مقال للكاتب البريطانى: “روبـرت فـيـسـك” ..لا تـخـلـط بين الـحـكـومـة و الـوطـن

 

مـفـهـوم الـحـكـومـة والـوطـن فـي الـعـالـم الـعـربـي!

روبـرت فـيـسـك أحد أشهر الصحفيين في العالم، وأحد الذين يعرفوننا جيِّداً، عاش في بلادنا ثلاثين عاماً وما زال يسكن في بيروت .. هو مراسل الأندبندنت البريطانية في الشرق الأوسط وهو من الصحفيين الغربيين القلائل، إذ يُعتبر مناهضاً لسياسة أمريكا وبلده بريطانيا في بلادنا

يقول روبـرت فـيـسـك: أتعلمون لماذا بيوت العرب/ (السودانيين) في غاية النَّظافة، بينما شوارعهم على النَّقيض من ذلك ؟!
السببُ انهم يشعرون بانهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا يشعرون أنَّهم يملكون أوطانهم!
هل فعلاً شوارعنا وسخة وعفنة لأنَّنا نشعر أنَّنا لا نملكُ أوطاننا؟!
إذاً ما السبب؟!

هذا يرجع إلى سببين:
الأوَّل : أنَّنا نخلطُ بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، فنعتبرهما واحداً، وهذه مصيبة بحدِّ ذاتها!
الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، ولا حكومة تبقى للأبد .. بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمَّ عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد.
لهذا من حقِّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقِّه أن يكره الوطن!
والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن هو أن نعتقد أنَّنا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن ..!!.. وكأنَّ الوطن للحكومة وليس لنا!
ما علاقة الحكومة بالشارع الذي أمشي فيه أنا وأنتَ، وبالجامعة التي يتعلم فيها إبني وإبنكَ، وبالمستشفى التي تتعالج فيها زوجتي وزوجتكَ، الأشياء ليست مِلك مَن يديرها وإنَّما مِلك مَن يستخدمها!
نحن في الحقيقة ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة، الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخرى لو كنَّا نحبُّ الوطن فعلاً!

الثَّاني: أنَّ ثقافة الملكيَّة العامًَّة معدومة عندنا، حتى لنبدو أنَّنا نعاني إنفصاماً ما .. فالذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي يوسِّخ المرحاض العام .. والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر إسمه على مقعد المدرسة والجامعة .. والأبُّ الذي يريد من إبنه أن يحافظ على النِّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بإنتظار دوره .. والأُمُّ التي لا ترضى أن تُفوِّت إبنتها محاضرة واحدة هي نفسها التي تهربُ من الدوام!
خلاصة القول:
الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أَم أبَينا، ومشاكلنا مع الحكومة لا يحلُّها تخريب الوطن .. إنَّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّ حكومته سيئة لا يستحقُّ حكومة أفضل!
ورُقيِّنا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا وإنَّما بنظافة الحديقة العامَّة بعد جلوسنا فيها!
لو تأمَّلنا حالنا لوجدنا أنَّنا أعداء أنفسنا، وأنَّه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن!

وصدق القائل : الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترماً، ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناسٍ محترمين لتكون نظيفة!

شارك في التعميم بقدر حبِّك للوطن .. ومهما كان حبُّك أو كرهك للحكومة!
المقال يمثل وضعنا في السودان بكل أسف فليتنا نرتقي درجات في حب الوطن.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...