الشائعات.. السلاح الفتاك لتصفية الحسابات
حسن بركية: وسائل التواصل الاجتماعي سهلت مهمة نشر الشائعات
محمد المختار: يتم توظيفها سياسياً لتضليل الرأي العام
خالد سعد :مكافحتها تتطلب إظهار مصداقية ومهنية الصحافة الورقية والرقمية
إسماعيل محمد: الشائعة تؤثر بشكل كبير في إحباط المجتمع لأنها تشكك في موروثاته وثوابته
يطرح موضوع الشائعة الإلكترونية وانتشارها في مواقع منصات مواقع التواصل الاجتماعي إشكالاً جوهرياً في ظل الانتشار والانفجار المعلوماتي
واحتلت سلطة الخبر الموثوق، فالشائعات والأخبار المفبركة والمزيفة تحولت إلى مصدر خطير من خلال المعلومة الكاذبة تتمثل بالإضرار بسمعة الشخصيات أو التشهير، وترتبط بالساسة ونجوم المجتمع والفنانين والرياضيين.. والإشاعات تتناقل عبر حسابات كثيرة سواء كانت حقيقية أو مزورة يتعامل معها البعض وكأنها حقيقة .
رغم فعالية شبكات التواصل الاجتماعي في نقل الأحداث بشكل آني، إلا أنها في المقابل بيئة خصبة لنمو الشائعات، وأصبح انتشارها أوسع وأشد تأثيراً.. لمعرفة ما تم طرحهُ في أعلاه، عن هذا الموضوع.. (اليوم التالي) أجرت استطلاع رأي وسط عدد من الصحفيين ممن يهمهم الأمر ..
اليوم التالي: محمد إسماعيل
تعميق الأزمات
تحدث الصحافي حسن بركية حول هذا الموضوع قائلاً :للشائعات أسباب كثيرة، ووسائل متعددة، وساهمت وسائل الاتصال الحديثة في توسع النطاق والأثر السلبي، ويزداد هذ الأثر السلبي شيوعاً وانتشاراً مع وسائل التواصل الاجتماعي، في كثير من الأحيان ترتبط الشائعات بأوقات الأزمات والحروب، حيث تستخدم الشائعات لتحقيق أغراض كثيرة ويمكن للشائعات أن تعمق الأزمات والمشاكل في بعض المجتعمات في حال عدم التعامل الواعي والمتسلح بالمعرفة معها، وسائل التواصل الاجتماعي سهلت مهمة نشر الشائعات والأخبار الزائفة والمضللة.
ويرى بركية أن مواجهة طوفان الشائعات في وسائل التواصل الاجتماعي مهمة عسيرة تتطلب الكثير من المال والجهد والمعرفة.
وحول مكافحة الشائعات قال: يجب توفير المعلومات الصحيحة والموثقة في الوقت المناسب وبأحدث القوالب الإعلامية والمهنية.
أغراض سياسية
المدرب في مكافحة الأخبار المضللة محمد المختار قال إن ظاهرة الأخبار الكاذبة والمزيفة التي ازدادت شراستها مؤخراً يتم توظيفها سياسياً لتضليل الرأي العام، وهي تتم بقصد وتقف خلفها جهات داخلية وخارجية لتحقيق أغراض سياسية، لكن علينا أن نتعرف على أنواع وطبيعة هذه الأخبار الكاذبة والفرق بين المصطلحات لفهمها بعمق، مثلاً الأخبار (المضللة) وهي معلومات خاطئة يعلم ناشروها أنها خاطئة وهي مقصودة من قبل جهات فاعلة، (الأخبار الخاطئة) فهي معلومات مغلوطة يعتقد الشخص الذي يقوم بنشرها أنها صحيحة أي ينتفي القصد هنا، وهناك الأخبار (الضارة) وهي معلومات تستند على الوقائع والحقائق لكن تستخدم لإلحاق الأذى أو الضرر بأشخاص أو منظمات أو مؤسسات.
