مدني النخلي: شاعر الحلم والشجن والثورة
بقلم: صلاح شعيب
شاعرنا النخلي غزير الإنتاج إذ عرف بمفرداته المميزة وسط جيله، فمن ناحية جاءت أعماله العاطفية قوية في قدرتها على الانسراب إلى داخل المتلقى للأغنية، ومن الناحية الأخرى ظلت نصوصه المشحونة بالرمزية قوية في عمقها العاطفي الملتاع، والثوري المعزز لقيم الحق، والخير، والجمال. ولكل هذا كانت كل تجاربه الشعرية تجد السهولة في التلحين، ويردد الناس مقاطعها في أيما لحظة شوق تطول، وفي أوقات الأنس. ويعد النخلي من الكوكبة التي حملت لواء التجديد في النص الشعرية، حيث أضافت إلى الشعرية الغنائية بعد رمزياً ينفتح على آفاق التجربة الإنسانية في معانيها العرفانية، ويحمل أسئلة الوجود، وضخامة المسؤولية التي اضطلع بها هؤلاء الشعراء الجهابذة في بحثهم الدائم عن مشروع وطني يستند على أحلام شعبهم الذي أرهقه طول المسير في ظل العتمة نحو فجر الديمقراطية التي تحقق الاستقرار، والسلام، والتقدم.
أديني إحساس بالأمل
في كل رحلة شوق تطول
وأدى الخطاوي الراجعة ليك في سكتك عشم الوصول
ما الدنيا كالانتظار
والارتحال قدر الفصول
دي الموجة تحلم بالضفاف
والغيمة تحلم بالهطول
ولد مدني يوسف النخلي في مدينة مدني، وتلقى تعليمه الأولي، والأوسط، والثانوي، بمدارس البعثة التعليمية المصرية، ومؤسسة الطلاب الجامعية بالدوحة في تخصص اللغات والحاسوب.
بداياته الأدبية كانت بالقصيرة قصيرة، فأصدر مجموعة صدى الذكرى، ثم صارت هواياته الرسم، وعبره نال الجائزة الأولى أثناء دراسته في مدرسة الاتحاد المصرية بلوحة ضفاف، ثم عمل ممثلاً كوميدياً على مسرح المدرسة ثم تحول إلى القصة، والشعر.
وصدرت له حتى الآن ثلاث مجموعات، وهي كل النجوم عام ١٩٨٣ بالدوحة، وواقف براك نسخة الدوحة ٢٠٠٥ وأخرى منقحة في الخرطوم عام ٢٠٠٧، وثالثة أيضاً في الخرطوم ٢٠٠٩.
شارك النخلي في العديد من المهرجانات منها الإبداع بالجزيرة 1983 ميلاد الأغنيات ٢٠٠٤، ٢٠٠٦، ٢٠٠٨ بالخرطوم، ونال في كل مهرجان المرتبة الثانية، وفي الثالث المرتبة الأولى بأغنية “فلنغن للوطن”.
تعامل شاعرنا مع عديد من الفنانين والملحنين منهم الراحل محمد سلام الذي غنى له “يا بلد”. وصديقه الراحل مصطفى سيد أحمد لحن وغنى من كلماته نحو أربعة عشر عملاً، أبرزها “عشم باكر” و”علمي عيوني السفر” والتي شارك مصطفى في كتابة الجزء الأخير منها، و”ما بان عليك سفر العمر” و”أديني إحساس بالأمل”، و”واقف براك” و”وهج الشعاع” و”أملنا الباقي” و”من جديد” و”لحظات ندية” و”قالوا المحل معاك كنت”، كما لحن له مصطفى سيد أحمد عدداً من الأعمال للفنان سيف الجامعة، وخالد محجوب. وقد امتدت صداقته مع مصطفى لنحو 24 عاماً حتى لحظة وفاته.
في عينك عشم باكر
ما إنت العمر كلو
والشمس الفي وشاحا ورود
وزغرودة بتزف الناس
خبر زمنا جديد مولود
لقيت غيرك بضيع اسمي
وأكون أنا حي وزي مفقود
تعامل مدني النخلي مع سيف الجامعة في خمسة أعمال منها “لا تنحني” و”شروق”، ولحن له سيف “حنينات الكلام” لخالد الصحافة، وتعامل مع علي السقيد في عديد من الأغنيات، أبرزها “فرحانة بيك كل النجوم” التي صاغها لحناً الموسيقار يوسف الموصلي.. ولحن له السقيد “فرح القصايد” التي غناها خالد الصحافة و”عظمة هواي”.. وكذلك غنى له السقيد “جيت من وين” من ألحانه، و”عاشق مجنون” و”الشريان” من ألحان عبداللطيف خضر.. وتعامل مع الفنان الراحل هاشم ميرغني، في ديوان حفنة تراب بالدوحة، والذي خطه هاشم، وأبدع في رسومه.
