المكارثيون الجدد في (حلبة) المعترك السياسي (التخوين).. هل أصبح سلاحاً لتصفية الحسابات؟

الصائم: التخوين و”المكارثية السياسية” أداة لكبح تطور الديمقراطية
بلدو: معظم القادة والساسة السودانيون مصابون بوسواس الارتياب وذهان الشك
راشد: التخوين في السياسة أداة لتصفية الخلافات وارتبط بمفهوم ممارسة السلطة في الدولة


التخوين أو ما بات يعرف بـ”المكارثية” السياسية، لم يعد فقط مجرد سلاح يسود الساحة السياسية، بل كاد يتحول إلى سمة فكرية مجتمعية بالغة الخطورة، تستخدم فيها أساليب محرمة في التعامل مع الخصوم من كافة التيارات والاتجاهات السياسية، والاجتماعية.
فشيوع الظاهرة لم يعد قاصراً على قوى حاكمة ومؤيديها ضد معارضيهم أو العكس، بل أيضاً أضحت شائعة أو سلاحاً لدى المجتمع، ما جعل لـ(المكارثية) خصوصية نادرة من الفضائح، وهذه الوتيرة بحسب استشاري الطب النفسي البروفيسور علي بلدو، ستسهم في إذكاء روح الحقد والكراهية في المجتمع ما يرفع من وتيرة “العنف والعنف المضاد”، وتجعل المجتمع مهيأً في الدخول في النزاعات بأشكالها المختلفة “اللفظة والبدنية والعسكرية” ما يمهد الأوضاع إلى لنشوب (حرب أهلية) قال إنها أصبحت تلوح في الأفق.
وفي رأي الخبراء في علم الاجتماع والمحلليين السياسيين فإن خطورة شيوع هذا النوع من التوجهات يكمن في أنه قد يضرب السلم المجتمعي وعمليات التحول الديمقراطي بعد أن استبشر الشعب بثورة قامت على شعارات مركزية أهمها الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة ومكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة وغيرها، لكن الأمر ازداد حدة لتشهد الساحة توتراً متصاعداً باستبطان خطاب الكراهية والتخوين.

