الدين الخارجي.. مهددات تجابه مستقبل الاقتصاد

لم تتبق إلا مهلة، ولكنها ليست بالطويلة أمام تعافي اقتصاد السودان، خاصة وأنه أصبح منهكاً بسبب الديون الخارجية التي أثرت على انتعاشه طيلة السنوات الماضية، وكان السودان بعد ثورة ديسمبر المجيدة وجد لنفسه مكانة بين الدول سيما المثقلة بالديون، وإدراجه في “الهيبك” لم يكن بالساهل، بل جرت العديد من المباحثات واللقاءات والمفاوضات بذلك الخصوص، حتى يصبح السودان قابلاً لإعفاء ديونه الخارجية ولو كان ذلك يسيراً، لكن بحسب تطورات مسألة إعفاء الديون الذي كان من المتوقع أن يتم في يونيو المقبل، إذاً كيف يفسر خبراء الاقتصاد الخطوة القادمة فيما يتعلق بإعفاء الدين الخارجي.
يرى البعض أن عدم التزام هذه المؤسسات الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عن وعودهما في المساهمة في تخفيف ديون السودان، نكوص عن التعهدات التي قطعوها مسبقاً، مشددين على ضرورة حل مشكلة الدين الخارجي حتى يتمكن الاقتصاد السوداني من الانطلاق من قاعدة جديدة للقروض الميسرة خاصة وأن السودان يحوز على إمكانيات ضخمة من الثروة المعدنية خاصة (الذهب) وأراضٍ زراعية شاسعة.

الخطوة اللازمة
أوضح مندوب السودان بالأمم المتحدة محمد محمود في بيان لدى الأمم المتحدة، أن السودان يواصل في تنفيذ إجراءات إصلاحية اقتصادية، وهي إصلاحات شديدة الوطأة على شرائح كبيرة من المواطنين، لكنها ضرورية لمعالجة التشوهات الموروثة في هيكل الاقتصاد السوداني حتى تحقق هذه الإصلاحات الاقتصادية أهدافها المرجوة، وبحسب الييان من قبل مندوب السودان فإننا نتطلع إلى استئناف أوجه التعاون والمساعدات التنموية من الشركاء الثنائيين الحريصين على نجاح الانتقال في السودان خاصة من مؤسسات التمويل الدولية، وقال ذلك للتخفيف من آثار الإصلاحات وتخفيف عبء الدين الخارجي الذي تأهل له السودان باتخاذه للخطوات اللازمة وفقاً لمبادرة “هيبيك” واستكمال معالجة التشوهات الاقتصادية الموروثة.

الآثار المشتركة
وذكر البيان أنه لا يزال الجمود السياسي يتسبب في خسائر اجتماعية واقتصادية فادحة، فالاحتياجات الإنسانية آخذة في الازدياد مما يؤثر تأثيراً كبيراً على أشد الفئات ضعفاً، في أبريل ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية في المتوسط بنسبة 15 في المائة مقارنة بشهر مارس وظلت أعلى بنسبة 250% من العام الماضي، ووفقاً للبيان فإن الآثار المشتركة لعدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية وضعف المحاصيل وصدمات العرض العالمية لها تأثير كارثي على التضخم والقدرة على تحمل تكاليف الغذاء، ويتوقع أن يتضاعف عدد السودانيين الذين يواجهون الجوع الحاد إلى حوالي 18 مليوناً بحلول سبتمبر من هذا العام، وأضاف البيان: خصص مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 20 مليون دولار استجابة من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، ويواصل المانحون تقديم المساعدات الإنسانية، ومع ذلك، تم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2022 بنسبة 13 في المائة فقط، ونوه إلى أنه في ظل غياب اتفاق سياسي لاستعادة الشرعية الدستورية، ظلت الكثير من المساعدات الإنمائية الدولية ومشاركات المؤسسات المالية الدولية متوقفة.
نهاية يونيو
ويفيد البيان أن السودان يواجه أيضاً خطر إعادة تخصيص المساعدة الحيوية من برنامج المؤسسة الدولية للتنمية 19 التي كانت قد خصصت للسودان كجزء من المبادرة المتعلقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون إلى بلدان أخرى بحلول نهاية يونيو إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي للأزمة، ويشير البيان إلى أن بعض الدول المانحة حذرت من أن الدعم المالي الدولي للحكومة السودانية، بما في ذلك تخفيف الديون، لن يستأنف بدون حكومة مدنية ذات مصداقية، وعبر البيان أنه إذا لم يتم إيجاد حل للمأزق الحالي، فستتجاوز العواقب حدود السودان ولجيل كامل، وحث البيان السودانيين على اغتنام هذه الفرصة.