كما غنى له هاشم “كنت غايب”.. و”وراء الزمن البعيد” و”ثواني الغيبة” و”وجهك الما غاب”. وتعامل النخلي مع الفنان يوسف الموصلي عبر أغنية “ختمت بيك الأغنيات” والتي غناها ثم رددها لاحقاً السقيد والفنان أبو بكر سيد أحمد، والذي تعامل معه عبر العديد من الأعمال، أهمُها “دندنة” التي حازت على المركز الثاني في مهرجان ميلاد الأغنيات وغنى له كذلك “قسمتك قدرك”، و”وردة” التي نالت أيضاً المركز الثاني في مهرجان ميلاد الأغنيات ٢٠٠٧، واستمر تعامله مع أبو بكر سيد أحمد من ألحان علي السقيد في “شبعت برق” و”صديقة كل زول” وغني له أبو بكر من ألحانه ” أهلاً بالحب”، مثلما غنى له وليد زاكي الدين عدة أعمال من ألحان صلاح إدريس.
وغنى له الراحل محمود عبد العزيز “لما ردتك” من ألحان الموسيقار ميرغني الزين، وتوزيعه.
وغنت هادية طلسم من كلمات النخلي “خت النقاط” من ألحان على السقيد و”مدن التعب”.. ومن ألحان الموصلي غنى له الفنان الشاب حسين الصادق “جميل المعنى”، ومن ألحان الموصلي “لوحتي بي إيدك” والتي غناها قبلاً خالد الصحافة، وتعامل مع سيف الجامعة في “لو متلي هداك الحزن” وهي من ألحان مصطفى سيد أحمد، وغنت له نهى عجاج ثلاث أغنيات من ألحان والدها الراحل بدر الدين عجاج، أبرزها أغنية “بهاجر ليك” والتي غناها مصطفى سيد أحمد قبل رحيله بأيام ثم آلت لنهى عجاج بعد رحيله.
وما قايل بجيني زمن..
حكايتي مع الحنين بتطول
بهاجر ليك وخايف من دموع عينيك
تبلل طرفَكَ المشتاق
تَطَرّيني الوداع وأبكي
على الزمن الصبح فرّاق
أصلو الما عرف عينيك
ده ما عرف الحنين حرّاق
كما غنى له الفنان عادل التيجاني من ألحانه أكثر من ثمانية أعمال أهمها “غياهب المجهول”، وغنت له فرقة منتدى نيالا العديد من الأعمال الوطنية، والعاطفية، كذلك غنى له الفنان ود البكري “الناس مالا”.
وتعامل مدني يوسف النخلي مع الفنان المغترب يسري صلاح الدين في أكثر من ٣٤ من الأعمال طيلة تلازمهما بالدوحة، من أبرزها “صباحية” و”الزول البتم” و”بشروك يا عمري” و”وأقنب مرتاح” كما غنى له يسري نص “أرح مارقة” وهي أغنية الثورة الأولى في بدايات اندلاعها.
أرح مارقة..
موت وحياة بقت
متساوية ما فارقة
قدامك غناء الميلاد
وديك شمس الأمل
شارقة.. أرح مارقة
مسنودين على الحيط
أم زبالة وطين..
لا وارثين…
ولا لابسين
سوا السترة
لدى عودته من الدوحة عمل النخلي معد ومقدم سهرات إذاعية في إذاعة البيت السوداني منها “كلام شباب” و”مجال الشوف” الذي استضاف فيه أصواتاً من الهامش، والشباب الثوار، وعمل بإذاعة هوى السودان منذ تأسيسها، وقدم سهرة بعنوان “وناس الليل” استضاف فيها حوارات قوية وساخنة عديد مع الفنانين، ورموز المجتمع السوداني، ولاقت نجاحاً كبيراً لدى متابعيها كل خميس. أما سهرة مجال الشوف فقد تم إيقافها بعد الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
نال النخلي جائزة الفنان عبد الحليم حافظ في مهرجان الأغنية بالقاهرة عام ١٩٩٤ بالمركز السادس وسط منافسة خمسة وأربعين فناناً عبر صوت الفنان الراحل أمير يس، وقد منع بث الأغنية وهي “قادر أضحك” في تلفزيون السودان نتاجاً لمواقف الشاعر، والفنان، آنذاك كونهما من معارضي النظام في المنفى.
التحية للشاعر الكبير مدني يوسف النخلي الذي عطر سماء الإبداع، واتخذ موقف المثقف العضوي الذي لا يجعل الفن للفن، وإنما الفن للحياة، وساهم في حداثة الأغنية السودانية بالكثير من الإبداعات التي سرت مرفرفة تحمل في دواخلها العشم لباكر، حيث تنتهي بنا موجة المسير إلى وطن يحفه السلام، والأمن، والتسامح، والتقدم. وهكذا سجل النخلي نفسه في قائمة المبدعين الذين لم يتوانوا في مقاومة القمع، والاستبداد، والقهر، وكبت الحريات. لمدني النخلي طول السلام، ولا نزال في انتظار مواويله الجديدة، إذ هو دائماً محاط بالأمل، وصنع الشجن الفني، وتعميق مفردة المعرفة.