مشروع حلفا الجديدة الزراعي .. ترنح عملاق

عمر إبراهيم محمد إدريس
البطانة من أخصب الأراضي وشرقها الذي يتاخم نهر عطبرة زادته طبيعته المنبسطة ميزة وتفرداً، وقد تشكلت بعض القرى من أهل البطانة الرحل على ضفاف نهر العطبراوي مثل أصبري والقفلة منذ زمن باكر وامتهن أهلها الزراعة في هذه الأرض واعتمدت في ريها على الأمطار الى أن تم الاتفاق بين الحكومة المصرية والسودانية على قيام السد العالي الذي تمددت بحيرته لتغرق كل أراضي النوبيين في حلفا القديمة حينها اتفقت الحكومتان على إيجاد أرض جديدة يهجر اليها أهل حلفا فوقع الاختيار على البطانة الشرقية وبعد التواصل مع ناظر الشكرية الشيخ محمد حمد أبوسن تم التوقيع على وثيقة إنشاء المشروع والتي هدف الى توطين النوبيين واستقرار عرب البطانة الرحل غير الجدوى الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء من الحبوب وزراعة المحاصيل النقدية التي ترفد الخزينة العامة.
كان قيام خزان خشم القربة وحفر القناة الرئيسة وإنشاء مؤسسة حلفا الزراعية (خشم القربة) سابقاً هي الخطوات الأولى للتأسيس تبعها وحسب الاتفاق المبرم بين القرى التي تم توزيعها داخل المشروع على أن تتكفل الحكومة المصرية بعمليات البناء ومد القرى بالخدمات الأساسية من مياه وكهرباء ومراكز صحية وهذا الجزء من الاتفاق بالتحديد صاحبه تلاعب وغش حيث اقتصر ما تم الاتفاق عليه فقط في قرى النوبيين وظلت قرى العرب خارج اهتمام الحكومة، بل تركوها تواجه مصيرها وعاشت أكثر من نصف قرن بلا ماء ولا كهرباء ولا صحة مع منازل متواضعة هددتها الأمطار وحاصرتها الطبيعة بكل جنونها وتقلباتها.
تشكل مجتمع المشروع الجديد من قوميات متباينة في كل شيء انصهرت هذه الثقافات لتخلق مجتمع جديد متجانس متعايش تجمعه حرفة واحدة ويجابه مصيراً مشتركاً ويتغذى من مشروع واحد،
كان النوبيون في شمالهم الأقصى يعتمدون على الزراعة البستانية ويجلسون على أرض ثرية ضاربة في جذور التاريخ وهم أهل حضارة غطى بريقها كل شرق وشمال أفريقيا وكذلك عرب البطانة كانت مسارحهم ومضاربهم بين النيل الأزرق ووسط البطانة امتهنوا الرعي مع قليل من الزراعة المطرية وعند الاستقرار في المشروع ودعت القوميتان أرضهم وتاريخهم ومهنهم القديمة وانقطعت صلاتهم بتاريخهم حتى رفات أهلهم تركوه، إما لمياه بحيرة السد أو لقسوة الظروف المناخية في البطانة وكان المشروع بعد تسخير الله هو الملاذ في المأكل والمشرب اعتمدوا عليه بشكل لم يتركوا لاحتمال انهياره فرصة فسكبوا على أرضه عرقهم وجهدهم ومالهم وظلوا في سعي بين سوق مدينته في موسم بيع محاصيلهم ومعظم شهور السنة داخل الحقول زراعة ورعاية وحراسة.
هذه الفذلكة هي تمهيد لأهمية المشروع وخصوصيته لندلف بعدها لحالة الانهيار التي يعيشها الآن.
تحولت مؤسسته الغنية ذات الأقسام المتعددة والتي تمتلك من الأصول الكثير تحولت الى هيئة لم تتشكل بقانون، بل قامت بقانون الهيئات والمؤسسات العامة ورفعت يدها عن المشروع فأصبح المزارع يجري عمليات التحضير ويشتري المدخلات من تواريب ومبيدات وأسمدة ويقوم بالعمليات الزراعية فتبعثرت أقسام وإدارات عملاقة مثل الهندسة الزراعية والأبحاث الزراعية والحقول التجريبية وحتى المحالج أصبحت أثراً بعد عين وكل ما حققته الهيئة بمسماها الجديد تسجيل كل المشروع بشهادة بحث واحدة باسم الهيئة.
فيما يتعلق بالري فقد كانت آليات الري متوفرة وقناطره وخفرائه ومبانيه في التفاتيش مؤسسة عملاقة صاحبت أدواراً مشهودة في استقرار المشروع والآن ذهب كل شيء الآليات والقناطر والإدارات على مستوى التفاتيش.
ومن أبرز أسباب ذلك الخراب هو انعدام النقابة المؤهلة والحريصة على مصالح المزارعين، وفي مشروع حلفا ظلت النقابة ومنذ قيام المشروع لا تمثل المزارع ولا تعبر عنه، بل كانت أداة بيد كل نظام حاكم تستغل لتحقيق أهداف سياسية بممارسة البلطجة السياسية وحرمان المزارع من أبسط حقوقه، تقرب وتبعد كيفما كان ولاء الشخص للتنظيم الذي تتبعه والآن تشهد صراعاً محموماً بين الحرس القديم الذي جثم علينا لثلاثة وعقود وبين طفيليين جدد تربوا ذات التربية وسلكوا نفس الدرب ويرفعون شعارات المرحلة الجديدة ليحاربوا بها غرماءهم.
الموسم الزراعي الحالي حاله حال مؤسسات المشروع بلا رعاية ولا اهتمام مهدد بالعطش ونقص المدخلات ونتوقع نقابة بنت لقيط كما سابقاتها تتشكل بليل وتعتمد من أعلى وتصبح أمراً واقعاً، والآن نشهد حراكاً مستقلاً في مناطق نهر عطبرة والقرى الغربية حراكاً رافضاً للفاسدين القدامى وللانتهازيين الجدد، حراكا أساسه المصلحة العامة لا الانتقام السياسي، وآلية عمله وسعيه المواطن صاحب المصلحة لا الوكيل السياسي الساعي لفرض واقع لا يراعي مصلحة الناس ولا مستقبلهم.
إلى الله المشتكى..
عمر إبراهيم محمد إدريس
اللجنة التسييرية لحراك مزارعي مشروع حلفا الجديدة

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...