الطبقات الهشة ضحايا توقف المساعدات الدولية والعربية
تتواصل معاناة السودانيين مع فشل السلطة في إقناع المجتمع الدولي باستئناف تقديم المساعدات المالية والإنسانية التي كانت تدعم مئات الآلاف من الأسر وسط موجات غلاء فاحش. وما فاقم معاناة المواطنين، تعليق البنك الدولي والمؤسسات الدولية والدول العربية المنح والمساعدات التي كانت تخفف من الأزمات المعيشية للطبقات الهشة.
وبخصوص الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور وتوقف المساعدات في ظل استمرار الجمود السياسي، قال رئيس بعثة الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتس، يوم الثلاثاء الماضي “إن انعدام الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية، وصدمات الإمداد الدولي لها تأثير خطير على الوضع، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الذين يعانون من الجوع الحاد بحلول شهر سبتمبر/ أيلول لهذا العام ليصل إلى قرابة 18 مليون سوداني”.
وأكد المتحدث ذاته أن خطة الاستجابة الإنسانية ممولة بنسبة 13 بالمئة فقط، و”بعض الدول المانحة فرضت قيوداً على المساعدات التي تمر عبر نظم الدولة، وتمس العاملين في المجال العام وتقع المسؤولية الرئيسة لتغيير ذلك على السودانيين والجهات المعنية. أشعر بالقلق إزاء التداعيات طويلة الأمد”.
وكان برنامج دعم الأسر السودانية (ثمرات) الذي يعد البنك الدولي ممولا رئيسيا له، أعلن تعليق أنشطته عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المدنية منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن يعلن الأسبوع قبل الماضي عن الاستعداد لعودته مجدّداً.
ومنذ توقف البرنامج أصاب الإحباط السودانيين رغم أن البرنامج لم يغطِّ منذ بدايته سوى 527 ألف أسرة استلمت الدعم من جملة مليون و700 ألف أسرة مسجلة بالبرنامج وذلك وفقا لإفادة سابقة لمدير عام برنامج (ثمرات)، معتصم أحمد صالح.
وتوقف برامج الدعم والمعونات منذ ثمانية أشهر كان له الأثر الكبير في تغير خريطة المجتمع السوداني رغم التزام الحكومة بتنفيذ برنامج الهيكلة مقابل دعم المؤسسات الدولية ما زاد من أعباء المواطن وأثر بشكل مباشر على معيشة السودانيين.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، الثلاثاء قبل الماضي، أن البنك الدولي قرر استئناف برنامج دعم الفقراء في السودان (ثمرات). وذكرت الوزارة، في بيان، أن السفارة السودانية في العاصمة الأميركية واشنطن، أكدت أنه تم إخطار وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، باستئناف البنك الدولي للبرامج الخاصة بدعم الفقراء، من خلال المشروعات التي تركز مباشرةً على دعم الفقراء في السودان، مثل برنامج “ثمرات”، وبرنامج التطعيم ضد “كوفيد-19″، عبر التنفيذ والمراقبة من قبل طرف ثالث، مثل برنامج الأمم المتحدة للغذاء العالمي.
ويقدم برنامج (ثمرات) دعما ماليا مباشرا يبلغ خمسة دولارات شهرياً للفرد بسعر الصرف السائد في بنك السودان المركزي. ومن المستهدف أن يستفيد من البرنامج 32.6 مليون شخص، ويُحدد المبلغ الكلي المقدم للأسر بحسب حجم أفراد الأسرة.
وباتفاق مسبق مع البنك الدولي والدول المانحة، قرر السودان تطبيق برنامج ثمرات المخصص لدعم الأسر السودانية، كأحد الجهود المبذولة لتخفيف حدة القرارات الاقتصادية.
يأتي ذلك، بعد أن طبقت الحكومة الانتقالية سياسة التعويم الجزئي للجنيه السوداني مقابل الدولار خلال فبراير/ شباط من العام الماضي، في محاولة للقضاء على الاختلالات الاقتصادية والنقدية.
وفي يونيو/ حزيران العام الماضي، أعلن السودان تحرير أسعار الوقود بشكل كامل، وترك أمر الاستيراد لشركات القطاع الخاص من دون تدخل الدولة. وساهمت هذه القرارات في ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، إذ سجل معدل التضخم في يونيو/ حزيران الماضي 412.75 بالمئة الذي اعتبر أعلى معدل تضخم في العالم.
وبعد تنفيذ السودان للإجراءات الهيكلية بواسطة صندوق النقد والبنك الدوليين ارتفعت أسعار جميع السلع الاستهلاكية التي كان لها أثر مباشر على الفقراء وذوي الدخل المحدود، والذين تقدر نسبتهم بـ 80 في المئة من السكان تقريباً.
ورغم أن برنامج “ثمرات” كان يهدف إلى رفع كفاءة الدعم الحكومي، إلا أن الخبير في المجال الاجتماعي ياسين إبراهيم يقول لـ”العربي الجديد” إن البرنامج واجهته عقبات في بدايته، لأن غالبية المستهدفين من الفئات الفقيرة والمتوسطة ليست لديهم سجلات رسمية ما أعاق توصيل الدعم إليهم وجعل التركيز على الأسر التي تسكن في المدن الرئيسة، وهذه من الأخطاء الحكومية التي زادت من حدة الفقر وتوسعت دائرته قبل أن يتوقف برنامج الدعم.
وفي وقت سابق، كشف البنك الدولي أن السودان تلقى 820 مليون دولار منه ومن دول مانحة، لتمويل أول مرحلتين من البرنامج، اللتين تستهدفان 24 مليون نسمة في 12 ولاية لمدة ستة أشهر. وقدرت حكومة السودان التكلفة السنوية لبرنامج دعم الأسر ثمرات بمبلغ 1.9 مليار دولار.
الخبير والمحلل الاقتصادي أبو القاسم إبراهيم يقول لـ”العربي الجديد” إن برنامج الدعم للسودان هو التزام من المجتمع الدولي مقابل إيفاء الحكومة ببرنامج إعفاء الديون، حيث أوفت الحكومة بكل التزاماتها، ولكن بعد إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر تعلل البنك الدولي وأوقف نشاطه في البلاد.
وقال أبو القاسم إن وقف برنامج ثمرات نوع من الخيانة فالدعم المباشر للفقراء يقع تحت بند المساعدات الإنسانية التي يجب ألا تتوقف تحت أي ظرف سواء لأسباب أمنية أو سياسية.
ويقول المحلل الاقتصادي أحمد خليل، لـ”العربي الجديد” إن الانقلاب أدى إلى توقف جميع البرامج الاقتصادية على المستوى المحلي، واعتمدت وزارة المالية على الموارد الذاتية، ما شكل عبئا على المواطن الذي يعاني من أجل الحصول على لقمة العيش والوصول إلى مقر عمله.
ويرى الاقتصادي الفاتح عثمان في حديثه لـ”العربي الجديد” أن الدعم الدولي تعتمد عليه البلاد في مسألة سد الديون وعجز الموازنة والحصول على السلع الأساسية، موضحاً أن فرص إدماج السودان في الاقتصاد الدولي باتت ضعيفة.