وأشار في حديثه الى أنواع المحتوى (السبعة) وكيف يحدث فيها التضليل فيقول: إنها محتوى خاضع للتلاعب أي عندما يتم التلاعب بالمعلومات والصور الحقيقية بهدف الخداع، والربط الكاذب أي عندما لا تدعم العناوين والصور شروحاتها، والسياق الخاطئ أي عندما تتم مشاركة المحتوى الحقيقي بسياق كاذب، والمحتوى الملفق، وهو محتوى جديد مزور بالكامل بهدف الخداع وإيقاع الأذى، والمحتوى الانتحالي أي عندما تنتحل هويات مصادر حقيقية، والمحتوى المضلل وهو استخدام مضلل للمعلومات لتأطير قضية أو فرد، وأخيراً السخرية أو المحاكاة الساخرة، وفي هذه الحالة غالباً ما لا توجد نية للتسبب بأذى ولكن يمكن أن تخدع البعض.
وقال: يكمن الحل في رفع ثقافة التحقق من المعلومات، وهذا لا يتم الا من خلال التربية الإعلامية والمعلوماتية، علاوة على وجود إعلام قوي وفعال وله مصداقية وتمكينه من الحصول على المعلومات.
عنصر الإثارة :
الإعلامي خالد سعد حول هذا الموضوع قال: من المهم أولاً أن نفهم أن الشائعة شيء قابل للتصديق ولا يتطلب برهاناً أو دليلاً وينتقل من شخص إلى آخر عن طريق أي وسيلة اتصال وهي عملية ذات أبعاد نفسية حسب خبراء علم النفس.
ووفقاً لذلك فإن مكافحة الشائعة تتطلب رفع وعي المشاركين في عمليات الاتصال على المستوى الفردي أو الجماعي..
مضيفاً: بالنسبة للصحافة يتطلب الأمر إظهار مصداقية عالية بوسائل مهنية في الصحافة الرقمية وتجويد ورفع مستوى الصحافة الورقية لأنها مصدر رئيس لوسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن زيادة عدد المنصات التي تعمل في تحري الأخبار الكاذبة وتدريب وتأهيل الصحافيين على هذا النوع من الصحافة.. وهو شكل جديد من أشكال الصحافة الاستقصائية التي تتطلب مهارات جديدة في إظهار حقيقة المعلومات المنشورة أصلاً، وذلك عبر وسائل استقصائية مثل أدوات البحث على الإنترنت أو الإرشيف أو التحقق من المصادر المرتبطة بالشائعة نفسها.
وذكر أن هنالك وسائل مستخدمة في وسائل الإعلام الجماهيرية مثل تكثيف البرامج الإعلامية ذات المصداقية التي تذيع الحقائق وتدحض الأكاذيب، والاستعانة بالأفلام والرسوم المتحركة والفنون المختلفة لمجابهة الشائعات نظراً لقوة تأثيرها..
خصماً على المهنة
من جانبه قال الصحفي إسماعيل محمد إن أي تطور في مناحي الحياة له إيجابيات وسلبيات، فثورة التقنية التي غزت العالم من أوسع أبوابه حتى أصبح قرية صغيرة استغلت ضعاف النفوس ودخلاء مهنة الصحافة والمتربصين بها من خلال نشر الأخبار المسيئة للمجتمع بغرض إحداث الفتن الشريرة، وكذلك الأخبار الكاذبة بقصد خلق بلبلة أو لأسباب تتعلق بالجانب التجاري أو السياسي، تأثير مثل هذه الأخبار والشائعات قد يكون في البداية واسعاً خاصة وأن مروجيها يحاولون الاعتماد على عنصر الإثارة المشوق حتى تجد طريقها في الانتشار، في ظل جهل قطاع عريض من الجمهور بالموضوع محل التناول، الا أنه متى ما حصل النفي بطريقة احترافية متضمناً طرحاً شاملاً لكل ما أثير من معلومات مغلوطة، يزيد وعي المتلقي مهما كانت درجة تعليمه أو مداركه، وبالتالي أصبح الآن الجمهور المتلقي أكثر وعياً من بداية ظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي باتت منصة خصبة للتسابق المحموم نحو الأخبار ذات الهدف المسموم.
وأضاف: من المؤكد أن الوعي المتواصل جعل كثيرين يفرقون بين الخبر المحترف والخبر الموجه لخدمة غرض بعينه، لذلك تجد كثيراً من الأشخاص يحذرون من مواقع معلوماتية وإخبارية تمارس هذه الأفعال المشينة والمسيئة لمهنة الصحافة وهي بلا شك جاءت خصماً على المهنة التي تتطلب من ممارسها أن يراعي شرفها ويلتزم بأصولها التي من أهمها المصداقية والابتعاد عن الإثارة الفاضحة من أجل الكسب والانتشار.
