كيف تواجه أفريقيا تحدياتها الصحية؟
على عكس الأوبئة السارية في أفريقيا، شكّلت جائحة كورونا جرس إنذار مناسباً للأفارقة في شأن قصور منظوماتهم الصحية لحد مرعب، وذلك في مواجهة هذا النوع من التحديات الكبيرة، وذلك في وقت انشغلت فيه الدول الكبرى بأحوالها الداخلية، وتخلت عن أفريقيا تحت وطأة التحدي الكبير، في وقت كانت فيه الدول الأفريقية قد استنامت لفكرة المساعدات الخارجية، ولم تنتبه إلى أن بناء القدرات الذاتية، والاعتماد على النفس هو فقط القادر على أن يوفر النجاة للأفارقة شعوباً وحكومات.
في هذا السياق تبلورت ربما فكرة المعرض الطبي الأفريقي الأول بالقاهرة، لتكون وظيفته الرئيسة هي اكتشاف كيفية اعتماد أفريقيا على بعضها بعضاً، وكذلك مناهج وطرائق بناء القدرات الصحية الذاتية.
ولعله يكون من الأهمية بمكان الاطلاع أولاً على الحالة الراهنة للمنظومة الصحية الأفريقية، وحالة كوادرها الطبية، وطبيعة الإمكانات اللوجيستية الصحية، قبل التطرق إلى المجهودات المصرية في مجال إسناد الأشقاء الأفارقة، باعتبار مصر من كبريات الدول الأفريقية.
واقع المنظومة الصحية الأفريقية
تواجه المنظومة الصحية الأفريقية تقليدياً أوضاعاً في غاية الهشاشة، فمع بدء الموجة الأولى للجائحة اكتشف أن دولة مثل زيمبابوي لم تكن تملك في مارس (آذار) 2020 إلا ثلاثة أجهزة للتنفس الصناعي، بينما جنوب السودان أربعة أجهزة فقط، لكن سرعان ما تطور الموقف إيجابياً بفضل مجهودات منظمة الصحة العالمية، وبعض الدول الأفريقية كمصر التي قدمت دعماً مباشراً لجنوب السودان والسودان في مسألة أجهزة التنفس الصناعي.
كما أن دولاً مثل غانا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وبوروندي وكينيا ورواندا أقامت وحدات اختبار متنقلة بهدف تكثيف عمليات التشخيص فيها للوباء، وهي فكرة اعتمدتها الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي “سادك “التي تضم 16 دولة.
ولعله من التحديات الأساسية في شأن الأوبئة بأفريقيا هو القدرة على رصد حجم الإصابة الفعلي، وذلك نظراً إلى غياب وضعف بنية المؤشرات المعلوماتية، واعتمادها على أساليب بدائية، بحيث يصعب مشاركتها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وذلك فضلاً عن ضعف حجم الكوادر الصحية، ففي كينيا طبيب واحد لكل 5000 مواطن، حيث تفتقد أفريقيا للأطباء، بسبب هجرتهم إلى الخارج للعمل بظروف وعوائد أفضل.
ويكفي القول إن 65 في المئة من الأطباء الممارسين في الولايات المتحدة هم من ثلاث دول أفريقية طبقاً لدراسة كليمنس وبيترسون، المنشورة عام 2008، وهذه الدول هي نيجيريا، وجنوب أفريقيا وغانا. وفضلاً عن كل ما سبق فإن الأنظمة الصحية الأفريقية إلى جانب هشاشتها، فهي تعاني ضغوط تفشي الأوبئة كتوطن الإيدز الذي يقدر عدد المصابين به ما يزيد على 25 مليون شخص أفريقي، وكذلك مرض الكالازر بإثيوبيا، إضافة إلى حمى لاسا في نيجيريا، التي تصنف أكثر فتكاً من كورونا، بينما وباء الإيبولا ما زال ماثلاً في عدد من الدول، خصوصاً في شرق أفريقيا.
في هذا السياق، تحتاج أفريقيا إلى ما يزيد على مليون عامل صحي، وذلك بعد أن تسببت الهجرة الداخلية والخارجية في فقدان القارة لعدد مقدر من كوادرها الصحيين من أطباء ومعاونين، خصوصاً العاملين في الأرياف لصالح المدن، والعاملين في أفريقيا لصالح دول العالم المتقدم.
وستبقى مسألة التوعية بالإرشادات الصحية المنجية من الإصابة بالأوبئة تحدياً تواجهه أفريقيا، بسبب نقص الإمدادات الكهربائية، التي يصعب معها استخدام وسائل الإعلام والميديا المعروفة سريعة الانتشار، حيث يبقى المجهود البشري المنظم وغير المنظم عنصراً فاعلاً في هذه المعركة على الرغم من بطء فاعليته.
أنماط التفاعل الأفريقية مع الأزمات الصحية
قد تكون حالة مواجهة فيروس كرونا نموذجاً يمكن القياس عليه في شأن كيفية مواجهة القارة للكوارث الصحية، إذ اتخذت أبعاداً متعددة، منها ما هو قاري نظمه الاتحاد الأفريقي، ومنها ما هو جهوي مناطقي كتفاعل مُوازٍ مارسه كل من مجموعتي السادك في الجنوب الأفريقي، والإيكواس في الغرب من القارة، وذلك لمواجهة كورونا.
