عمار العركي يكتب : علاقات السودان الخارجية تخريب أم تهريج ؟!

طالعت مقال منشور بجريدة “الرواية الأولي بتاريخ الإثنين 6/6/2022م تحت عنوان (الخارجية السودانية ترسل رسائل خاطئة فى بريدي موسكو وبكين بعد حل ادارتي روسيا والصين)، جاء فيه بأن السيد وزير خارجية السودان المكلف أصدر قراراٌ قبل اسبوع من تاريخ المقال بموجبه تم ” إلغاء ادارة روسيا وبيلاروسيا، التي كان على رأسها سفير وخبير بشئون المنطقة واعادتها لمجرد ملف يديره سكرتير ثالث في الادارة الاوربية”، وصف المقال ذلك الإلغاء نسبةٌ لما أسماهم “بخبراء في السياسية الخارجية”، الذين بدورهم وصفوا تلك الخطوة بأنها ” انتكاسة في تقدير الموقف من حيث الاهمية والتوقيت والاستهانة بدولة روسيا في سياق التحولات الدولية”
كذلك جاء في المقال بأن “قرار الغاء ادارة روسيا وبلاروسيا استكمالاٌ لقرار سابق تم اتخاذه العام الماضي بالغاء (إدارة الصين)،وإعادتها كملف صغير داخل الإدارة الاسيوية يشرف عليه دبلوماسي وسيط بعد ان كان تحت اشراف سفير له خبرة وافية عن العلاقات مع بكين”.
تطرق المقال كذلك الى
” تقليص الإهتمام بتركيا وإنحصر الاهتمام بها في استدعاء سفيرها لمساءلته عن طبيعة الوجود السوداني في اسطنبول ، وتجميد العمل باكثر من 18 اتفاقبة تعاون ثنائي”.
كما ذهب المقال الى تناول “حملة الجنسيات المزدوجة من العاملين في الحقل الدبلوماسي وتمكين أصحاب الولاء المزدوج ويوكل إليهم إدارة أكثر الملفات حساسية في العلاقة مع دول العالم الأخرى وهم يرجحون مصالح بلاد جنسياتهم المكتسبة على السودان او فى أفضل الاحوال ما يعتقدون انه يخدم مصالح السودان”، واشار المقال الى ان ” الخارجية تعاني اختلالاٌ هيكلياٌ وضعفا في التقدير السياسي والدبلوماسي لسيطرة اصحاب الولاءات المزدوجة بحكم الانتماء الهجرى وإكتساب جنسيات اخرى ،خاصة من الدول الغربية مما خلق حالة من تضارب المصالح بين الإنتماء الوطني وجنسية البلدان الأخرى” ، وقد إستدل كاتب المقال بنماذج “حية” لهذا الإختلال الوظيفي وضعف التقدير السياسي، والدبلوماسي.
بالتأكيد أن هذا المقال على درجة عالية من “الحساسية” التى جعلتنا نتريث ونتروى فى التعليق ، وظللنا ننتظر ردود الأفعال من الجهات المعنية وذات الصلة، أولها مجلس السيادة بحكمه “الأمين على السيادة ومصالح البلاد العليا “، وزارة الخارجية بحكم أنها المعنية بمضمون المقال ، وثانيها جهاز المخابرات العامة المعني بتأمين وحماية النشاط الدبلوماسى ومكافحة التهديدات الخارجية من تخريب وانشطة مضادة وهدامة “، لكننا لم نرصد أي ردة فعل من أى جهة حتى اللحظة.
فبالتالى، سنتطرق للامر من زاوية التحليل والتقييم لقرار السيد وزير الخارجية كمتابعين ومهتمين بعلاقات السودان الخارجية على النحو التالى :-
إجمالا يمكن القول، بأن خلال الفترة التى أعقبت تطورات الأوضاع و التغيير السياسى فى السودان بأن سياستنا الخارجية – خاصة فى جانب العلاقات – لم تسلم من حالة “السيولة والتقاطعات والتجاذب” إتساقا مع تطورات الوضع السياسي العام.
