د.عبد السلام محمد خير يكتب: يستنجدون بوزارة الثقافة..أهي بوادر لتوافق تلقائي؟!
هؤلاء(الوسطاء)مشكورون،هل تعاطوا مع ثقافة أهل البلد كمدخل؟!.. قد تكون(كلمة السر) كامنة هنا وسط أهل البلد،لا هناك!..اليوم والناس فى منعطف مشغولة بما أعياها،تتراءى(تجربة)شجاعة فى إدارة الأزمات جديرة بالإعتبار..الرئيس الفرنسي ديجول إنقلب يوما على بروتوكول بلاده بحثا عن حل ثقافي!..إختار وزير الثقافة وأجلسه على يمينه،مكان رئيس الوزراء!..للقصة بقية،ولكن خطر لي فجأة أنه بالإمكان فى هذه الآونة الحديث فى الثقافة و(بقوة عين)بينما السياسة مسيطرة وكأنه لا حل غيرها!..الثقافة هي الأصل وهي الحل،هكذا تقول دولة شهرتها عالميا الثقافية..وزير الثقافة فى الصدارة،والوزارة بالمعايير السودانية(وزارة سيادية)لا تقل اللهفة حولها عن ما يحيط بوزارة المالية!.
فرنسا مضرب مثل ثقافي عالمي..إنها تعتبر وزارة الثقافة(عنوان سيادتها)بدليل أن الرجل الأول ثار على البروتوكول وعدله ليضع وزير الثقافة إلى يمينه!..المبرر(إنه الوزير المؤتمن على أربعة قرون تصدرهاعمالقة الثقافة من أمثال فكتورهوجو،فولتير،ديكارت)..الرواية لطيفة وموحية أوردتها(الشرق الأوسط):فى التقاليد الفرنسية يجلس رئيس الوزراء إلى يمين رئيس الجمهورية فى إجتماعات الحكومة الأسبوعية..أقدم الرئيس ديجول على تغيير التقليد المتبع وأجلس إلى يمينه وزير الثقافة أندريه مالرو!..فاتحه مدير التشريفات فى الأمر!..رد عليه(ليس مالرو من يجلس إلى يميني، بل أنا من يجلس إلى يساره)!.
فى الأمر رهان،فإنه(ديجول)!..وإنها فرنسا رائدة المعرفة مفتاح العصر..قدمت للثقافة(وسام الأولوية)وجعلت منصب وزير الثقافة متقدما،لا بالموازنات و(لا تشريفيا)كما ورد فى عمود(سمير عطا الله)بصحيفة(الشرق الاوسط )الأحد الماضي وهو يحتفى بفكرة أن وزيرا بهذا الثقل يمكن أن يكون إمراة، ومن خارج فرنسا،محل ثقة،خبرة عالمية،تقول للعالم أنا المؤتمنة على إرث العمالقة،فيكتورهوجو،بلزاك،فولتير،ديكارت،وسارتر..أنا(ريما عبدالملك)منتخبة،لبنانية المولد، سجل ثقافي فرنسي عالمي حافل.
(الكفاءة) هي الأصل فى بلد الثقافة فيها أولا.. هذه هي الرسالة..وفى هذا السياق أمكن الإستنتاج أن(عالمية الثقافة)تدور فى فلك بلدان بعينها،فرنسا لبنان- مثلا،ولا يستبعد أن يكون السودان وبلدان بعينها واردا فى هذا السباق للتميز الثقافي الكوني،كما يحدثنا غيرنا..فكم تواترت أنباء عن دراسات لجهات ثقافية عالمية طافت ربوع البلاد وأقرت بتفرد البيئة الثقافية السودانية..مبروك،هذه سانحة لتحريك أية مياه ثقافية راكدة تزامنا مع هذا الصدى لذاتنا الثقافية فى أجواء عالمية..سنجد أننا أهل ثقافة،وأهلا للعالمية لاسيما وأنه فى الذاكرة مبادرات لمبدعين،وأن سيرة مهرجانات الثقافة حاضرة، وفى الأفق صدى إبداعات الجامعات والجماعات،وتحرك القوافل الثقافية نحو الولايات،تتصدرها(مبادرة ثقافية لنبذ العنف).
يتداعي فى الأزمات والتدخلات المربكة صدى الحراك الثقافي على أيام الإستقلال بما يوحي أن الثقافة أولا فى كل مراحل البناء الوطني،عمادها الإصدارات الثقافية،الملفات الصحفية،المهرجانات الخارجية،إشراقات جماعات المهجر،المنتديات العالمية..ثم إن بصمة المثقف الوطني على مختلف الإيدلوجيات وأنظمة الحكم ظلت جهيرة..وكل عام يراود الأجواء معرض الخرطوم الدولي بفعالياته الثقافية..وبالقاهرة إنطلق السبت الماضي المهرجان الدولي للطبول فى نسخته التاسعة بمشاركة السودان،جمعية دنقلا للثقافة والتراث النوبي،كما أوردت(الزرقاء ميديا)ومؤسسها مخرج سلسلة(أرض السمر)الشهيرة،الأستاذ سيف الدين حسن،أحد الضالعين فى تحريك الثقافة،وهم كثر.
