الأسعار والأسواق.. حكاية ممارسات سالبة لم تحسم بالمعالجات..!
تفاقمت فوضى عمليات البيع بالأسواق، الأمر الذي نجم عنه انفلات في الأسعار بصورة مباشرة، مع الإشارة إلى غياب ملحوظ للجهات المختصة عن متابعة وضبط الأسعار بالأسواق، في الوقت الذي يعزو فيه مختصون وخبراء ذلك إلى انتهاج سياسة تحرير الأسعار مما دفع الدولة بالخروج من الأسواق، مع بروز انعدام (الرقابة) على الأسواق، كما تتباين أسعار السلع في الأسواق وتختلف كذلك من متجر إلى آخر محل في ذات الأسواق دون توضيح أسباب منطقية الشيء الذي آثار سخطاً كبيراً وسط المواطنين، يرى مختصون أن انتهاج الحكومة في السنوات الماضية لسياسة التحرير الاقتصادي أدى لتمكين فئة قليلة من التجار والنافذين والرأسمالية من السيطرة على مفاصل العمل التجاري، وتفشت الممارسات الاحتكارية في السلع الرئيسية مثل السكر والزيوت ومواد البناء ونسبة لا يستهان بها من قطاعات الاستيراد والتصدير.
وقبل نحو عام كانت وزارة التجارة والتموين، نظمت حملة قومية للرقابة على الأسواق لفرض هيبة الدولة والتي تتخذ كافة الوسائل لتحسين معاش الناس ومحاربة ظاهرة تصاعد الأسعار، وكان الهدف من الحملة ضبط أسعار السلع الاستهلاكية بوضع ديباجات على السلعة ومراجعة صلاحيتها، فضلاً عن السلع المهربة المعروضة للبيع في الأسواق والشوارع الرئيسية والأحياء ومحاربة جشع التجار بجانب توعية المواطن بحقه ليلجأ إلى الدولة متى ما شعر بأن هناك ممارسة غير مضبوطة بالسوق وتقديم شكوى، إلا أن مراقبين يرون أن الحملة لم تستطع إلزام التجار بأسعار محددة في ظل اقتصاد فوضوي غير منظم ولا توجد قاعدة بيانات عن أسعار السلع، كما أن تعدد أسعار الصرف يجعل من الصعب تحديد هامش ربح للتجار، وقالوا إن المشكلة تتطلب سياسات واضحة وثابتة يتعامل بها المستوردون دون أن تؤثر في الترحيل أو التخزين أو الرسوم التي تفرض عليه.
بورصة السلع
في وقت شدد فيه رئيس الجهاز القومي لحماية المستهلك الدكتور، نصر الدين شلقامي على ضرورة محاربة فوضى الأسعار في الأسواق، وأوضح في تصريح صحفي، أن هذا الانفلات الذي تشهده الأسواق نسبة إلى إلغاء قانون تحديد أسعار السلع الذي تم إلغاؤه في عام 1992، والذي حلت بموجبه صلاحيات وزارة التجارة وأصبحت تحت مسمى وزارة التجارة الخارجية حتى لا تكون لها صلة بما يتعلق بالداخلية، ودعا إلى إنشاء بورصة للسلع تحت إشراف التجارة وأن تعمل على محاربة سماسرة السوق.
صعوبات لوجستية
يقول مصدر بوزارة التجارة والتموين إن كثرة الوسطاء وفوضى التوزيع، أبرز أسباب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية في البلاد، وأكد وجود صعوبات لوجستية تعوق تدفق السلع بالشكل المطلوب من بينها انقطاعات الكهرباء ومشكلات النقل والتوزيع، معرباً عن أمله في نجاح البرامج التي تعول عليها الدولة لتخفيف أعباء المعيشة من بينها برنامج “سلعتي” الذي يركز على توصيل عدد من السلع الأساسية من المنتج إلى المستهلك مباشرة دون المرور بسلاسل الوسطاء الكثيرة، التي تتسبب في ارتفاع الأسعار وإرباك الأسواق، وأسواق البيع المخفض التي بدأتها الحكومة مع عدد من المنتجين في البلاد.
تكثيف الرقابة
يقول الخبير الاقتصادي بابكر إسماعيل، إنه رغم تحجج الكثيرين بأن الحملات الرقابية تحتاج لتكاليف باهظة من وسائل نقل وكادر بشري مؤهل لتتمكن الوزارة من تغطية مئات الأسواق، وآلاف المتاجر، التي تتوزع على الأسواق والمحليات، إلا أنه يرى أن المسؤولية لا تعفي القائمين على الأمر ما دام ارتضوا ذلك التكليف وإلا فليغادر من لا يستطيع تحمل الأمانة والمسؤولية غير مأسوفٍ عليه، وأضاف: إن حسم هذه الفوضى رهين بتكثيف الرقابة على الأسواق وإلزام المحال التجارية بوضع ديباجة على السلع تحدد السعر، والتوسع في إنشاء مراكز البيع المخفض وتنشيط التعاونيات في الأحياء ومواقع العمل لتوفير السلع الاستهلاكية للمواطنين بسعر التصنيع، مع تكفل الحكومة بمنصرفات الترحيل والتكاليف التشغيلية لهذه المواقع وإعفاؤها من الرسوم والجبايات لضمان وصول السلع للمستهلكين بأقل الأسعار.
الأثر السلبي
ولكن الخبير الاقتصادي محمود الزين يرى أن فوضى الأسعار تفاقمت بعد الزيادة العشوائية للأجور التي حدثت العام 2020، وطالب باتخاذ خطوات أخرى مصاحبة لتخفيف الأثر السلبي المتمثل في قلة الدخل وانعدامه وسط بعض الفئات بعد توقف الدعم النقدي بسبب الإجراءات التي حدثت في أكتوبر من العام الماضي وأضاف: الحكومة مدعوة أيضاً للقيام بدور فاعل في مراقبة وضبط الأسواق، وحسم الفوضى في التلاعب بالتسعيرة وتخزين السلع واحتكارها، لأن القضاء على ظاهرة الوسطاء ستؤدي لنتائج حاسمة في استقرار أسعار السلع، وزاد قائلاً: الضرورة تدعو الدولة إلى التدخل لوقف الممارسات السالبة التي تضر بالاقتصاد القومي، ومنها فرض تجار السلع لأسعار وفق أمزجتهم ورفع الأسعار بدون مبرر وانتشار ممارسات المضاربات وتجارة العملات، ولكن معالجة هذه الاختلالات يستحسن أن تتم وفق عوامل اقتصادية وليس قسرية.
سياسات سريعة
ويرى الزين أن الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة سابقاً ولم تجرِ أي معالجات له، “سياسة التحرير الاقتصادي” وترك القارب على القطاع الخاص الذي فشل في توفير نقد أجنبي للبلاد وعجز عن إحلال الواردات وزيادة الصادرات فضلاً عن أن الاستثمارات الخارجية لم تعد على البلاد بالفائدة المرجوة، ولفت إلى أنه أمام الحكومة إجراء سياسات سريعة وعاجلة للسيطرة على الوضع الحالي عبر وقف الاستيراد وتقليل استخدامات الدولار مع تأمين البنوك جزئياً بنسبة لا تقل عن 50%، وقال: الحكومة فشلت في إدارة دفة الاقتصاد بعد أن جاءتها الفرصة “جائحة كورونا” لمعرفة كيفية إدارة وتحريك السلع من مناطق الإنتاج إلى الاستهلاك، فالمطلوب هو ترك إدارة الاقتصاد إلى من يهمهم الأمر.