وأكد في حديثه أن الشائعة تؤثر بشكل كبير في إحباط المجتمع وانحرافه أخلاقياً لأنها تعتمد على التشكيك في موروثاته وثوابته.
وحول كيفية علاج هذه الظاهرة قال: يتطلب من الجهات ذات العلاقة في الدولة من ابتدار حملات توعية من خلال وسائل أكثر فاعلية وقبولاً ومتابعة، فضلاً عن سن قوانين رادعة لكل من يقوم ببث الشائعات ذات الغرض المسموم والذي يكون له أثر سلبي عند المتلقي، الى جانب جهود الاتحادات والنقابات والتجمعات المهنية ذات العلاقة في نشر الوعي وتكثيف البرامج التدريبية وورش العمل لمحاربة مثل هذه الظواهر المسيئة.
أضعفت من مصداقية الإعلام المؤسسي
تصفية الحسابات
الصحافي عامر محمد حسين قال: لا يمكن فصل الشائعة عن السياق الاجتماعي والسياسي في أي دولة عن مسألة جوهرية تتمثل في الحرية السياسية والحرية العامة والتربية والسلوك العام لكل مواطن من مواطني الدولة وكل ما غابت المعلومة الصحيحة في كل مجالات ازدادت الشائعات. واشار الى أن منابر التواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي تمثل البؤرة الأكثر رواجاً وتأثيراً للشائعات نسبة لسرعة الانتشار وغياب الآلية للفحص واحترام المهنية في نشر الخبر، وأكد الى أن هذه المنصات رغم فوائدها العظيمة في تواصل البشرية وإقامة أجمل الصلات والعلاقات الإنسانية والتعريف بالثقافات وتبادل المعلومات إلا أن هناك من يستغلها للترويج لقضايا قد تصل لتصفية حسابات بين دول وشعوب وأفراد.
مضيفاً أن آفة القصد والترصد لا تقل بشاعة عن أي عدوان جسدي أو لفظي على فرد أو شعب من خلال تزوير التاريخ وتزوير الحاضر والترويج للشائعات ضد الدول والمؤسسات وقد تتسبب أحياناً في خسائر فادحة للاقتصاد والسلم الاجتماعي وعلاقات الشعوب وللأسف يروج البعض عن حسن نية لشائعات ترتبط مثلاً بنجوم مجتمع من فنانين ورياضيين وساسة وقد يتسبب ذلك في كوارث بشعة، وقال: ترتبط أغلب الشائعات حول أفراد أو جماعات من أجل الشهرة لمن يطلق الشائعة أو تحقيق انتشار عالمي أو تصفية لحسابات شخصية وعموماً لغياب آلية الفحص وقياس درجة المهنية لغير المتخصص يصبح القارئ غير المتأكد من صحة المعلومة على صواب لو أنه لم يسعَ للترويج لها حتى يتأكد من صحتها أو يجدها كاذبة فينفيها ويروج للنفي وهذا أضعف الإيمان..
أكثر ضرراً
من جانب آخر تحدث الإعلامي عبدالمنعم الكتيابي الذي يرى أن الإشاعة أصبحت بعد انتشار استخدام وسائط التواصل وسهولة التعامل معها أكثر ضرراً من ذي قبل وذلك لسرعة الانتشار وصعوبة إيقافها من التدوير، بذلك تكون أكثر خطورة في تشويش الرأي العام وتشويه الحقائق، بل أكثر من ذلك أصبحت تزعزع السلام الاجتماعي وتكرس لعدم الثقة بين فصائل المجتمع وقيادته في مجال العمل العام سياسياً كان أو اجتماعياً، كما أنها أضعفت من مصداقية الإعلام المؤسسي لتوسع مساحة انتشارها..
وتابع لـ(اليوم التالي): لا سبيل لمكافحة الإشاعة إلا في وجود سياسات إعلامية تنهض بتطوير عمل الإعلام المؤسسي وتسهم في إعادة بنائه لوجستياً ومهنياً، بجانب التشدد في تطبيق قانون المعلوماتية وتوسيع دوائر عمله وتبسيط إجراءاته ونشر الوعي به، حتى يرتدع مروجو الإشاعات وأيضاً لتدعيم وسائل مكافحة الإشاعة لا بد من اشتراك أصحاب الوعي والاستنارة في محاربة هذه الظاهرة التي أضرت كثيراً بالمجتمع في مختلف القضايا، وقال: تأثير الشائعة مضلل ويلقي عبئاً كبيراً على وسائل الإعلام.
