَ للمجتمع، وبعد أن كان عرض طلب الزواج من فتاة واحدة فإن الأمر سيتطور وتخرج أخريات بنفس اللافتة الى أن يظل هذا السلوك مجتمعياً مقبولاً بعد أن كان طلب الزواج من الفتاة غير مقبول في ثقافة المجتمع السوداني.
سلوك يعرض الفتاة للاستغلال
وأضافت أن هذا السلوك في ظل هذه الظروف قد يعرض الفتاة للاستغلال فقد يأتي شاب بغرض الاستغلال ويطلب منها الزواج وتكون بذلك سلمت نفسها للشيطان.
وقالت ابتسام محمود إن هذا السلوك يحتاج الى بحث ورفع الوعي ومعرفة الأسباب والدوافع التي أدت الى ذلك ومعالجتها على مستوى المجتمع والأسر متسائلة: هل عندما تعرض الفتاة نفسها برفع لافتة هل أسرتها لها علم بذلك؟ وإذا علمت أسرتها بذلك فكيف ستكون ردة الفعل؟
*سلوك ملفت للأنظار*
وقالت ابتسام إن طلب الفتاة للزواج برفع لافتة عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو سلوك ملفت للأنظار يحتاج الى تحليل من جوانب سياسية وقانونية، وذكرت أن الزواج مؤسسة مهددة جداً بالقصور التربوي عند الشباب .
جذب انتباه
فيما قال البروفسير علي بلدو لـ(اليوم التالي) إن صور الفتاة المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن النظر لها بأكثر من زاوية كالرغبة في جذب الانتباه واكتساب الشهرة لحصد الإعجاب وقد يكون القصد (الهظار) أو عدم الجدية.
وقال بلدو إن سلوك الفتاة يعتبر محاولة لجذب الانتباه لقضية (البورة) والعنوسة وتأخر سن الزواج لعدد كبير من الفتيات في سن صغير .
*سلوك شخصي*
وقال بلدو إن هذه الظاهره سلوك شخصي يخص الفتاة التي تحمل اللافتة. وذكر بلدو أن ظاهرة طلب الزواج مع موافقة التعدد وطلب الزواج من شخص متزوج لديه زوجة أو أكثر يعتبر تحريكاً للفتيات بأن زوج المرأة يعتبر أمان مالي ومصدر ثقة وذو خبرة وله القدرة على استمرار الحياة الزوجية أكثر دون مشاكل .
تقدم ثقافي
وقال علي بلدو إن ذلك السلوك طريقة لعرض النفس للزواج لم يألفها المجتمع السوداني المحافظ وبها عيب، ولكن بها نقلة جديده تعبر عن التقدم الثقافي والفكري والتحرر والتخلُّص من القيود والوصول الى المبتغى بوسائل غير تقليدية ولم تكن مألوفة.
سوق العرس
وقال إن هذا السلوك سيجعل هناك ما يسمى (سوق العرس) بعرض الشابات لأنفسهن بطرق مختلفة على الاستوب والمساجد وغيرها بكتابة اللافتات وعرضها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تعبير عن روح الغبن
وقال بلدو إن ظاهرة طلب الفتاة بهذه الصورة بسبب عزوف الشباب عن الزواج والظروف الاقتصادية والمشاكل الأسرية وعدم الاستقرار الزواجي والأمني داخل المجتمع السوداني وتعبير عن روح الغبن الذي يعشنه والكآبة ومحاولة للشعور بالثقة وإن كانت غير مقبولة من الأسر.
الظروف الاقتصادية
وفي ذات السياق قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير إن طلب الزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن الظروف الاقتصادية ليست وحدها في ذلك، بل الأسر لها دور أكبر.
وطالب الناير الأسر بتيسير إجراءات الزواج وتقليل الطلبات وإلغاء خطوات كثيرة من إجراءات الزواج يمكن تقليل التكلفة بالحد الأدنى بنسبة 25% في إنفاق تكاليف الزواج.
وذكر إن كانت هناك أسر وضعها مقتدر حيث القدرة الماليه عليهم توظيف هذا المال في ما بعد الزواج لمستقبل الزوجين وعلى الأسر المقتدرة التكاتف مع الأسر الأقل مالاً لكي يكون هنالك توازن في المجتمع .
مسؤولية الدولة
وقال الناير إن من أسباب تأخر الزواج عدم السكن وعلى الدولة مسؤولية كبيرة لمعالجة قضايا الشباب من حيث السكن وتوفير الوظائف عبر مشروعات إنتاجية يمكن أن تحسن وضع الشباب .وقال إن القضية ليست قضية اقتصاديه فقط، ولكن قضية لها أبعاد أكبر.
*امتلاء الشوارع بالعنوسة*
وقال الخبير التربوي أ. الهادي السيد عثمان لصحيفة (اليوم التالي) كانت بطاقات الدعوة للزواج كأوراق (الكتشينة) تصل لكل صديق وقريب وكانت تتزين بحلو العبارات المنتقاة ببهجة الفرح وتفوح بعبير المعاني ويتذيل أكثرها (بالعاقبة عندكم في المسرات) ليستعد الجميع بالتلبية والوقوف بجانب الداعي وعندما تختم بكلمة (وشكراً) تحفظ (للذكرى والتاريخ) لعدم النسيان، الآن أصبحت حتى الأعياد بلا أصوات زغاريد ولا ضجيج ميكرفونات باحتفالات لمناسبة الا نادراً وامتلأت الشوارع بالعنوسة المزينة برفوف (البوتيكات) للجذب (فالغريزة فارضة نفسها) وهي طبيعة الخلق لبقاء النسل إلا أن الشباب أنفسهم رغم التساوي في الرغبة فقد انصرفوا الى هم آخر فارض نفسه كذلك أكثر وهو هم معيشتهم ومعيشة من أهلهم فمنهم من هجر البلد بحثاً لتحقيق أحلامه ومساعدة أسرته ومن ظل منهم بلا هجرة ووضع يديه على خديه بهمي معيشته وحلم الزواج.
وقال الهادي إن الإعلام له دور التوعية وتغيير الأفكار بتقاليده المكلفة والآباء يدركون ما بين الماضي الجميل والحاضر الحزين فتنوعت حيل الفريقين من الجنسين ولجأت لمناحات غير مألوفة لحياتنا فصرنا نراها غريبة ويرونها المخرج.. نراها مجة ويرونها حجة.. نراها قبيحة ويرونها مريحة وحيلة من لا حيلة له المخرج بما يرى فيه راحته، الظروف الاقتصادية التي تمر بالبلاد أطاحت بكل طموحات الناس وبكل نواحيها وجاءت بالكثير من الغرائب التي ما كان لها أن تكون لولاها ومن يعيش يرى وبالرغم من أن وقوف بعض البنات بلافتات طلباً لإكمال دينهن وغرابة ذلك واستنكار الأمر لذلك فالدين لا غرض له غير الحلال مهما تعددت طرقه ما دام حلالاً.