لماذا غابت الوساطة الأفريقية عن أزمة سد النهضة؟
مع اقتراب موعد الملء الثالث لسد النهضة الإثيوبي، تبدو جهود حل الأزمة مجمدة في ظل غياب أي رد فعل من جانب الاتحاد الأفريقي، الوسيط الرسمي الوحيد بين مصر والسودان وإثيوبيا، وعدم ظهور أي بوادر لاستئناف عملية التفاوض التي كانت آخر محطاتها في أبريل (نيسان) من العام الماضي.
تفاؤل مصري
وبتولي السنغال الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي تجددت الآمال في تحريك الملف على صعيد الاتحاد، بعد أن فشلت جهود سابقتيها، جنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية على التوالي، في تحقيق الاختراق المطلوب لإيصال الدول الثلاث المعنية إلى توقيع اتفاق، إلا أن الجمود ظل سيد الموقف، بل وأصبح ملف سد النهضة بعيداً من تصريحات مسؤولي الاتحاد الأفريقي.
وقبل أسبوعين من توليه رئاسة الاتحاد الأفريقي في فبراير (شباط) الماضي، زار الرئيس السنغالي ماكي سال القاهرة وعقد جلسة محادثات مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أثار خلالها الجانب المصري مسألة السد الإثيوبي.
وكذلك نقل بيان لوزارة التجارة والصناعة المصرية في يوليو (تموز) العام الماضي عن سال دعمه “حقوق مصر المائية” خلال اجتماع مع وزيرة التجارة والصناعة المصرية نيفين جامع في داكار، مما رفع سقف التوقعات بين المراقبين المصريين تجاه أثر الرئاسة السنغالية للاتحاد الأفريقي على ملف سد النهضة، إلا أن ذلك لم يترجم عملياً، والسبب الرئيس لذلك كانت الأزمة الروسية – الأوكرانية وتداعياتها على العالم التي امتدت لأزمة غذاء ووقود تهدد العالم والقارة الأفريقية، بحسب ما يرى نائب وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية على الحفني.
نيات السنغال
وأشار الحفني لـ “اندبندنت عربية” إلى نشوب الحرب الأوكرانية بعد أسبوعين فقط من تولي السنغال دفة العمل الأفريقي المشترك دفع دول العالم للانشغال بالصراع وتداعياته الاقتصادية العالمية، وأثره في حاجات كل دولة من الواردات الغذائية.
ولفت إلى أن أفريقيا “لا تتحمل أزمة غذاء عالمية وسط مواجهتها تحديات مثل جائحة كورونا وموجات الجفاف”، وقال نائب وزير الخارجية المصري الأسبق إن الرئيس السنغالي “أظهر نيات جادة في حلحلة ملف سد النهضة من خلال زيارته مصر وإثيوبيا، وتواصله مع السودان قبيل تسلم رئاسة الاتحاد الأفريقي”، لافتاً إلى أن السنغال ودول جوارها لديها تجربة ناجحة في التوصل إلى توافق في شأن إدارة الأنهار العابرة للحدود ووضع آلية للتعامل مع أي نزاعات حول المياه، مما يجعل داكار “مؤهلة للتعامل مع ذلك النوع من القضايا”.
كما لفت إلى وجود عوامل أخرى تتحكم في وضع ملف سد النهضة الإثيوبي مثل الصراع الداخلي فيها وفي الوقت نفسه الدفع من الجانب الإثيوبي للانتهاء من المشروع.
وشغل الحفني منصب نائب وزير الخارجية عام 2013، وشهد ملف السد في ذلك الوقت توتراً بين مصر وإثيوبيا، وأكد أن “الكرة في ملعب الإثيوبيين”، لأن الإرادة السياسية إذا ما توافرت لدى أديس أبابا فسيكون “من السهل توقيع اتفاق يعالج مسألتي ملء وتشغيل السد، وانطلاق الدول الثلاث في علاقات تعاون وتكامل اقتصادي”، مضيفاً أن الأطراف الدولية التي تعاملت مع ملف السد مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبنك الدولي والأمم المتحدة “تعلم جيداً أنه ليس لدى إثيوبيا الإرادة السياسية اللازمة لحلحلة أزمة السد”، ومواقفهم “جامدة ومتزمتة” وغير راغبين في التوصل لحل.
وسيط جديد
وفي شأن محاولة إشراك وسيط جديد بعد الجمود من الجانب الأفريقي، قال الحفني إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والمسؤولين المصريين كافة “دائماً ما يثيرون ملف السد عند لقاءاتهم مع المسؤولين الدوليين، كما أن هناك أربعة أطراف تؤدي دور المراقب في المفاوضات وجرى التشديد على دورهم خلال جلسة مجلس الأمن الدولي في يوليو 2021، وهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبنك الدولي والأمم المتحدة، وتلك الأطراف عليها أن تدفع الدول الثلاث إلى التوصل لاتفاق مع وجود دور الاتحاد الأفريقي، لكن يظل العائق هو غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا على الرغم من أن مصر والسودان لا يمكن أن يقفا حجر عثرة ضد طموح إثيوبيا في التنمية”، معتبراً أن تلك الأقاويل “حجج واهية”.
وكانت آخر جولات التفاوض في أبريل من العام الماضي فشلت بعد عقدها على مدى أيام في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية التي كانت تترأس في ذلك الوقت الاتحاد الأفريقي، وقدم السودان خلال تلك الجولة من المفاوضات مقترحاً أيدته مصر بتوسيع الوساطة الدولية لتشمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما تمسكت إثيوبيا بوساطة الاتحاد الأفريقي فقط، وتبع فشل التفاوض عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي في يوليو من العام نفسه، بطلب من مصر والسودان أفضت إلى إصدار بيان رئاسي من المجلس في سبتمبر (أيلول) دعا فيه الأطراف الثلاثة للعودة إلى المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي بغرض الانتهاء سريعاً من صياغة نص اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة، وذلك في إطار زمني معقول.