غرف الصدى
الإعلاميى خالد ماسا قال: يتعين على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي التحقق من الأخبار المنشورة والحقائق المرتبطة بها.
وبمقدور المستخدم أن يسأل أسئلة أساسية لمساعدته على التحقق من الخبر وتصلح كأدوات تمكنه من الفرز بين الحقيقة أو الإشاعة مثل: من نشر الخبر؟ متى نشر الخبر؟ أين مكان القصة؟ وكيف نشرت على الإنترنت؟ واستفاد أصحاب المصلحة من نشر الأخبار الكاذبة والمزيفة من مزايا البيئة التفاعلية لوسائل التواصل الاجتماعي.
ويرى أنها ميزة تجعل من الإنترنت وهذه البيئات التفاعلية بيئة أو حاضنة للساعة تسهل من خلالها عملية النشر والتوزيع والانتشار ..
وأشار الى ما يسمى بـ(غرف الصدى) يرى أنها واحدة من أحد أهم أدوات نشر الإشاعة.. وفكرتها الأساسية تقوم على إيجاد منصات تفاعلية تستقطب أصحاب الاهتمام المشترك.. وذكر أن المشتركين لديهم شغف تجاه أخبار أو اهتمامات مشتركة.. مخاطبة هذا الشغف يساعد على تهيئة المتلقي لتقبل الإشاعة ..
وقال: من المهم جداً التحقق من مصادر الخبر فبعضها تعتبر أكثر مصداقية من غيرها. وأضاف متسائلاً: من صاحب الحساب؟ وهل يرتبط بمنظمة أو مؤسسة معينة؟ هل الحساب الذي نشر الخبر جديد على وسائل التواصل أم إنه موجود منذ فترة؟ وإذا كان موجوداً فما طبيعة الأخبار التي ينشرها في العادة؟
ودعا ماسا في حديثه الى التأكد من صحة صورة معينة وقال: يستطيع الشخص حفظ الصورة ومن ثم تحميلها على أداة للبحث الآلي المخصص بالصور على موقع غوغل ورؤية كل الأخبار المتعلقة بالصورة، من المهم أيضاً الالتفات للتفاصيل إذ يغير بعض الأفراد الصور حتى تتفق مع خبر معين أو قصة يريدون أن يروجوا لها.
لذا يتعين تدقيق النظر في الصورة والتأكد أن كل العناصر الموجودة فيها صحيحة ولا تلاعب بها، بالإضافة إلى وجوب النظر في اللغة والتأكد من السياق واتباع الحيطة من العناوين المضللة والتلاعب بالتصريحات.
حرق لشخصية
ومن جانبه قال الإعلامي ياسر عوض: الشائعة هي خبر، وأخطر الشائعات هي تلك التي بها جزء من الحقيقة.. وتتحول لإشاعة وليس خبراً بحذف أجزاء من الخبر أو إضافة أجزاء للخبر لا تمت للخبر بصلة بغرض تمرير معلومة ذات أثر سلبي أو حرق لشخصية أو تبديل لموقف أو إضفاء مسحة تجميلية لموقف سئ.. وهذا النوع من الشائعات يستفيد من غياب المعلومة من مصدرها الأصلي. وربما يستفيد من كسل المتلقي في بحثه عن الحقيقة واعتماده على الوسائل السهلة في التلقي. ودائماً الإشاعة تعتمد على استعداد البسطاء على تصديق أي شيء وتبني الإشاعة فلسفتها على إحداث حراك لحظي وتغيير الرأي العام في اللحظة الراهنة حتى تكشف الحقيقة وحينها يكون الأثر قد حدث.
مقاومة الإشاعات تقوم في المقام الأول من أخذ الخبر من مصدره الأصلي.. فالأخبار على شاكلة (صرح ناطق رسمي فضل حجب اسمه)
هي في الأصل شائعة لا يجب اعتمادها في التلقي كخبر موثوق.. غياب السند الذي يرجع اليه في الخبر يحوله في الحال الى شائعة يتم التعامل معها بحذر .
ستظل الشائعات مصدراً لإثارة الأكاذيب داخل المجتمعات.