ضحايا انفصال الجنوب.. استمرار المعاناة
تنطبق المقولة ( جزاء سنمار) على ثلاثة ملايين مهجّر وعائد؛ رسم لهم انفصال دولة جنوب السودان واقعاً مأساوياً؛ حيث تحولت حياتهم برهة من رغد العيش إلى جحيم لا يطاق، بعد أن عاشوا عقوداً من الزمان بجنوب السودان وبفضلهم قامت مدن كبرى وشادوا خير بنيان.
علا وجه محدثي عبدالله عثمان العاقب؛ مسؤول رئيس دائرة الزراعة بالمنظمة السودانية لرعاية العائدين والمهجرين من دولة جنوب السودان ضحايا الانفصال؛ حزن كبير وهو يحدثني وغصة في حلقه أرغمته على طلب الإذن مني بأنه يريد أن يرتشف كوباً من الماء البارد؛ ريثما يدخل في حديثه والذكريات التي تركت بفعل السياسة ولسان حاله يقول : لعن الله السياسة التي فرقت بين شعبين كانا في دولة واحدة. (اليوم التالي) وإحساساً بمعاناتهم جلست مع رئيس المنظمة مدني مهدي مدني وعبدالله عثمان العاقب اللذين رسما صورة لأوضاع مأساوية يعيشها ثلاثة ملايين شخص تركوا الجمل بما حمل، وحتى يومنا هذا صارت قصتهم أشبه بالمسلسل المكسيكي طويل الحلقات.
ضياع شقى السنوات
تدين ولاية أعالي النيل للمزارعين السودانيين بفضل كبير في تأسيس مدن ضخمة، بفضل عائدات الزراعة، على رأسها القيقر والرنك وجلهاك وملوط ووددكونة، يقول العاقب: إن مشاريع القطاع المروي بتلك المناطق نفذت على أيدي السودانيين، والتي وصلت لستة وثلاثين مشروعاً ممتدة من جودة إلى ملوط، وفي ذات الوقت كانت إنتاجيتها عالية للغاية من قطن وخضروات وذرة حتى نافست مشروع الجزيرة، وكان عدد مزارعي القطاع المروي أكثر من ستة آلاف، فضلاً عن الاهتمام بالمواشي كجزء مصاحب للزراعة، ويلفت مسؤول دائرة المزارعين بالمنطقة الانتباه إلى أن مشاريع القطاع المروي كانت غرب البحر لوحده ثمانية عشر مشروعاً، إلا أن قراراً صدر من حكومة المخلوع البشير تمت هيكلة تلك المشاريع وصارت تحت مسمى مؤسسة كوستي الرنك الزراعية.
القطاع المطري
يشير العاقب إلى أن عدد المزارعين في القطاع المطري قبل انفصال دولة الجنوب كانوا ثلاثة آلاف مزارع، وإن المساحة المزروعة كانت سبعة ملايين فدان، وكانت تزرع سمسماً وذرة وزهرة شمس وبعد مرور السنوات أنتجوا الصمغ العربي (الهشاب). وإن مزارعي القطاع المطري كانوا ينافسون رصفاءهم في ولاية القضارف، وأحرزوا المرتبة الثانية بعدها من حيث الإنتاجية.
زكريات ومواجع
يفرغ العم عبدالله العاقب هواءً ساخناً من جوفه؛ بعد أن ذرف دمعة ساخنة؛ قائلاً إن المزارعين السودانيين الذين كانوا بدولة جنوب السودان أمرهم عجيب وكانوا عبارة عن مستودع لتقديم خدمات المسؤولية الاجتماعية، وهذا ما تجسد في تأسيس المدن المذكورة وتشييد بناياتها التحتية من مدارس وداخليات ومستشفيات وعنابر ومحكمة القاضي المقيم في الرنك، بل ذهبت مساهمتهم لأبعد من ذلك؛ وشادوا كلية الزراعة بأعالي النيل من حر مالهم، كما ساهموا في إيجار داخليات بولاية الخرطوم للطلاب الجنوبيين من الذين كانوا يدرسون بالجامعات السودانية في ذلك الوقت، وتابع العاقب .. حتى وصل الأمر إلى كفالة الطلاب على غرار ما يجري حالياً بصندوق دعم الطلاب، ويواصل حديثه : ولإحساسنا بالمسؤولية كمزارعين قاتلنا مع وزارة التعليم العالي؛ والتي أعطت الجنوبيين فرصاً للقبول بالجامعات للولايات الأقل نمواً.
عمل دولة
ويميط مسؤول دائرة المزارعين اللثام عن مساهمة المزارعين السودانيين في دعم مشروع طريق الأسفلت القومي الممتد من الجبلين وحتى الرنك بمليار جنيه، وهو مبلغ ضخم في ذاك التاريخ، وإن المزارعين ساهموا في توصيل مياه وكهرباء الرنك وقاموا بحفر الحفائر في مسارات الرحل، وهو بدون أدنى شك مساهمة في أعمال الدولة.