مؤلمة جداً
بحسب حديث المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب، فإن الأزمة السياسية السودانية بالغة التعقيد ولديها تبعات اقتصادية مؤلمة جداً، وعزا د. الفاتح في إفادة لـ(اليوم التالي) ذلك لأن مجموعة أصدقاء السودان والمؤسسات المالية الدولية أوقفت بشكل فوري كل دعمها المالي للحكومة السودانية بعد الإجراءات العسكرية للفريق أول عبد الفتاح البرهان التي أطاح فيها حكومة قوى الحرية والتغيير والتي جمدت برنامج إعفاء الديون الخارجية وهددت بأن الفترة حتى منتصف يونيو إن لم يتم التوصل إلى تكوين حكومة مدنية ذات مصداقية، ويشير إلى أن السودان سيتم إخراجه من برنامج إعفاء الديون الخارجية بجانب إلغاء المنح المالية وتوزيعها على دول أخرى، د. الفاتح يلفت من خلال إفاداته إلى أن فولكر يرى أن عدم تقديم أي دعم مالي للحكومة السودانية بذريعة عدم تكوين حكومة مدنية قد يعرض للخطر ليس فقط الدولة السودانية، بل كامل الإقليم، ويعتقد أن فولكر بهذا وضع المجتمع الدولي أمام واجباته وكذلك القوى السياسية السودانية للعمل دون انهيار اقتصاد الدولة السودانية، وقال إن نحو نصف السكان أي 18 مليون مواطن يعاني نقص الغذاء ويعانون بشدة جراء ارتفاع أسعار السلع بشكل شاذ بفعل التضخم المرتفع الذي يعتبر الثاني عالمياً بعد فنزويلا.

المؤسسات اقتصادية
يقول الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي إنه بحسب التقرير السنوي لبنك السودان المركزي لعام 2019، بلغ إجمالي الدين الخارجي 51.2 مليار دولار، منها 26.4 مليار دولار فوائد تأخيرية، وتابع أن فوائد الدين تزيد عن إجمالي قيمة أصل الدَّين بقليل، ومضى قائلاً: الوضع المالي في السودان لا يؤهل لنوع من الاستغناء عن الديون، سواء المحلية أو الخارجية، بل إن مؤتمر باريس الذي مهد لإسقاط جزء من ديون السودان، كانت آليته تدبير قرض للسودان بنحو 1.6 مليار دولار، لدفعها للمؤسسات الدولية، حتى يمكنها من عودة التعامل مع السودان، وقطع بأن السودان التزم ببرنامج الإصلاحات الاقتصادية التي بموجبها تم انضمامه لمبادرة الدول المثقلة بالديون (الهيبك)، ويرى أن على مؤسسات التمويل الدولية أن لا تتعامل بذات نهج الدول الدائنة لجهة أن هذه المؤسسات اقتصادية وليست سياسية.

نكوص التعهدات
ويعتبر د. هيثم في تصريح لـ(اليوم التالي) أن عدم التزام هذه المؤسسات الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عن وعودهما في المساهمة في تخفيف ديون السودان، نكوص عن التعهدات التي قطعوها مسبقاً، وأوضح أن توجهات المجتمع الدولي تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد السوداني، لاسيما في مشكلة الديون الخارجية، وقال إن الحكومة حققت 90 في المائة من وصفة صندوق النقد، ويرى أنه لا مبرر للتهديد بعدم الإيفاء، وأشار إلى أن أي دولة نفذت سياسات الصندوق حصلت في المقابل على الإعفاء، لكن المجتمع الدولي لم يفِ بوعوده تجاه السودان حتى الآن، وشدد على ضرورة حل مشكلة الدين الخارجي حتى يتمكن الاقتصاد السوداني من الانطلاق من قاعدة جديدة للقروض الميسرة خاصة وأن السودان يحوز على إمكانيات ضخمة من الثروة المعدنية خاصة (الذهب) وأراضٍ زراعية شاسعة.

تدارك الأمور
ويضيف د. هيثم أن إعفاء الدول من الديون الخارجية له آلياته الولايات المتحدة لا علاقة لها بالديون نهائياً، لكنها تستطيع أن تؤثر على دول الاتحاد الأوربي وكثير من الدول سياسياً ودبلوماسياً، ونوه إلى أن السودان يشهد عدم توافق سياسي بين مكوناته وتدهور أمني كبير، وزاد قائلاً: هذه الأمور ستقود إلى استمرار الأزمة الاقتصادية إذا لم يتم تدارك هذه الأمور، ولفت إلى أن مستقبل السودان الاقتصادي قاتم بالنسبة لعلاقاته مع دول العالم في ظل استمرار التجاذبات السياسية واضطراب مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...