وقوبل البيان بترحيب مصري وسوداني، غير أنها أثارت رفضاً من الجانب الإثيوبي الذي أعرب عن أسفه لتدخل المجلس في مسألة “تخرج عن نطاق اختصاصه”، بحسب وصف بيان صادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية.
رئاسة الكونغو
ويرى منسق أبحاث وحدة أفريقيا بمعهد الدراسات المستقبلية في بيروت محمد عبدالكريم أن الفرصة الأكبر في الوساطة الأفريقية كانت خلال رئاسة الكونغو الديمقراطية للاتحاد بين فبراير 2021 وحتى تسليم الرئاسة للسنغال، نظراً للروابط التاريخية بين القاهرة وكينشاسا، وباعتبارها عضواً في حوض النيل، ولطالما دافعت عن مصالح مصر المائية إلا أن تلك الفرصة لم تستغل لوجود “مصالح خاصة” للرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، وفق عبدالكريم.
وأوضح لـ “اندبندنت عربية” أن الاتحاد الأفريقي “لا يبدو راغباً في حل أزمة سد النهضة”، ووصفه بأنه أشبه بـ “مكتب داخل وزارة الخارجية الإثيوبية”، مضيفاً أن تأثير ونفوذ أديس أبابا داخل الاتحاد “أدى إلى خفوت الملف حتى على المستوى الشكلي من جانب الاتحاد الأفريقي”.
الدور الأميركي
وأكد أن الوسيط الوحيد الذي يستطيع دفع الأمور بجدية تجاه الحل هي الولايات المتحدة لما لها من ثقل وتأثير في جميع الأطراف، حتى على إثيوبيا التي وصفها عبدالكريم بأنها “مرتبطة دائماً بالغرب طوال تاريخها الحديث حتى وإن ظهرت بوادر التقارب مع الصين وروسيا خلال السنوات الأخيرة، لكن النظام في أديس أبابا لا يستطيع الابتعاد أكثر من الإطار الغربي”، ولفت إلى أن أكبر مانح تنموي لإثيوبيا “هي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي” إضافة إلى “وجود تفاهمات أمنية غربية – إثيوبية”.
وأشار إلى وجود قدرات أميركية تستطيع واشنطن استغلالها في الضغط على إثيوبيا لتوقيع اتفاق، مثل المساعدات وكذلك الشركات الغربية العاملة في مشروع السد.
وفي مايو (أيار) الماضي زار مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان القاهرة، وبحث مع الرئيس عبدالفتاح السيسي ملف السد الإثيوبي، إذ أكد السيسي موقف مصر الثابت من ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لعملية ملء وتشغيل السد بما يحفظ الأمن المائي المصري، ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، وفق بيان للرئاسة المصرية.
وشدد السفير المصري في واشنطن معتز زهران خلال جلسة حوارية مع صحيفة الـ “مونيتور” الأميركية الشهر الماضي، على أنه يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها على إثيوبيا في محادثات سد النهضة.
وفي شأن وضع المفاوضات حالياً قال زهران إنه إذا ظلت المحادثات متوقفة “فيمكنك أن تتوقع أي شيء، وسيكون لديك وضع يتعين على مصر بموجبه النظر في جميع خياراتها”.
وأضاف، “المؤكد هو أن مصر ستتمسك باستمرار بخياراتها الدبلوماسية”، موضحاً أن أي تهديد لمياه النيل التي تعتمد عليها مصر في أكثر من 90 في المئة من حاجاتها “وجودي”. وناشد واشنطن المساعدة في كسر الجمود، بحسب الـ “مونيتور”.
تصعيد كلامي إثيوبي
وبدت إثيوبيا أخيراً راغبة في الاستمرار بسيناريو التصعيد، إذ أكد المدير العام لسد النهضة نهاية الشهر الماضي أن الملء الثالث للسد سيجري في موسم الأمطار، وبالتحديد خلال أغسطس (آب) وسبتمبر، وأقر في تصريحات تلفزيونية باحتمال تأثر مصر والسودان بعمليات ملء السد، لكنه استبعد إيقاف عملية الملء الثالث، معتبراً أنها “عملية تلقائية”.
ورد السودان عبر بيان لوزارة الخارجية معتبراً أن التصريحات الإثيوبية “تسمم الأجواء الإيجابية التي سادت خلال الأشهر القليلة الماضية”، وطالب البيان بالالتزام بالعملية التفاوضية، فيما لم يصدر رد فعل رسمي مصري.
وتحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر طبي أفريقي قبل أيام عن عدم لجوء مصر إلى “الصراع مع الأشقاء” لزيادة حصتها المائية، على الرغم من الزيادة السكانية المطردة، وثبات حصة مصر من مياه النيل، مشيراً إلى اتباع مصر برامج لمعالجة المياه.
وأجرت إثيوبيا الملء الأول لبحيرة السد في يوليو 2020، حيث خزنت ما يقدر بـ 4.8 مليار متر مكعب من المياه، وفي العام التالي أعلنت عن نجاح المرحلة الثانية لملء بحيرة سد النهضة بما يقدر بـ 13.5 مليار متر مكعب من المياه، وسط اعتراضات مصرية وسودانية، وتبلغ السعة الاستيعابية القصوى لبحيرة سد النهضة 74 مليار متر مكعب.