نتج عن هذه التطورات. العديد من القرارات والسياسيات المتعلقة بالعلاقات الخارجية والتى لا تنم عن دراسة إستراتيحية تحيط بكل جوانب القرار فبل اتخاذه ، والسباسية قبل تطبيقها.
فبالتالي جأءت قرار السيد الوزير قاصرة ولا تخدم الغرض الأساسي الذى أتى به على راس الوزارة ” تنمية وتطوير علاقات السودان الخارجية بما يخدم مصالحه” ، بل نجد أن تلك القرارات قد تخصم من رصيد وزارته الشحيح أصلا” ،فعلى سبيل المثال نجد أن زيارة السيد نائب المجلس السيادى “حميدتي” الى روسيا ناقشت العلاقات بين البلدين وسبل تقويتها، وتنسيق المواقف بما يخدم مصالح البلدين”، اضافة لذلك فإن التطورات الآنية في ملف روسيا كدولة تفرض نفسها كقوة قطبية كونية قادمة ، يتحتم على السيد الوزير لتحقيق تلك الأهداف ، توسيع دائرة الإهتمام، ورفد الإدارة المعنية بالخبراء والفنيين والمختصين بالشأن الروسى ، بدلاٌ من تقليصها واختزالها فى ملف باشراف سكرتير ثالث.
الصين وما ادراك ما الصين ؟؟ يكفي بأن السفير الصينى بالخرطوم “شين مين”، والذى إلتقى بوكيل الخارجية من أجل إيصال دعوة مشاركة السودان في الحدث القاري التاريخى (مؤتمر الصين الخاص بسلام القرن الافريقى)، والمقرر اقامته فى الفترة من 20 – 21 يونيو الجارى بأديس ابابا ، والذى أكد على ضرورة مشاركة السودان لضمان نجاح المؤتمر، الأمر الذى نحسبه فرصة فى طبق من ذهب للسودان ، لإعادة تموضعه،وإستعادة مكانته الإقليمية، وتعويضً سنين الغياب – وبالأحرى التغييب – القسري عن كافة المشاهد والملفات الإقليمية.
بالنسبة لسفراء الخارجية الجدد والمتوجهين لإستلام مهامهم فى دول الإدارة الملغاة – روسيا وبلاروسيا – وهم محملين بوصايا السيد رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان حين إلتقي بهم موجهاٌ ” بضرورة تمتين التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة مؤكدا أهمية إعلاء المصالح العليا للسودان، والعمل على تقوية الشراكات وتطوير علاقات التعاون في المجالات الإقتصادية والتجارية والثقافية والسياسية. وضرورة إعطاء قضايا الجاليات السودانية بالخارج أهمية قصوى” ، فآولئك السفراء تم “تكسبر مقاديفهم ودس محافيرهم قبل مغادرتهم الخرطوم ، فماذا يقولون عند إستقبالهم إستفسارهم من قبل دول التمثيل عن دواعى ومبررات تقليص الإهتمام الإدارى وإختصاره فى مجرد ملف ضمن الملفات الأوربية ؟! ،
كيف سيتمكن سفراء. الخارجية الجدد الى روسيا وبلاروسيا والصين من إنفاذ توجيهات رئيس مجلس السبادة والتى هي بأهمية إستراتيجية تتطلب إدارة وإهتمام رئاسى ارفع من ملف يديره سكرتير ثالث ؟!
ختاماٌ ، فالخلاصة التحليلية والتقيمية لأداء وزارة الخارجية السودانية في تخطيط وإدارة علاقات السُودان الخارجية نختصرها فى سؤالين محوريين :-
حتى متى يظل السودان يعلن عن مواقفه القوية الداعمة والمساندة للدول دون أن يحقق مصلحة او يجنى فائدة.؟؟!
حتى متى يظل السودان يدفع ثمن – التخريب أو التهريج- أي كان المُسمى ، فالنتيجة واحدة ، تدهورا فى علاقاته ، ومساسا بمصالحه القومية العُليا ؟!

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...