تلقاء تأثير الثقافة ومنصب وزيرها وإيحاءاته عند غيرنا سرعان ما يخطر بالبال حال الثقافة عندنا وإمكانات وزارتها..الباحث عن إيجابيات يجدها فى الظلام..فى الأمر جملة إفتراضات يمكن أن تسر الخاطر والأوضاع شائكة..هناك وزير للثقافة،متوافق حوله،الحمد لله..لا تنازع حول حقيبة الثقافة لمن؟!..فليكن فى الأمر توافق على أن الثقافة أولا،وأنها العنصر الحاسم،لاسيما لدى تفاقم الجدل واحتراب الأعراق،وتدخل الغير..دعوا الثقافة فى البلاد تكون أولا،تعزز الحياة بالقيم،تنعش الإقتصاد بالبدائل،تحسم النزاعات بالحكمة،تعزز للدولة هيبتها.
هناك إلحاح لسيادة مفهوم(الثقافةأولا)..لدينا وزيرللثقافة،هو نفسه وزير الإعلام،ليتها حظيت بجناح آخر لتحلق(وزارة الثقافة والإعلام والتعدين)!..يا للبهاء!..إن فكرة ضم الوزارة لما يقويها تظل واردة،ولقد إقترحت يوما على وزير الثقافة أن يحارب ليجعلها(وزارة الثقافة والخزانة)!..قد يكون إفترضا،لكن هاجس التمويل يتطلب الطرق على كل الأبواب..نحيي الدكتور قراهام عبدالقادر،الأقدم فى الطاقم الحالي،حاضنته(وثيقة دستورية)و(خدمة مدنية)..إنه يذكرك بشريحة(أبناء الدولة)التى ثمنها إبن خلدون فى مقدمته..(عجين الدولة)الضامن لتماسكها وفعاليتها..الآن وقد عثرت البلاد على وزير بمؤهلات وتوافق،فماذا يرتجى للإرتقاء بمكانة الثقافة سوى تعاطف البروتوكول،وحراك يهز الأشجار اليابسة،و(شىء من الدهاء)كما يقول علماء الإدارة لتأمين هيبة الدولة؟.
عرفته أيام تقديمه لبرنامج(تراثيات)بالتلفزيون،أعقبه الأستاذ عبدالكريم الكابلي فأضاف عنصر الحركة مشاركا فى النماذج الإبداعية الجماعية فازدهى الأستديو،بما يوحي أن هذا ما يحتاجه الوزير،أن يتحرك..ربما عقد العزم،فالوزارة هذه الايام بتحركها نحو إقليم النيل الأزرق أعادت للاذهان وهج مهرجانات الثقافة..فهمنا من(رسالة الدمازين)أن الثقافة دليل الإستقرار..الفكرة جديرة بالإحتفاء..فى البال خروج الوزير للمشاركة فى فعاليات عالمية الطيب صالح للإبداع بقاعة الصداقة وقد أفاض حضورا كصاحب شأن..أتحف الملأ بخطاب معزز لفعالية ثقافية عالمية على النيل يتصدرها عمالقة الآداب والفنون والإبداع،ونجوم عرب وأفارقة حصدوا جوائز لها بريق..كان محفلا ينبىء عن مكانة متقدمة للثقافة فى بلاد مؤهلة للعالمية..فهل من حراك ثقافي متواتر ومؤازر للتعايش أساس التوافق- ضالة أهل البلد اليوم؟.
يظل الحراك الثقافي مطلوبا قرين أولويات البلاد،عنوانه الأفكار،المشاريع،المؤسسات،الرموز الملهمة التى بقيت فى دارها من بعد العطاء الجزل،ومن يتلقون العلاج شفاهم الله،من هم جديرون بالتكريم،مفكرون يجددون حوار الحضارات،منافذ النشر،منصات العصر،ومستشارون من ذوى الهمم الثقافية..وفى البدء كان التمويل..إن الصدى المريح للثقافة على المجتمع محفز لمواكبة عصر الرقمنة،ومحصن للهوية بالقيم..يتحتم أن تعود للثقافة صدارتها على كامل الحياة..دعوا الثقافة تعمل..تأتي بالجديد،تقرب البعيد،وتعزز الإستقرار بتجديد الروح فى آليات الثقافة ومواردها فى الولايات وإلهاماتها فى الصدور،حتى يكون توافق أهل السودان تلقائيا، تعززه الثقافة بالتعايش.
د.عبدالسلام محمد خير