(درقة) وحرب ومخاوف من المستقبل!
معظم القادة والساسة السودانيين مصابون بوسواس الارتياب وذهان الشك بجانب معاناة الكثيرين منهم من مركبات ومتلازمات الدونية وجنون العظمة، بهذه العبارات ابتدر البروفيسور علي بلدو استشاري الطب النفسي هذه لـ(اليوم التالي) مضيفاً أنه لا يوجد في الساحة السياسية الآن من قائد ذو كاريزما أو شخص له التأهيل النفسي والاجتماعي اللازم لإخراج البلاد من أزماتها وهذا ما انعكس في حالة التخوين واتهام الآخرين ورميهم بأوصاف كثيرة كـ(العمالة والارتزاق والمأجورين، وما شابه) علاوة على عدم قبول الآخر وكذلك الشك في نوايا الفرقاء السياسيين وانعدام الثقة بين المكونات السياسية المختلفة على الواقع السياسي الراهن جنباً إلى جنب من حالة التنافر والتشاكس وعدم القبول النفسي للآخرين والرغبة في الإقصاء والانفراد بالحكم والإدارة في البلاد والشعور بأن كل حزب وكل سياسي هو الأقدر وهو الأصلح لحكم البلاد وغالباً ما يتخذ مثل هؤلاء الساسة بحسب بلدو نوعاً من حيل الدفاع عن الذات أو الحيل الدفاعية الذاتية وهي بمثابة (درقة) أو توهمات أو بالونات نفسية للاحتماء من الاتهامات والاحتماء من الانتقادات عن طريق الهجوم أولاً، ووصفهم بالعملة والارتزاق وتخوينهم أو حتى اتهامهم بأنهم من يثيرون المشاكل وذلك نتيجة لهذا الواقع النفسي المزري الذي يعيشه معظم الساسة في البلاد حالياً.
ويمضي بلدو ليضيف أن هذا الواقع انعكس أيضاً على حالة عدم الرغبة في الوصول إلى معالجات وطول أمد النزاع في البلاد وعدم وجود ضواء (في آخر النفق)، بيد أن بلدو يرى أنه لا يوجد نفق أساساً في ظل وجود هذه المجموعة من الساسة وقادة الأحزاب المتشاكسون وغيرها من الفرقاء والمكونات الأخرى بجانب تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية واقعياً وإسفيرياً واتهام الآخرين بها والخوف من الانتقادات بدليل وصف أي شخص يقوم بعمل أي رؤية أو مقترح معين بوصفة بأوصاف غير لائقة واتهامه وتخوينه مما يؤدي إلى إحجام الكثير من أهل الرأي والخبرة والدراية عن المشاركة في هذا المعترك السياسي خوفاً من إلصاق التهم بهم، مما أفقر الساحة السياسية من الحكماء الحقيقيين وأهل الحل والعقد الذين لديهم المهارات الأزمة وهذا ساهم أيضاً في طول أمد الصراع والدوران في دائرة مفرغة، ونوه المختص النفسي إلى أن المجتمع السوداني نفسه شارك في هذا الأمر وأصبح منقسماً متشرذماً يعاني أيضاً من التوجس والشعور بعدم الأمان الاجتماعي والسياسي والخوف من المستقبل والرغبة في الخروج من البلاد ورفع من وتيرة التشاؤم وعدم التفاؤل لدى المواطنين وأصبح الرمي بالتخوين والأوصاف غير اللائقة يمارس حتى في البيوت والشوارع والمساجد والكنائس وأصبح بمثابة عملة وماركة مسجلة نعايشها كل يوم باعتبارها هي (الموضة) هذه الأيام، وهذه النبرة بحسب بلدو تساهم كثيراً في إذكاء روح الحقد والكراهية في المجتمع مترفع من وتيرة “العنف والعنف المضاد” وتجد الشخص في حالة من التحفز النفسي والعصبي والذهني والعقلي تجعله مهيأً في الدخول في النزاعات بأشكالها المختلفة “اللفظة والبدنية والعسكرية” ويمهد الأوضاع تماماً لنشوب الحرب الأهلية السودانية التي أصبحت تلوح في الأفق بحسب بلدو وأنها أصبحت أيضاً تمارس بأشكال مختلفة في نبرات التخوين التي يتم إطلاقها في الوسائط المتعددة عن طريق (اللايفات والكمنتات وغيرها)، وهذا يساعد أيضاً في إذكاء روح الخلاف وإطالة أمد الحوار الذي لن يفضي إلى شيء في ظل وجود هذه المعطيات ما لم يتم عمل معالجات عاجلة تشمل إعادة تشكيل الشخصية السودانية والتخلص من هذه الرواسب وأيضاً بث ثقافة الاعتراف والاعتذار والمصالحة واحترام وقبول الآخر وقبول الآراء المختلفة وبناء جسور الثقة بين المكونات المختلفة وتجسير الهوة بين المكونات والشركاء المتشاكسون بطريقة علمية ومنهجية متخصصة وأيضاً ضمان احترام الاتفاقيات والعهود التي يتم إبرامها في ظل بلاد يقول بلدو إن الاتفاقية الوحيدة التي تم احترامها هي اتفاقية (البقط) وأن القانون الوحيد الذي يتم احترامه هو قانون (الجاذبية) على حد قوله.
خيانة سياسية!
وفيما يتعلق بخيانة العهود والمواثيق والمبادئ يقول نائب أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل عثمان أبو راس لـ(اليوم التالي) إن الخيانة أنواع منها “خيانة العهود والمواثيق والمبادئ، ومنها خيانة الأمانة”، وتابع: الخيانة أياً كان نوعها فإنها، مستهجنة من المجتمعات البشرية، وقد يعاقب الموصوف بها بعقوبات مادية أو معنوية أو الاثنين معاً.
ويضيف أبو راس، التنكر للعهد يعني خذلان طرف من أطراف العهد للطرف الآخر بعدم القيام بواجبات العهد، أو بالمشاركة مع آخرين أو منفرد، في أذية الطرف الآخر، والخيانة دائماً ما تلصق بمن يفترض أن يكون صديقاً لكم، لكنه لم يحافظ على عهد الصداقة واستحقاقاتها، وقد تكون الخيانة متمثلة في كتم الشهادة التي ترد الحق للمظلومين (فالساكت عن الحق شيطان أخرس) أو تبرؤهم من جريمة لم يرتكبوها.
وفي عالم السياسة بحسب أبو راس التخوين هو “ألا تكون صادقاً مع من صدقك القول”، وقد يتمثل ذلك في اتخاذ موقف يسئ لمن جمعتكم بهم مسيرة حافلة بالمعاناة كأن تجاهر بخطوة حتى وإن كانت منسجمة مع قناعتك، إلا أنها وبحكم محاكمتها الظالمة لاجتهاد ما صدر بعنوان مشترك أنت جزءاً منه، فإنها تماثل غدراً لا يشبه تاريخك، سيما وأن ما اتخذته من قرار حتى وإن صدر بنية سليمة كان بمثابة طعنة من الخلف قدمت خدمة لا تقدر بثمن لأعداء حزبك بحكم مكانتك عند من هم (حلفاء لك الآن).