كما شهد التفاعل الأفريقي أيضاً أنماطاً تنافسية تعكس التحالفات السياسية، فمثلاً اجتمع زعماء منظمة “إيغاد” للتنمية ومكافحة التصحر بشرق أفريقيا عبر “سكايب” لهذا الغرض في نهاية مارس، وبطبيعة الحال تبرز فيها إثيوبيا والسودان، بينما اجتمعت مجموعة أخرى من الزعماء الأفارقة وعبر سكايب أيضاً مع فرنسا تبرز فيهم مصر وجنوب أفريقيا.
أما النمط التعاوني، الذي برز من دول القارة فقد تحملته مصر، وذلك عبر قيامها بدعم مباشر باللوازم الطبية المناسبة لمواجهة الجائحة لدول مثل زامبيا، وزيميابوي والسودان وجنوب السودان، التي أقامت بها مستشفى للعزل الصحي، وكذلك أمدت إرتيريا بدعم لمواجهة الجائحة.
ويبدو لنا أن التفاعل الأفريقي مع الجائحة كان طبقاً لقدرات كل دولة، حيث أدخلت 40 دولة أفريقية حزمة كبيرة من السياسات والآليات المختلفة لدعم الاقتصاد والشرائح الفقيرة والمهمشة من السكان، يشمل ذلك الإعفاء الضريبي للقطاعات الرئيسة المختلفة، والتحويلات النقدية المستهدفة للفقراء والمهمشين.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تقوم الدول الأفريقية العشر “الأفضل أداءً” بتنفيذ سياسات وتدابير شاملة أو مبتكرة، منها إنشاء أسواق في أماكن مفتوحة تراعي التباعد الاجتماعي للبائعين في القطاع غير الرسمي (كينيا)، والإعفاء الشامل من رسوم المياه والمرافق الأخرى للجميع لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر (النيجر وغانا)، وتقديم إعانات نقدية (بوتسوانا)، والدعم النسبي للفئات العاملة باليومية (مصر).
كما لجأ الأفارقة إلى التكنولوجيا لمواجهة الأزمة الاقتصادية والصحية، وجرى اعتماد الحلول الرقمية لممارسة الأعمال، وفي قطاع البنوك والتعليم والاتصال بالعالم الخارجي. لقد أصبحت تطبيقات “زووم” و”مايكروسوفت تيم” من أبرز مصطلحات البحث على منصة “غوغل” في البلدان الأفريقية.
وكذلك ألغت غانا وحكومات غرب أفريقيا الأخرى بعض رسوم فتح حسابات وتحويل الأموال عبر الهاتف المحمول. وقد أدخلت بعض الدول الأفريقية مثل مصر والسنغال منصات تعليمية عبر الإنترنت، وتقدم جامعات أفريقية عديدة حزم بيانات تقنية للطلاب. كما تنشر رواندا طائرات من دون طيار لتوزيع الأدوية وتقديم إعلانات الخدمات العامة.
ولعل التحدي الأهم حالياً أمام أفريقيا لمواجهة التحديات الصحية، وما يترتب عليها هو القدرة على تمويل تحديث النظم الصحية وتداعيات انهيار القطاعات الاقتصادية الأفريقية، الذي جرى تقديره من جانب الأمم المتحدة بـ100 مليار دولار، وهو رقم مماثل لرقم تحديث البنية لتحتية الأفريقية بهدف التحديث والتشبيك بما يوفر فرصة لانتقال الخدمات الصحية، وأيضاً يدعم فرص التكامل الاقتصادي الأفريقي، الذي يبدو راهناً أحد أساليب مواجهة تردي الظروف الصحية، والتعامل مع الأوبئة، بالتالي إنقاذ الأفارقة.
كيف تواجه أفريقيا الأزمة؟
في هذا السياق يكون عقد المعرض الطبي الأفريقي مهماً في إطار مواصلة الدور المصري لدعم القارة الأفريقية على الصعيد الصحي، خصوصاً في ضوء قدرات القطاع الدوائي فيها وقدرتها على إقامة جسور طبية سريعة للمستلزمات الطبية في الظروف الحرجة، بينما تعاني مصر حالياً كغيرها من الأفارقة نقص الكوادر الطبية، نتيجة نزيف الهجرة للعقول المصرية.
وقد يكون إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن إمكانات مصر في المجالات سالفة الذكر مهماً في شأن دعم المنظومة الصحية الأفريقية، حيث أعلن عن تقديم 30 مليون جرعة لقاح ضد كورونا للأفارقة، وذلك في ضوء امتلاك مصر مصنعاً للقاح، كما أعرب عن استعداد مصر للتعاون مع دول القارة في جميع المجالات المتعلقة بالقطاع الطبي، سواء فيما يتعلق بالتعليم أو التدريب أو العلاج أو التأهيل، مشيراً إلى أن القدرات الموجودة في مصر متاحة للأشقاء، ومؤكداً الاستعداد لرفع المعاناة عن كل الأشقاء بالقارة أو خارجها في جميع المجالات، حتى فيما يتعلق بصناعة الدواء واللقاحات.
وبطبيعة الحال جرت الإشارة إلى النجاحات الطبية المصرية، وكذلك المشروعات الجديدة في هذا المجال، ومن ذلك القضاء على فيروس سي، وحملة 100 مليون صحة، بينما أشار إلى مشروع التأمين الصحي المصري الشامل كمشروع قومي.
إجمالاً، يبدو أن المعرض الطبي الأفريقي منصة مناسبة لاكتشاف الأوضاع الأفريقية على الصعيد الصحي، وطبيعة التحديات التي تواجهها، وكذلك أنماط التفاعل المطلوبة للقفز على التحديات الماثلة، حيث يبدو التعاون الإقليمي الأفريقي هو قارب النجاة المناسب للقارة وشعوبها.