ورشة عمل دور المجتمع في عودة المرحلة المتوسطة.. مطالبات بإشراك التعليم الخاص في التخطيط لعودة المتوسطة
ثلاثة آلاف وخمسمائة مدرسة بولاية الخرطوم تقدم سبعين ألف منحة مجانية خبيرة تربوية : الدولة استعجلت عودة المتوسطة والجنين جاء (خديجاً)
سيطرت قضية عودة المرحلة المتوسطة لسلم التعليم العام على مجريات الأحداث منذ العام المنصرم، وإن عودة المتوسطة لازمها شيء من الارتباك وعدم وضوح الرؤية، وهي تدخل عامها الثاني ولسان حال الخبراء يقول : الحكومة استعجلت العودة، ويتجسد ذلك في ما ذهبت إليه أوراق عمل الورشة والنقاش الساخن الذي استمر لساعات.
اليوم التالي.. ولاهتمامها الكبير بالقضية كانت الراعي الإعلامي الأول للورشة إيماناً منها بحساسية الأمر باعتبار أن الجدل مازال قائماً بشأن عودة المتوسطة . جاءت الورشة بمبادرة من تجمع مدارس الأضواء والغيث والأخيار والنجوى وبراعم الإيمان، بالتعاون مع كلية دراسات المجتمع بجامعة بحري، والتي استضافتها بقاعة الحرية، وكان الحديث فيها بكل وضوح وشفافية، في ظل غياب لافت لمدير عام وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم، الذي قدمت له دعوة رسمية ليكون معلقاً رئيسياً .
إثر الغاء المرحلة المتوسطة على التعليم، صدر القرار الوزاري بإلغاء المرحلة المتوسطة ودمج المرحلتين في مرحلة الأساس وذلك في العام خمسة وتسعين وتسعمائة وألف، استناداً على تجربة دولتي الكويت وماليزيا، اللتين اختصرتا سنوات التعليم العام من اثنتى عشرة سنة إلى إحدى عشرة، مما تسبب في حدوث فجوة في سوق العمالة الوسيطة.
إلا أن تلك الدول قامت بتطوير مناهجها بما يلائم احتياجات سوق العمل، ولم تؤثر في مهارات الطلاب العلمية، وبعد عدة سنوات تراجعت كل من ماليزيا والكويت عن التجربة وعادت إلى نظام ثلاث ثلاث، أسوة بالدول الأخرى، وطبق هذا النظام فعلياً بالسودان لعدة عقود مخلفاً وراءه عدداً من السلبيات التي أدت إلى انهيار العملية التربوية، وذلك طبقاً للورقة التي أعدها مدير المرحلة المتوسطة بالولاية صلاح عثمان محمد أحمد، والتي استعرضها نيابة عنه مدير مرحلة التعليم الخاص ببحري الاستاذ خالد سعيد، راسمة صورة كارثية لما نجمت عنه التجربة، تمثلت في ضعف مخرجات العملية التربوية متمثلة في التحصيل الأكاديمي، وظهر ذلك جلياً في المرحلة الثانوية حيث زادت معاناة المعلمين في توصيل المعرفة والمهارات العلمية، وأصبح السلم التعليمي غير مطابق للمعايير العالمية وهي اثنا عشر عاماً للتعليم العام مما أثر على جودة التعليم، وأن المشاكل السلوكية والتربوية التي صاحبت النظام باعتباره يجمع صغار السن والكبار في مساحة واحدة أدى لانتشار ظاهرة التنمر وسط التلاميذ المراهقين على الصغار، وعالمياً يقاس المخزون التربوي بمعيار عدد السنوات التي يمضيها التلميذ في المراحل التعليمية، مقيساً بعدد شهور السنة، حسب التقويم الدراسي لكل دولة، كاشفة عن أن اختصار السنة من عمر التلميذ يؤثر سلباً على المخزون التربوي والذي يستخدم كمؤشر اقتصادي لقياس أثر التعليم على الناتج القومي، ومن ثم زيادة مدخلات النمو على المدى الطويل، كما أن المرحلة المتوسطة كان لها أثر كبير على المجتمع؛ خاصة في الأقاليم والأرياف وذلك بإقامة الدورات الرياضية والمناشط الثقافية والمناشط اللاصفية وتفاعل المجتمع معها، مما خلق رابطاً قوياً جعل من المدرسة منارة للإشعاع الثقافي في المجتمع، ومن المعروف أن الجمعيات الأدبية كانت واحدة من المظاهر التي تميز المرحلة المتوسطة، حيث ساهمت في زيادة المخزون الثقافي للطلاب وأكسبتهم مهارات وصفات كالشجاعة الأدبية والثبات، وتشير الورقة إلى تراجع وزارة التربية والتعليم خلال مؤتمر إصلاح التعليم عام أثنى عشر وألفين، وإن أبرز توصياته كانت إعادة المرحلة المتوسطة ومعالجة إشكالية العام المحذوف، إما بإضافة سنة تاسعة لمرحلة الأساس أو إعادة المتوسطة بشكلها القديم؛ ليصبح السلم التعليمي ست، ثلاث ثلاث.
