سفير بريطانيا يرد على منتقدي بلاده بعد تقرير عن نفوذ روسيا في السودان
انتقد السفير البريطاني في السودان جايلز ليفير حالة توجيه الاتهامات للمملكة المتحدة فيما يتعلق بالشأن السوداني.
جاء تصريح السفير في تعقيبه على تحقيق موسع نشرته صحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية حول الأنشطة الروسية في السودان عبر ميليشيا ”فاغنر“ المسلحة.
وقال ليفير في تغريدة يوم الإثنين، عبر ”تويتر“: ”أتساءل، أولئك الذين يتهمون المملكة المتحدة بالتدخل في شؤون السودان الداخلية، هل سيقولون شيئًا عن الأنشطة الروسية الموصوفة في هذا المقال؟ أم سيبقون صامتين؟“.
وأثار التحقيق حالة من الجدل بين الأوساط السودانية، إذ إنه تناول تفاصيل النفوذ الروسي الموسع داخل السودان واستفادته من ثرواته، بل وكبح توجهات السودانيين الديمقراطية.
وكان تحقيق ”نيويورك تايمز“، الذي نشر في وقت سابق الإثنين، قال إن ”أحد مناجم الذهب في الولاية الشمالية بالسودان يعتبر من البؤر الاستيطانية لمجموعة فاغنر“.
ووصف البؤرة بأنها ”شبكة مبهمة من المرتزقة الروس وشركات التعدين وعمليات التأثير السياسي في السودان والقارة الأفريقية“، حتى أن سكان المنطقة يسمونها بـ ”الشركة الروسية“.
وأشار إلى أن ”تواجد قوات فاغنر في السودان، التي تعد ثالث أكبر منتج للذهب في القارة الأفريقية، يكشف عن مدى تمددها وتعدد مهامها، حيث حصلت على امتيازات تعدين سودانية مربحة في قطاع الذهب“.
واعتبرت الصحيفة هذا التعدين ”يعزز مخزون الكرملين البالغ 130 مليار دولار، والذي يخشى المسؤولون الأمريكيون أن يتم استخدامه لتخفيف تأثير العقوبات الاقتصادية في حرب أوكرانيا، من خلال دعم الروبل“.
ونقلت عن الاستخبارات البريطانية قولها إن ”فاغنر هي مجموعة من المرتزقة التي دعمها الكرملين في عام 2014 عندما أطلق بوتين أولى غزواته في شرق أوكرانيا، وانتشرت لاحقًا في سوريا“.
وأضافت الاستخبارات البريطانية أن ”ما لا يقل عن 1000 من مقاتليها تطوعوا في الأشهر الأخيرة للقتال في أوكرانيا“.
وأبرزت ”نيويورك تايمز“ أن ”يفغيني ف. بريغوزين، هو شخصية روسية مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يلقب بـ“الطباخ“، وهو الذي يخطط لبسط ”التوسع الروسي بالقوة في رقعة واسعة من أفريقيا تتمدد في السودان وليبيا ودول الساحل وموزمبيق وتنزانيا وأفريقيا الوسطى وغيرها“.
ووفقا لخبراء ومسؤولين غربيين متابعين لأنشطة فاغنر بالقارة السمراء، نقلت عنهم الصحيفة، فإن ”الشبكة تطورت في السنوات الأخيرة لتصبح أداة أوسع نطاقا وأكثر تطورا لسلطة الكرملين“.
وقال الخبراء إنه ”بدلا من مهمة وحيدة، اتسعت مهامها إلى عمليات مترابطة للقتال وكسب المال واستغلال النفوذ، كأداة منخفضة التكلفة بيد بوتين يمكنه التنصل من الارتباط بها بسهولة“.
وعن تطلعات الكرملين في شرق السودان، قال التحقيق إن ”فاغنر تدعم مساعيه لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر لاستضافة سفنها الحربية التي تعمل بالطاقة النووية“.
وأوضح أن ”فاغنر وجدت في غرب السودان منصة انطلاق لعمليات المرتزقة في البلدان المجاورة، ومصدرا محتملا لليورانيوم“.
واعتبرت الصحيفة أن ”لقاء الرئيس السوداني السابق عمر البشير مع الرئيس الروسي في منتجع سوتشي الساحلي عام 2017، هو الذي مهد لقدوم فاغنر إلى السودان“.
وذكرت الصحيفة أنه ”منذ استيلاء الجيش السوداني على السلطة في انقلاب أكتوبر الماضي، كثفت فاغنر شراكتها مع ”القائد المتعطش للسلطة“ الفريق محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، الذي زار موسكو في الأيام الأولى من حرب أوكرانيا الحالية“.
