“الشورى مؤلمة” جدل الكاريزما والمؤسسة

بقلم : عبد الله مكي
• كانت الفئات المختلفة (طلاب – شباب – نساء – نقابات) تنتخب الأمناء مباشرة من المؤتمر العام، فتم انتخاب أمين لأحد هذه القطاعات، وهو لا يريد أن يتحمل المسؤولية، فذهب للشيخ حسن الترابي مغاضباً فسأله: يا شيخ حسن هل الشورى ملزمة ؟ أم معلمة ؟ فقال له الشيخ حسن الترابي– بسخريته المعهودة في هذه المواقف –: “الشورى مؤلمة”!.
• وتذكرت في هذا المقام المقولة المشهورة والمنسوبة للسيد اسماعيل الأزهري:
(الحرية نار ونور، فمن أراد نورها فليكتوي ينارها).وكذلك الشورى (نور ونار)، فهي تُظهر نور الحق من الآراء والمواقف والرجال، وهي كذلك نار تصهر وتزيل الصدأ وتُذيب الشوائب، وتحرق الخبيث من الآراء والمواقف والرجال.
• فهل يقبل الإسلاميون أن يصطلوا بنار الشورى وتُعرض معادنهم وأفكارهم ومواقفهم عليها لتُجلّيها وتُنقيها ؟ حتى ينعموا من بعد بنورها الذي لا يخبو.
• وقد اختلفت الآراء في الفكر والتراث الإسلامي حول قضية الشورى، فالبعض يقول إنها ملزمة، بينما يرى بعضهم إنها معلمة فقط.
• وبين هذين الرأيين وبسببهما سالت دماء كثيرة، وتمت الإطاحة بأمبراطوريات وممالك وسلطنات وحكومات وأحزاب وجماعات وحركات.
• وهناك رأي متطرف وطريف في نفس الوقت، وهو المتعلق بالمشاورة ثم المخالفة، وخاصة عندما يكون الأمر متعلق بالنساء.
• هذا التخبط في الآراء في قضية حسمها القرآن الكريم، ووصف بها المؤمنين: ” وأمرهم شورى بينهم “، وفي أحلك الظروف والمعارك العسكرية، أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم مباشرة: ” وشاورهم في الأمر “، هذا التخبط و(الزوغان) من الشورى أورث هذه الأمة التخلف والركون والركود والفساد والإستبداد في كل المجالات وبكل طبائعه كما يقول الكواكبي.
• الشورى حتى ولو أدت لنتائج كارثية وهزيمة عسكريةوخسائر مادية، وحتى في الأرواح – كما حدث في غزوة أحد –ففيها الخير العميم والنصر الأكيد.
• الشهيد سيد قطب يُعلق على هذه الآيات التي أمرت القيادة النبوية بالمشاورة حتى بعد الهزيمة في المعركة، بالرغم ما رأته هذه القيادة من هزيمة محققة.
• لكنها استجابت لقرار الشورى والقاضي بالخروج لجبل أحد ومقابلة المشركين خارج المدينة، ولو أدّى ذلك لإستشهاد سبعين من الصحابة، وكُسرت رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم وجُرح.
• يقول الشهيد سيد قطب:(قد يأتي النصر في صورة هزيمة)لقد هُزم المسلمون في معركة أُحد، ولكنهم انتصروا لأنهم تعلموا قيمة الطاعة والشورى إلى يوم القيامة.
• الشورى قد تأتي برأي لا يعجب البعض، خاصة الذين يعتقدون أنهم دوماً على صواب، ورأيهم لابد أن يُؤخذ به. ولكنه في النهاية رأي الجماعة وأفضل من رأي الفرد ألف مرة.
• تنظيم الإسلاميين في السودان فعّل مفهوم الشورى في الحياة العامة خاصة السياسية، الأمر الذي جعلهم يتخطون المنعطفات الكبرى التي مروا بها، وذلك لعلم القيادة بأنّ الميزة الأساسية في السودان هو التعدد والتنوع.
• ومن أهم المنعطفات تكوين جبهة الميثاق، ومقاومة نظام نميري، وكذلك مصالحته، والمشاركة في حكومة الصادق المهدي في الديمقراطية الثالثة. وحل تنظيم الحركة الإسلامية القديم ليستوعب القادمين الجدد في بداية الانقاذ.
• ولكن تعثرت الشورى جداً وأصبح هناك تلكؤ فيها في مرحلة الحكم والدولة، فأصبح هناك التفاف عليها أو عدم تنفيذ مخرجاتها.
• وأكبر العقبات كانت مرحلة(التوالي السياسي)حيث أجاز دستور 98 الحريات السياسية والصحفية وأقر انتخاب الولاة، الأمر الذي أدّى لعدم قبول قيادات في الحركة الإسلامية – خاصة المتنفذين في الدولة – وعندما أُجيزت في القيادة ومجلس الوزراء وبقيت إجازتها في البرلمان وتصديق الرئيس عليها، تم حل البرلمان والذي يرأسه شيخ الإسلاميين شخصياً.
• وعندما حاصر الحزب حكومته، تم تجميد أمانته العامة وأماناته المتخصصة وأمانات الولايات في قرارات(2صفر)الشهيرة، الأمر الذي أدّى لمفاصلة الإسلاميين، وتكوين كل جناح لحزب منفصل.
• بعد المفاصلة كان العاصم الأكبر للمؤتمر الشعبي هو الالتزام بالشورى، وانعقاد المؤسسات بصورة مستمرة (رغم ظروف الاعتقال المتطاول وإغلاق الدور والصحيفة ووقف حرية التعبير والحركة).