دور التعليم الخاص في عملية الانتقال للمتوسطة
تشير الورقة التي استعرضها الأمين العام لاتحاد أصحاب المدارس الخاصة بولاية الخرطوم، أمين محمد عثمان، بحضور رئيس الاتحاد دكتور بهاء الدين سيد أحمد، إلى أن التعليم الحكومي في ظل عجز إمكانات الدولة انخفضت مخرجاته التعليمية والتربوية فاقدته ثقة الطلاب وأولياء أمورهم حتى لجأوا إلى بدائل أخرى وذات جودة عالية، واتجهوا للمدارس الخاصة، وقارن أمين ما بين أعداد طلاب التعليم الخاص بالنسبة للحكومي في العام 2020 و2021 الصف الثامن نموذجاً، حيث بلغ عدد التلاميذ الصف الثامن بولاية الخرطوم بالمدارس الخاصة 65779 وبالتعليم الحكومي 73195 تلميذاً ، ويرى أمين أن سياسات الدولة تجاه التعليم الخاص؛ رغم ضخامة دوره في العملية التعليمية؛ يرى بوضوح أنها لا تتلمس فيه صفة غير المنفذ لتلك السياسات التي ترفع العبء الاقتصادي من الحكومة التي زادت أعباء تلك المدارس بالرسوم المفروضة والقوانين المقيدة لسياساته الداخلية، ولاترى فيه سوى أنه مصدر لدفع الضرائب، ويجأر أمين بالشكوى من فرض أربعة عشر نوعاً من الرسوم على المدارس الخاصة التي يصل عددها ثلاثة آلاف وخمسمائة مدرسة بالولاية، وتقدم سبعين ألف منحة مجانية لقبول تلاميذ وطلاب بالمجان بواقع مابين عشرة لمائة تلميذ وطالب بالمدرسة الواحدة وأنه بالرغم من أن إعادة المرحلة المتوسطة لم تجد حظها من الدراسة والتخطيط ليأتي تطبيقها متمرحلاً وسلساً، ولم تعد العدة – كما يجب – لقيامها كمرحلة منفصلة بذاتها نجد التعليم الخاص هو الأكثر جاهزية؛ مقارنة مع رصيفه الحكومي، ويمتلك المقدرات الأفضل لاستيعاب جميع خريجي المرحلة الابتدائية، ويطالب أمين عام اتحاد المدارس الخاصة – خلال توصيات الورقة – بضرورة الإعفاء الكامل للتعليم الخاص من كافة الجبايات والرسوم المباشرة وغير المباشرة، وإيجاد صيغة مناسبة لدعم المدارس الثانوية الخاصة التي ستفتقد صفاً كاملاً لمدة ثلاثة أعوام ورصد جميع معوقات تطوير مؤسسات التعليم الخاص ومعالجتها والتدرج والتأني في تطبيق فصل المرحلة المتوسطة بشكل لايضر اقتصادياً بالمدارس الخاصة وإشراك التعليم الخاص في لجان التخطيط ورسم سياسات التعليم في السودان، وذلك بالتكوين الفوري لمجلس الجودة والاعتماد المنصوص عليه بقانون التعليم الخاص .
خبراء يتحدثون بشفافية
يشدد الخبير التربوي صديق عبد الله، على ضرورة الاستنفار خلال الفترة القادمة لإعادة تنظيم مجالس آباء المدارس، مشيراً إلى أن أهداف المرحلة المتوسطة حتى الآن غير واضحة بالنسبة لإدارات التعليم والمدارس والمعلمين، داعياً وزارة التربية لوضع أربعة عشر معياراً تربوياً – معايير محددة للتعليم المتوسط- مشدداً على فصلها فصلاً تاماً عن مرحلة الأساس وتجاوز المتاريس والمعوقات، ويرى أن أثر إلغاء المرحلة المتوسطة تسبب في تأثيرات سالبة في التنشئة، حيث توجد فئات عمرية مختلفة في مرحلة واحدة.
أما الخبيرة التربوية آية يوسف فنبهت إلى أن إلغاء المرحلة المتوسطة في عهد الإنقاذ وأد لها كما وأدت كثيراً من القيم والأخلاق. وقالت خلال مداخلة ساخنة إن التعليم بالسودان الآن يتأرجح يميناً ويساراً، وعابت آية على الدولة ووزارة التربية بماسمته أن قرار عودة المتوسطة كان متعجلاً وجاء الجنين (خديجاً) وكنا نأمل أن نراه جنيناً كاملاً، وأوصت بأن لانجعل الجنين نزاعاً بين الخاص والحكومي وطالبت بضرورة الرجوع لمنهج التربية الوطنية وخلق منهج متعلق بالسلوك وتصرفات التلاميذ.
أما الأستاذ الجامعي أيمن صالح رحمة اكد أن الجامعات هى أكثر من تضرر من الغاء المرحلة المتوسطة مناشدا وزارة التربية والتعليم بالاهتمام بالمكتبات المدرسية التي أظهرت تحسره لاهمالها وعدم الاهتمام بها مؤخرا أما الموجه التربوي الفاضل العامري دعا وزارة التربية والتعليم إلى ضرورة إشراك المعلمين في كل شيء قائلاً : ما صار اليوم في المدارس والشارع سلوك يندى له الجبين.