تصفية الخصوم السياسيين!
فيما يقول الأكاديمي والمحل السياسي د. راشد محمد علي الشيخ، في إفاداته لـ(اليوم التالي): بالنسبة للتخوين في السياسة السودانية هو طبعاً من الممكن جداً أن يدخل في تصفية الحسابات سواء كانت حسابات حزبية أو شخصية تولد ضغائن بين النفوس سواء كان على مستوى المنظومة الحزبية الواحدة أو المجموعات الحزبية المتنافسة، بكل تأكيد التخوين أيضاً لعدم سلامة التربية السياسية وارتباطه بمسألة المفهوم المتعلق بممارسة السلطة في الدولة وهي من الأخطاء المركبة بالنسبة للنظم السياسية.
يؤثر على الأبعاد الاجتماعية باعتباره سلوكاً طاغياً على العامة في شكل الممارسة السياسية وبالتالي يؤثر في المكونات الاجتماعية، بكل تأكيد لا يعتبر التخوين ممارسة سياسية راشدة، وتابع: ما يمكن أن يكون معتدلاً لا يمكن أن يكون غير معتدل وبالتالي النظرية تفسر لمصلحة الممارسة السياسية الراشدة في أنها تكون مرتبطة بالتربية الوطنية والقيم وتحقيق المصالح القومية الكلية التي تنطلق منها النظم السياسية، وتابع: لا أعتقد أنه يمكن قبول مبدأ التخوين في العمل السياسي بشكل مستمر أو عام، أما الآثار على صعيد التحول الديمقراطي هنالك مسألة مرتبطة بوجود رغبة وإرادة وعزيمة وإصرار ومؤسسات تتبنى المشروع لتثبيته ومجتمع واعٍ وتحقيق آلية الممارسة السياسية الراشدة، ولا أعتقد أن التخوين هو السبيل الوحيد والمثالي أو الموضوعي
وأشار راشد إلى أن المسألة المتعلقة بالتحول الديمقراطي تقع على عاتق المفهوم المتعلق ببنائية النظم السياسية نحو الدولة الراشدة التي تدرك أهمية المؤسسات مع إسنادها بالأبعاد الاجتماعية والممارسة المتعلقة بضبط القيم والأخلاق وتجنب المسائل المتعلقة بالتخوين

المكارثية وصراع الأقطاب!
أما الأكاديمي أستاذ العلاقات الدولية محمد خليل الصائم، فيقول في إفاداته لـ(اليوم التالي) إن التخوين في السياسة السودانية يدخل في تصفية الحسابات الخاصة بين المكونات السياسية، وتابع: “في تقديري لا يوجد سياسي راشد في السودان”.
ويرى الصائم أن المجتمع المطلوب منه تسوية سياسية هو نفسه مقسم إلى مكون عسكري الآن هو يستلم السلطة ويحتاج إلى ضمانات كثيرة جداً لجهة أنه متهم بأشياء كثيرة وفظيعة، مما قاد إلى أن تنتابه بعض الهواجس والتهديدات، أيضاً المكون المدني بفصائله متناحر ولديه مطامع مختلفة من فرد لحزب لآخر أيضاً من حركة إلى أخرى من هذه الحركات التي كانت متمردة على السلطة القائمة وقت ذاك، ومضى بالقول: هنالك أيضاً أحزاب ليست لها حظوظ في السلطة الديمقراطية لجهة أن التابعين لها قليلين ولا تملك تأثيراً طيلة الـ(65) سنة الماضية وكان يمثلها واحد أو اثنان في البرلمان ودائماً ما تتقوى بفترة الانتقال لبناء مستقبل سياسي لها ولو كان بنظرة بعيدة جداً.
وأشار الصائم إلى أن بنية العقل السياسي السوداني لا يمكن لها أن تتغير بفعل التغيرات السطحية المتمثلة في تغيير آليات الحكم فقط، بل إن العقل السياسي يجب أن يتغير بشكل جذري وأن يمر بمسافة طويلة من الصدمات الحضارية حتى يتحول من عقل ذرائعي وتخويني إلى عقل يمكن له أن يستوعب إشكالات الشعوب ويعمل على إصلاحها، بعيداً عن منطق المكارثية المعطل لكل حالات الديمقراطية.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...