ونسبت إلى مسؤولين غربيين أن ”فاغنر قدمت مساعدة عسكرية للجنرال دقلو، وساعدت قوات الأمن السودانية على قمع حركة شعبية هشة مؤيدة للديمقراطية“.
وباستخدام تقنيات مشابهة للتي استخدمت في التأثير على انتخابات الولايات المتحدة الرئاسية في عام 2016، قالت الصحيفة إن ”موقع فيسبوك كشف عن حملة تضليل روسية باستخدام حسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مفاقمة الانقسامات السياسية في السودان، وأغلق 172 من هذه الحسابات الوهمية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ومايو/أيار 2021، وربطها مباشرة بالسيد بريغوزين“.
وسردت الصحيفة تفاصيل عن تهريب الذهب خارج السودان، قائلة: ”في الفترة من فبراير/ شباط إلى يونيو/حزيران 2021، قام مسؤولو مكافحة الفساد السودانيون بتتبع 16 رحلة شحن روسية هبطت في بورتسودان من اللاذقية بسوريا“.
وبدأت بعض الرحلات الجوية التي تديرها وحدة الطيران رقم 223 التابعة للجيش الروسي بالقرب من موسكو.
وقالت ”نيويورك تايمز“ إنها ”تمكنت من التحقق من معظم تلك الرحلات باستخدام خدمات تتبع الرحلات“.
وأضافت الصحيفة أنه ”لوجود سبب الاشتباه في أن الطائرات كانت تُستخدم لتهريب الذهب، أغار المسؤولون على رحلة واحدة قبل إقلاعها في 23 يونيو العام الماضي“.
وتابعت: ”ولكن عندما كانوا على وشك فتح شحنتها، تدخل جنرال سوداني مستشهدا بأمر من رئيس مجلس السيادة السوداني الحاكم الفريق عبد الفتاح البرهان، حيث قال مسؤول كبير سابق في مكافحة الفساد- تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته- إن الطائرة نُقلت إلى القسم العسكري في المطار وغادرت إلى سوريا بعد ساعتين دون تفتيش“.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن ”الفريق البرهان رفض إجراء مقابلة خلال إعداد هذا التحقيق“.
وفي تعليق للصحيفة، قلل عضو مجلس السيادة الحاكم الجنرال إبراهيم جابر من شأن الروايات عن عمليات تهريب روسية، قائلا إن ”الناس يتحدثون، لكنك بحاجة إلى دليل“.
وأشار التحقيق إلى ”محاولة من بريغوزين للحصول على الدعم السوداني، بتبرعه بـ198 طنا من المواد الغذائية لفقراء السودان العام الماضي خلال شهر رمضان ”هدية من يفغيني بريغوزين“، وكتب على علب الأرز والسكر والعدس عبارة تذكر بالحرب الباردة: ”من روسيا مع الحب“.
وفي رد بريغوزين على كشف ”نيويورك تايمز“ عن حملة التبرع، كتب أنه ”لا علاقة له بشركة ميري غولد“.
وأضاف أنه علم أن الشركة ”قيد التصفية حاليا“، وأكد أن ”التبرع الخيري“ جاء ”بأمر من امرأة سودانية كانت لها علاقات ودية، وعملية، وجنسية“.
من جانبها، أشارت الصحيفة إلى أن ما قاله بريغوزين هو تفسير ساخر من المرجح أن يتسبب في إهانة خاصة لمجتمع إسلامي محافظ.
وأوضح مسؤولان غربيان كبيران للصحيفة أن فاغنر ”نظمت زيارة لحميدتي في فبراير إلى موسكو، حيث وصل عشية الحرب في أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن الرحلة كانت ظاهريا لمناقشة حزمة مساعدات اقتصادية، على حد قولهم، فقد وصل حميدتي مع سبائك الذهب على طائرته، وطلب من المسؤولين الروس المساعدة في الحصول على طائرات مسيرة مسلحة“.
وعند عودته إلى السودان بعد أسبوع، أكد حميدتي أنه ”لا مشكلة لديه“ مع افتتاح روسيا قاعدة في البحر الأحمر.
وعقّب أميل خان من شركة فالنت بروجيكتس، بمقرها لندن والتي تراقب الأخبار ذات المعلومات المضللة، أنه ”منذ قيام الحرب في أوكرانيا، أطلقت شبكات التضليل الروسية في السودان 9 أضعاف الأخبار المزيفة عما كانت عليه من قبل، في محاولة لحشد الدعم للكرملين“.