قطع ناشف
يجزم مؤسس عدد من المدارس الخاصة، شفيع شرف الدين، خلال مداخلته التي أفرغ فيها هواء ساخناً بأنهم كأصحاب مدارس خاصة؛ ليسوا ضد عودة المتوسطة قائلاً بالدارجية (الدولة ما عندها أى حاجة تقدمها للتعليم الخاص وعايزة تشيل منه، حاثاً أصحابها بشد الحيل وربط المئزر وزاد : الدولة (حشرتها حشر) ولكنها مرحلة مهمة ماعندنا كلام.
المعلم يوسف حسن وهو معلم كيمياء وصاحب مدرسة بمحلية كرري، طالب بانتزاع أي مدرسة متوسطة حولت في عهد الإنقاذ لمكان أو جهة، داعياً إلى فصل منصب وزير التربية والتعليم عن السياسة ليكون الوزير تربوياً دون التأثر بانقلاب اوتغيير نظام.
من جانبه.. شدد أيمن علي الفحل؛ مؤسس مدرسة بمنطقة حطاب خلال مداخلته على نشر التوعية عن عودة المرحلة المتوسطة في الريف والأطراف، باعتبار أن بعض المجتمعات ذات مفاهيم ضعيفة موصياً وزارة التربية والتعليم بفتح باب التصديق لمدارس متوسطة برسوم رمزية وإجراءات مبسطة دون عناء.
بعد نهاية الورشة استطلعت (اليوم التالي) بعض الحضور حول موضوع الورشة، حيث قال الأستاذ محمد عبدالقادر.. الورشة كانت جميلة ومنظمة وناقشت قضايا المرحلة المتوسطة بعمق ودور المجتمع في نجاحها، لافتاً إلى أن دائماً مخرجات الورش لا تجد من ينفذها، وتكون حبيسة الأدراج حتى الوزارة لا تهتم بنتائج هذه الورش، وتابع.. هي مجهودات ضائعة لا تجد من يضعها على أرض الواقع، في نفس الوقت تمنى عبدالقادر أن تجد هذه المجهودات أذناً صاغية لها، وأكد بأن ما خرجت به الورشة من شأنه أن يفيد عودة المتوسط كما لابد من أن يؤهل ويدرب الأساتذة عبر مراكز تدريب خاصة بمعلمي المرحلة المتوسطة من أجل إيصال المعلومة الصحيحة للطالب .
أما الأستاذ يوسف حسن محمد أحمد، معلم مرحلة متوسطة، قال من عنوان الورشة الدعم المجتمعي لإعادة المرحلة المتوسطة يوضح أن الورشة ناجحة منوهاً بأن الورشة بدأت بفهم عالٍ في مضمونها التربوي في إعادة المرحلة المتوسطة والعودة إلى السلم التعليمي القديم، مضيفاً بأن الحديث عن ذلك كبير؛ في إعداد المدارس وتأهيل المعلمين والمناهج أو البيئة التعليمية ككل، وزاد.. الورشة بدأت بأهم ضلع، ويتمثل في الدعم المجتمعي لإعادة المرحلة المتوسطة، وأشار إلى أن في السودان أي مشروع غير أنه تربوي يعتمد على رأي المجتمع؛ خاصة وأن السودانيين (سميعين)، على حسب حديثه، يمكن نجد المتخصص وغير المتخصص يتحدث، بمعنى أن هنالك من ينتقد عودة المتوسط دون نهج علمي لكن مثل هذه الورش توفر رأي المتخصصين في المجال التربوي ويتحدثون بصورة علمية في هذا الطرح، وأضاف.. الورشة كانت موفقة حتى يعرف المجتمع دوره في إعادة المتوسط وأكيد نحتاج إلى ورش أكثر لإلقاء مزيد من الضوء في قضايا التعليم .
من جانبها.. قالت الأستاذة هنادي عبدالله.. الورشة ناجحة إلى حد كبير، وهي بذرة ونقطة بداية من المفترض أن يستفيد منها المجتمع كل المعنيين في شرائح المجتمع نوهت إلى أن مثل هذه الورش تعمم على مستوى ولايات السودان وتنوير الناس بمسيرة التعليم؛ خاصة بعد الثورة حتى تنجح التجربة وتنزل على أرض الواقع. وتابعت.. المجتمع هو القاعدة اذا لم يساعد ويساهم باستنهاض الهمم لن تنجح التجربة، مضيفة.. من أجل إنجاح الفكرة وأن تذهب إلى الأمام، لابد من مساهمة المجتمع ورجال الأعمال والأهالي و جميع الفئات المجتمعية، وأضافت نحن في حاجة ماسة لمثل هذه الورش المتعمقة، ولابد من إرجاع ودعم فكرة إعادة المتوسط لأنها حقيقة، سترجع المنافسة والثقافة وتخرج لنا جيلاً مثقفاً ومعافىً ومكتملاً تربوياً .