مصطفى ابوالعزائم يكتب: يصدر بأمر رئيس مجلس الوزراء …
بُعْدٌ .. و .. مسَافَة
لم أهنأ في الفترة الأخيرة بمادة منشورة أرضت رغبتي وفضولي في المعرفة والاستزادة منها مثلما فعلت ذلك مادة صحفية بحثية وتقريرية أعدها الأستاذ “محمد عبد الرازق المبارك” (عبد الغفار) عضو جهاز الأمن القومي في الفترة الممتدة من أغسطس 1969م ، وحتى نوفمبر 1972م ، أوائل سنوات الحكم المايوي ، وقد تم نشر المادة المشار إليها تحت عنوان : “تاريخ منصب الوزير بالسودان” بمجلة “الأمانة” التي كانت تصدرها الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، في السنوات الماضية والتي كانت تحفل بالعديد من الموضوعات والمتابعات القيمة ، وقد أراجع بعض أوراقي ومقتنياتي البحثية القديمة ، فوجدت ذلك العدد من المجلة التي كان يرعاها آنذاك صديقنا الأمير “أحمد سعد عمر” ويرأس مجلس إداراتها وزير الدولة بالمجلس ، في ذلك الوقت ، الأستاذ “جمال محمود إبراهيم” وكان يتولى أمر الإدارة فيها الدكتور “عمر محمد صالح” وينوب عنه الأستاذ “عثمان حسين عثمان” ويرأس تحريرها زميلنا الصحفي المخضرم الأستاذ “أحمد حمد الترابي” الذي أهداني مشكوراً نسخة من ذلك العدد القيم حال صدوره ، وكان ذلك على ما أذكر منتصف العام 2017 م .
نعود لموضوع الأستاذ “محمد عبد الرزاق المبارك” (عبد الغفار) _ رحمه الله رحمة واسعة وعفا عنه وغفر له واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا _ وهو رجلٌ أعرفه جيداً وقد تمتنت علاقتي به وقويت عن طريق أحد أشقائي العميد شرطة م “محمد أبو العزائم” خاصة بعد أن عرفت بإهتمامات الرجل الخاصة بالبحث والتوثيق ، وهو من رجال الأمن الأكفاء الذين يتمتعون بذاكرة حديدية ، وقدرة عالية على التحليل المنطقي والدقيق للأحداث ، وكثيراً ما طلبت إليه أن سجل ما لديه من معلومات في الورق تمهيداً لنشرها في كتاب ، وقد وعد بذلك دون أن تسمح له ظروفه الخاصة بتنفيذ الإتفاق .
ما تم نشره بقلم الراحل الأستاذ “محمد عبد الرزاق المبارك” (عبد الغفار) عن تاريخ منصب الوزير في السودان يبين مدى ما بذله الرجل _ رحمه الله _ من جهد وهو من القلائل الذين يتمتعون بالدأب والصبر والدقة ؛ وكان قد بدأ مقاله القيم بأن السودان عرف منصب الوزير بموجب مرسوم الحاكم العام في الخامس عشر من ديسمبر عام 1948م ، تعيين الأميرالاي “عبد الله بك خليل عوض” وزيراً للزراعة، بعد أن كان قد تقاعد برتبة الأميرالاي – عميد – إضافة إلى شغله لمنصب زعيم الجمعية التشريعية ، ثم جاء تعيين الدكتور الطبيب “علي بابكر بدري” وزيراً للصحة وهو ابن الأستاذ الشيخ “بابكر بدري” وقد عمل معلماً قبل أن يلتحق بالمدرسة الطبية ضمن أول دفعة وتخرج في معيته سبعة من زملائه كانوا نواة الأطباء السودانيين ، كما تم تعيين المعلم الأستاذ “عبد الرحمن علي طه” وزيراً للمعارف ، بعد أن كان يشغل منصب نائب مدير مصلحة المعارف كأول سوداني يتولى المنصب ، وقد عمل قبلها معلماً بكلية غردون التذكارية ، وكانت التقارير المصلحية قد ذكرت أن مستوى تأهيله أعلى من المستوى المطلوب ، لذا لم يتم إبتعاثه إلى بيروت .. ثم كان أن تم تعيين السيد “محمد أحمد أبو سن” وزيراً بلا أعباء في مطلع الخمسينيات منتصف أكتوبر 1952م ، ثم حل الجمعية التشريعية بعد أن تم تمديد أجلها مرتين ، الأول لمدة ستة أشهر والثاني لأربعة ، ولكن على الرغم من حل الجمعية التشريعية لم يتأثر بذلك الحل الوزراء حتى إعلان اتفاقية تقرير المصير من خلال فترة انتقالية ، وتكوين لجنة الحاكم العام التي تبدأ بإكمال مؤسسات الحكم الذاتي ، وهي مجلس النواب المكون من (79) عضواً خمسة منهم للخريجين وفق منافسة منفصلة ، على أن يتم تمثيل البقية من خلال التنافس على الدوائر الجغرافية بكل السودان .. ثم مجلس الشيوخ المكون من (50) عضواً يتم إنتخابهم من مديريات السودان التسع مع إعتماد نسبة السكان لكل مديرية لتحديد عدد الدوائر ، وحدّدت المراسيم كيفية إنتخاب رئيس مجلس الوزراء داخل مجلس النواب ، بحيث يرفع الأمر إلى الحاكم العام ليصدر أمراً بتعيين من تم إنتخابه رئيساً للوزراء ، وليس من حق الحاكم العام الإعتراض على من تم انتخابه .
البحث أو الدراسة عن تاريخ منصب الوزير بالسودان تضمنت معلومات جيدة ومفيدة لدارسي العلوم السياسية والتاريخ وتطور أنظمة الحكم ونهضة المجتمع ، ومثلما ذكرنا فإن المادة المنشودة يستشف منها القارئ كمية الجهد المبذول في جمعها وتمحيصها ، وهو الأمر الذي يستحق أن نشيد به وبمعد المادة وكاتبها رحمة الله عليه ، ويجعلنا نطالب بصدور قرار من جهة الإختصاص أو القائم بمهام رئيس مجلس الوزراء ، يقضي بإحالة هذه المادة للجنة المناط بها وضع مقررات مادة تاريخ السودان حتى يتم تضمينها فيه ضمن ثورة الإصلاح التي نريد لها أن تنظم البلاد .. فهل يمكن أن يحدث ذلك؟ نقول إنه ممكن.. وهو مأمول ومنتظر .