مهلة إعفاء الديون.. هل ستفقد البلاد المساعدات الخارجية..؟
قبيل انقضاء المنتصف الأول من يونيو الجاري، كانت الآمال كبيرة خاصة فيما يعرف بخطوات إعفاء ديون السودان البالغة أكثر من 60 مليار دولار أمريكي، والتي تمت جدولتها بحسب اتفاق سابق بين الحكومة السابقة والمجتمع الدولي، لكن بعد حلول 15 يونيو بهذا التاريخ يمثل نهاية مهلة صندوق النقد الدولي المعنية بإعفاء ديون السودان، ومع ذلك هل بات في حكم المؤكد أن تفقد البلاد المساعدات الخارجية من قبل مؤسسات التمويل الدولية.
ونتيجة لإجراءات الجيش في 25 أكتوبر الماضي، وعدم تشكيل حكومة مدنية حتى تاريخه، بات السودان على أعتاب العودة لنقطة البداية، وهي النقطة التي نبهت لها مجموعة الـ7 مطلع الشهر الجاري، بضرورة تشكيل حكومة مدنية بأسرع وقت، وهي المرحلة التي تعرقل المهمة خاصة وبحسب بعض الاقتصاديين أن الحكومة حققت ما لا يقل عن 90% من وصفة صندوق النقد، وبعد ذلك سارعت الحكومة لبيان الخطوات التي قامت بها تجاه الالتزام بما يليها من تعهدات مع المجتمع، وذلك عبر بيان لمندوب السودان بالأمم المتحدة، بيد أن الأيام أثبتت أنه لا شيء تغير بعد.
فشل الزيارة
ولاحقاً، وفي منتصف الأسبوع الحالي كان الأمل الأخير متمثلاً في زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكية “مولي في” في انتظار أن تسفر محصلة لقاءاتها مع الحكومة والقوى السياسية الفاعلة عن اختراق إيجابي ينهي أزمة البلاد ويمهد لإعادته للوضع الطبيعي قبل قرارات 25 من أكتوبر، ولكن فشل الزيارة في إحداث أي اختراق إيجابي، وما صاحبه من تعليق الآلية الثلاثية لجلسات الحوار بدد آخر الآمال المتعلقة باستعادة دعم المجتمع الدولي خاصة في الجانب الاقتصادي وما يتبعه من تدفق المساعدات المالية، واستئناف مراحل إعفاء الديون.
حل سياسي
لكن مختصين ومراقبين يعتبرون أن فشل السودان في الاستفادة من المهلة التي انقضت أمس الأربعاء 15 يونيو، ويشار ذلك إلى خطر إعادة تخصيص المساعدات الحيوية من برنامج المؤسسة الدولية للتنمية التي كانت مخصصة للسودان إلى بلدان أخرى بحلول نهاية يونيو، إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي للأزمة، وما يعزز هذه الفرضية هو إعلان بعض الدول المانحة أن الدعم المالي الدولي للحكومة السودانية، بما في ذلك تخفيف الديون، لن يستأنف بدون حكومة مدنية، وهي ذات النقطة التي ذكرتها مولي في بنهاية زيارتها للخرطوم مؤخراً.
استمرار الأزمة
رغماً عن أن الولايات المتحدة لا علاقة لها بالديون نهائياً، إلا أنها عنصر شديد التأثير خاصة على دول الاتحاد الأوربي وكثير من الدول سياسياً ودبلوماسياً، ومن شأن ذلك وقف برامج المساعدات وتعليق خطوات إعفاء الديون أن يؤثر سلباً على الاقتصاد المنهك أصلاً، كما من المتوقع أن تمتد التأثيرات السلبية لنحو “18” مليون مواطن بالسودان، ما سيسهم في استمرار الأزمة الاقتصادية.
نقطة الإنجاز
ويكمن الهدف من المبادرة متعددة الأطراف لتخفيف أعباء الديون في زيادة تخفيض ديون البلدان منخفضة الدخل المؤهلة وتزويدها بموارد إضافية لمساعدتها في تحقيق أهدافها الإنمائية وبموجب المبادرة متعددة الأطراف لتخفيف أعباء الديون تقوم ثلاث مؤسسات متعدِّدة الأطراف، هي: المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، صندوق النقد الدولي وصندوق التنمية الأفريقي، بتقديم تخفيف أعباء الديون بنسبة (100%) على الديون المستوفية للشروط للبلدان المؤهّلة، لدى بلوغها نقطة الإنجاز في ظل مبادرة “هيبيك” وحال وصول السودان لهذه النقطة كان سيحصل على تخفيف إضافي لإعفاء ديونه بموجب المبادرة متعددة الأطراف من مجموعة البنك الدولي ومجموعة بنك التنمية الأفريقي، كما كان من المتوقع أن ينظر صندوق النقد الدولي في إتاحة تخفيف أعباء الديون للسودان إلى جانب ما تقدمه مبادرة “هيبيك”، بما يصل إلى تخفيف لأعباء الديون بنسبة (100%) على الدين المستوفي للشروط من الصندوق.
قاعدة جديدة
يعتبر الباحث الاقتصادي د. هيثم فتحي، في تصريح لـ(اليوم التالي) إن عدم التزام هذه المؤسسات الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عن وعودهما في المساهمة في تخفيف ديون السودان، نكوص عن التعهدات التي قطعوها مسبقاً، وأوضح أن توجهات المجتمع الدولي تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد السوداني، لا سيما في مشكلة الديون الخارجية، وقال إن الحكومة حققت 90 في المئة من وصفة صندوق النقد، ويرى أنه لا مبرر للتهديد بعدم الإيفاء، وأشار إلى أن أي دولة نفذت سياسات الصندوق حصلت في المقابل على الإعفاء، لكن المجتمع الدولي لم يفِ بوعوده تجاه السودان حتى الآن، وشدد على ضرورة حل مشكلة الدين الخارجي حتى يتمكن الاقتصاد السوداني من الانطلاق من قاعدة جديدة للقروض الميسرة.
توافق سياسي
ويضيف د. هيثم إن إعفاء الدول من الديون الخارجية له آلياته، والولايات المتحدة لا علاقة لها بالديون نهائياً، لكنها تستطيع أن تؤثر على دول الاتحاد الأوربي وكثير من الدول سياسياً ودبلوماسياً، ونوه إلى أن السودان يشهد عدم توافق سياسي بين مكوناته وتدهور أمني كبير، وزاد قائلاً: هذه الأمور ستقود إلى استمرار الأزمة الاقتصادية إذا لم يتم تداركها، ولفت إلى أن مستقبل السودان الاقتصادي قاتم بالنسبة لعلاقاته مع دول العالم في ظل استمرار التجاذبات السياسية واضطراب مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.