يكشف العاقب النقاب عن أن جبايات الزكاة التي كانت تجمع من المزارعين السودانيين كانت ضخمة للغاية، والتي كانت تورد للمركز، لافتاً إلى أن الجعل الكبير الذي شيد به برج ديوان الزكاة الاتحادي المقام حالياً بضاحية جبرة بالخرطوم دفعه المزارعون السودانيون بالجنوب.
مأساة الانفصال
بعدها يدخل محدثي في حديث أبلغ ما يوصف بأنه دخل اللحم الحي؛ راسماً فيه صورة كالحة السواد لتبعات الانفصال، بدأ السيناريو بإيقاف المشاريع سالفة الذكر وعطرة الذكريات، حيث تم تجفيف القنوات وصار المزارعون مسافرين بغير زاد، وتعرضوا للمضايقات وقبضوا الريح بعد عقود عامرة بالعطاء والاستقرار، وكان الجزاء الطرد، واعتبرت مشاريعهم من نصيب المواطن المحلي هناك.
ظلم الحسن والحسين
الخريف على الأبواب؛ وحتى الآن فإن مصير المزارعين المهجرين والعائدين من دولة جنوب السودان يكتنفه الغموض وفي كف عفريت، ويرى ممثلهم أن هناك حاجة ماثلة لأذن صاغية لكى تخرجهم من دائرة الإحباط إلى الإنتاج، مراهناً على خبرتهم التراكمية، كيف لا وأنهم في يوم من الأيام حولوا الأرض البور البلقع إلى حقول دعمت الاقتصاد السوداني قبل الانفصال، ويجأر عبدالله العاقب بالشكوى من تجاهل بعض ولاة الولايات لقضيتهم مستشهداً بعبارة (لقد حفيت أقدامنا) وزاد خلال حديثه.. في عهد الإنقاذ ذهبنا لدار حزب المؤتمر الوطني المحلول ومالقينا ريق حلو واكتفوا بمقولة (انتوماكنتو معانا) مشيراً إلى مطالبتهم بحكومات الولايات لتوفير مساحات للزراعة المطرية وآليات بالاقساط المريحة وأنهم وجدوا استجابة من حكومة النيل الأزرق التي التزمت بتوفير ثلاثمائة مشروع للعائدين والمهجرين؛ نفذت منها ستون فقط …..ولظروف خاصة بالولاية لم يكتمل العدد، وإن والي الخرطوم وافق على تخصيص مئتي مشروع بستاني؛ إلا أنها مازالت قيد الإجراءات. واصفاً أوضاع المزارعين الحالية بأنها صعبة للغاية،
ويؤكد رئيس المنظمة السودانية للعائدين والمهجرين من دولة جنوب السودان مدني مهدي مدني إنهم يريدون الجلوس مع نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) مسؤول ملف الجنوب لإحاطته بمظالم ومعاناة ثلاثة ملايين مواطن تركوا الجمل بما حمل، وإن هناك ثمانية آلاف منزل مملوكة لهم ومتاجر وممتلكات ومستحقات تحتاج أن يعوض أصحابها، ولم ينكر مهدي الإنجازات التي تمت خلال عمله أبرزها فك حظر عدد من الأرقام الوطنية، بجانب موافقة والي الخرطوم على تخصيص ستة آلاف قطعة لهم، وعلى الرغم من ذلك يشكون عدم تجاوب الدولة، مشيراً إلى أن قضيتهم عادلة ويتعين على جهات الاختصاص بإمعان النظر فيها.
رسمياً.. السودان يدفع بشكوة لمجلس الأمن بشأن اعدام (7) جنود سودانيين وسيستدعي سفير إثيوبيا
رسمياً.. السودان يدفع بشكوة لمجلس الأمن بشأن اعدام (7) جنود سودانيين وسيستدعي سفير إثيوبيا
قالت الخارجية السودانية؛ إنها تُدين بأشد العبارات ما أقدم عليه الجيش الإثيوبي من جريمة نكراء تجافي مبادئ القانون الإنساني الدولي بقتله سبعة أسرى من الجنود السودانيين ومواطن مدني بعد اختطافهم من داخل الأراضي السودانية بتاريخ 22 يونيو 2022م، واقتيادهم إلى داخل الأراضي الإثيوبية وقتلهم والتمثيل بجثثهم على الملأ.
وأضافت في بيان لها: “وإذ تشجب وزارة الخارجية هذا السلوك غير الإنساني، تود أن تذكر بأن السودان يستضيف أكثر من مليوني مواطن إثيوبي ينعمون بمعاملة كريمة ويتقاسمون مع الشعب السوداني موارده ولقمة عيشه في كرم وتسامح”.
وأوضحت الخارجية أنها حفاظاً على سيادة بلادنا وكرامة مواطنيها، شرعت في تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة. كما تود وزارة الخارجية أن تذكر بأن حكومة السودان تحتفظ بكامل الحق الذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة في الدفاع عن أراضيه وكرامة إنسانه. وسيستدعي السودان سفيره لدى إثيوبيا فوراً للتشاور، كما سيتم اليوم استدعاء السفير الإثيوبي بالخرطوم لإبلاغه بشجب وإدانة السودان لهذا السلوك غير الإنساني.