• فكانت اجتماعات الأمانة بصورة دورية وثابتة وكذلك هيئة القيادة والشورى في الأمور الكبرى. وتم اتخاذ قرارات المفاصلة وتغيير الأمانات (لتصبح 46 أمانة) وتغيير عدد نواب الأمين العام، وتعديل النظام الأساس، واسقاط النظام والمشاركة في انتخابات 2010 والحوار الوطني كلها تمت بشورى واسعة.
• حتى عندما لا تسمح الظروف الأمنية القاهرة بانعقادها (مباشرة) تم إبداع ما عُرف وقتها بـ(الشورى بالتمرير)، حيث تم تمرير كل المقترحات والآراء لكل أعضاء الشورى وتم الوصول إليهم في ولاياتهم ومدنهم وقراهم وحتى (الحلال والفرقان)، وتُرفع مقترحاتهم وأصواتهم عبر البريد الإلكتروني والفاكس للجنة المركزية في الخرطوم وتم هذا الأمر في 48 ساعة فقط.
• وكان الحوار الوطني أكبر ماعون للشورى، على مستوى الأحزاب والقوى المجتمعية والقيادات الأهلية والزعامات وعلى مستوى الدولة، ولكن ما إن ظهرت الرؤى الحقيقية لمعالجة مشاكل البلاد (مخرجات الحوار الوطني)، تأذى البعض وتألم من ذلك(خاصة المكنكشين في السلطة ولا يُريدون الفكاك والفطام منها). فالتفوا على المخرجات وأجهضوها، وأعلن رئيس الجمهورية في فبراير 2019 حالة الطوارئ وسلطة الطوارئ وحكومة الطوارئ (سلطة الفرد الواحد على حساب الشورى والجماعة)، فكان آخر أمل لأهل السودان في إصلاح سلطة الانقاذ فتبدد، فلم يبق النظام بعدها أكثر من شهرين.
• الحراك الآن في المؤتمر الشعبي حول قيام الشورى من عدمها يدل على فاعلية كبيرة داخل هذا الحزب (المثير للجدل في مواقف كثيرة)، وذكرني بأحد المغتربين من أحد الأحزاب (ينتمي لـ(4 طويلة) عندما استقال 40 من شباب المؤتمر الشعبي علناً أيام ثورة ديسمبر احتجاجاً على موقف الحزب السياسي، فقال لأحد أعضاء الشعبي : أنتم عندكم 40 شاب ؟ فذكره قائلاً : ديل القدمو استقالتهم فقط.
• لكن هذا الحراك الايجابي والحيوية تتخللها مواقف سالبة ولا تشبه تاريخ الحركة الإسلامية في كونها قائمة على الشورى الملزمة وحسم هذا الجدل والبؤس الفقهي (بيان بالعمل). فأن يُطالب عدد من أعضاء الأمانات المتخصصة وبعض أمناء الولايات بعدم قيام الشورى أو تأجيلها بحجة أنها (ستعمل فتنة) أو (ربما انشقاق أو انقسام) والعذر الأكبر من الذنب هو (الوضع الأمني والمالي). فهذا لعمري لأمر عجيب.
• فنقول لهم دونكم معركة أحد هُزم الصحابة فيها، ولكنهم كسبوا قيم الشورى والطاعة إلى يوم القيامة، وبالنسبة للمال فدونكم (سقيفة بني ساعدة) راكوبة من جريد نخل حددت وجهة التاريخ الإسلامي كله، والشورى جارية لاختيار القيادة الجديدة (ولم يدفنوا جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم بعد).
• ولأول مرة في تاريخ الحركة الإسلامية تلجأ العضوية للخيار الأخير وهو توقيعات الثلث لقيام الشورى، وبلغت أكثر من (45%). وما زال البعض (يتلكلك في قيامها). ويُهاجم ويُخون ويُشهّر بدعاة الشورى.
• فالحلول الصحيحة في الشورى، والخير كله في الشورى، والبركة في الشورى، والعصمة من الضلال والانقسام والانشقاق في الشورى، والمستقبل في الشورى، ولا بديل للشورى إلا الاستبداد وحكم الفرد وضياع الوجهة. فالشورى، الشورى، الشورى.
• ورسالة إلى دعاة الشورى: ليس الهدف هو تغيير فلان بفلان، أو انتصار مجموعة على أخرى، أو طرف على طرف، فلابد من وجود رؤية للمستقبل، ووجهة يسير ناس عليها، ووضع قضايا الوطن والحركة نصب أعينهم، وقضايا الانتقال والحريات والانتخابات والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى العلاقات الخارجية، ورؤية للعالم وكذلك حول مستقبل التيار الإسلامي وموقعه وموقفه من كل هذه القضايا والأطروحات.
• البديل للقيادة الكاريزمية السابقة الشيخ حسن الترابي هو (القيادة الجماعية)، ولا تعني تعدد الأمناء (كل أمين ثلاثة أشهر) ولكن تعني تقوية مؤسسات الحزب وتفعيلها والقيام بدورها وتنعقد في مواقيتها وهي (المؤتمر العام، ومجلس الشورى، وهيئة القيادة، والأمانة العامة).كما يقول الدكتور محمد فقيري أمين أمانة الفكر السابق في المؤتمر الشعبي.
مسك الختام
يقول الدكتورجونڤولمن جامعةنيوهامشير معلقاً على حديث دكتور الترابي في (المائدة المستديرة بجامعة جنوب فلوريدا) :
” في‬تكوّنهاونموّهابدالناجليّاً‬أنالحركاتالإسلاميةتتحركفي‬إطارمجموعةمنالمفاهيمالأساس
عبد الله مكي amekki2005@gmail.com

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...