الحرب الروسية الاوكرانية.. ما خطة بوتين بعد السيطرة على لوهانسك؟
مرة أخرى تتقدم روسيا وبطبيعة الحال تتراجع أوكرانيا. وكما يرى حاكم مقاطعة لوهانسك، سيرهي هايداي فقد تم تجنب المعركة الشرسة طويلة الأمد التي كانت متوقعة في ليسيتشانسك، عن طريق الانسحاب التكتيكي.
وقد أخبرني هايداي بأن: “روسيا لها اليد العليا من حيث المدفعية والذخيرة، وبالتالي كانت ستدمر المدينة عن بعد وبسهولة، لذلك لم يكن من طائل من البقاء هناك”.
يبدو أن هذا يتوافق مع الروايات الروسية عن الاستيلاء على المدينة، كما يبدو أن القوات الروسية تتقدم دون مقاومة تذكر. وقد أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الأحد مقاتلين شيشان يرقصون وسط المدينة.
إذا ربما من الطبيعي أن يحتفلوا، فالاستيلاء على ليسيتشانسك يعني أن روسيا قد أحكمت قبضتها على مقاطعة لوهانسك بأكملها، وهو هدف استراتيجي رئيسي لغزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
فماذا يعني ذلك بالنسبة لمعركة دونباس، وما الذي يعنيه أيضا بالنسبة للحرب على نطاق أوسع؟
لنبدأ من المنظور الأوكراني، بالنسبة للأوكرانيين كان اهتمامهم منصب على تجنب التطويق على غرار ما حدث في ماريوبول، فعلى الرغم من أن دفاعهم عن المدينة الساحلية الجنوبية أدى إلى إبطاء التقدم الروسي لعدة أسابيع، فإن النتيجة النهائية كانت قتل وأسر الآلاف من عناصر أقوى الوحدات في الجيش الأوكراني.
وبطبيعة الحال أرادت أوكرانيا تجنب تكرار هذا السيناريو بأي ثمن.
في خطابه الليلي صرح الرئيس زيلينسكي بذلك وقال متوجها للأمة: “سنعيد بناء الجدران، وسنستعيد الأرض، لكن يجب إنقاذ الأرواح قبل أي شيء”.
أشار سيرهي هايدي إلى نفس النقطة بالضبط، حيث قال لي: “تراجعت قواتنا إلى مواقع أكثر تحصينا … لقد صمدنا في الدفاع عن لوهانسك لمدة خمسة أشهر، ولكن في نفس الوقت كنا نبني تحصينات جديدة في منطقة دونيتسك”.
بعد ساعات قليلة من سقوط ليسيتشانسك، ذهب المستشار الرئاسي أوليكسي أريستوفيتش إلى حد وصف الدفاع عن ليسيتشانسك وسيفيرودونتسك بأنه “عملية عسكرية ناجحة”.
بالنظر إلى أن العلم الروسي يرفرف الآن فوق كلتا المدينتين، قد يبدو هذا المنطق ساذجا أو ملتبسا بعض الشيء، لكن من وجهة نظره المستشار العسكري فإن الأوكرانيين يلعبون على المدى الطويل، ويكسبون وقتا ثمينا.
لفهم هذا المنطق، عليك أن تفهم أهمية الأسلحة الغربية لمقاومة أوكرانيا. إذ أنه وباختصار، من دون إمدادات الناتو، سيكون الأوكرانيون في مأزق أكبر مما هو الحال عليه الآن.
أوكرانيا ترفض أي وقف لإطلاق النار يشمل التنازل عن أراضيها لصالح روسيا
وكلما طالت مدة تأخيرهم للتقدم الروسي، زادت إمكانية حصولهم على أنظمة الصواريخ والمدفعية المتقدمة التي يمكنهم استخدامها في القتال. يقال إن نظام HIMARS الذي قدمته الولايات المتحدة، والذي يستخدمه الأوكرانيون بالفعل، يغير بشكل جذري موازين الصراع. وبصيغة أخرى، المزيد من الوقت يعني المزيد من الإمدادات، وهو ما يؤدي بدوره إلى ترجيح كفة الميزان لصالح أوكرانيا، لا سيما بالنظر إلى أن العقوبات تجعل من الصعوبة بمكان استبدال روسيا لأسلحتها وذخائرها المستهلكة.
أما إذا ناقشنا الموضوع من وجهة النظر الروسية، فمن الواضح أن هدفهم المعلن هو الاستيلاء على دونباس أو كما يقولون “تحرير” دونباس، ولا شك أن السيطرة على لوهانسك تجعلهم أقرب لتحقيق هذا الهدف.
في الواقع فإن الرئيس الروسي سلط الضوء على أهمية السيطرة على المنطقة، عندما أطلق على قادة الهجوم وسام “أبطال روسيا”، وهو الأرفع في البلاد.
خريطة توضح المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية والأوكرانية
لكن ماذا بعد ذلك؟ يبدو من شبه المؤكد أن موسكو ستدفع باتجاه المحاولة للاستيلاء على بقية دونباس، وخاصة مدينتي سلوفيانسك وكراماتورسك – وكلاهما تعرضتا للقصف في الأيام الأخيرة. يقال إن لسلوفيانسك أهمية خاصة بالنسبة للانفصاليين الموالين لموسكو، لكونها موقع الحراك الأول في عام 2014.
أما بالنسبة لما هو أبعد من ذلك، فإن الاستراتيجية الروسية الأوسع ليست واضحة، إذ أن ذلك يعتمد على حالة قواتهم في حال تمكنوا من السيطرة على دونباس.
وقد اعترف الرئيس فلاديمير بوتين ضمنيا بالأمر، قائلا: “إن الوحدات التي شاركت في الأعمال العسكرية وحققت نجاحا وانتصارا في لوهانسك يجب أن تستريح وتزيد من قدراتها القتالية”.
أي إذا نجحت القوات الروسية في السيطرة على دونباس، فيمكنها مواصلة القتال للاستيلاء على جنوب أوكرانيا بأكمله، وربما حتى تضمين مدينة دنيبرو الرئيسية أو حتى الوصول إلى أبعد من ذلك.
لكن من جهة أخرى إذا كانت القوات الروسية مرهقة كما توقع العديد من المحللين، وكما ألمح بوتين، فمن الممكن أن تعلن موسكو نهاية “العملية العسكرية الخاصة”، وهي عبارة ملطفة تستخدمها روسيا في تسمية هذه الحرب الشاملة.
قد يأمل الروس في أن يؤدي وقف إطلاق النار من جانب واحد إلى تقليل الدعم الدولي لأوكرانيا، مع دفع البعض، على الأرجح فرنسا وألمانيا، باتجاه إحلال السلام.
لا شك في أن أوكرانيا ستواصل القتال، ولكن بدون تدفق مستمر للأسلحة، يمكن أن يصبح خط المواجهة صراعا مجمّدا، كما حدث بين عامي 2014 و 2022. .
في الوقت الحالي، لا شيء من هذا مؤكد، حيث يدعي كلا الجانبين أن لهما اليد العليا. في الواقع، من الجدير بالذكر أنه بينما كانت أوكرانيا في حالة تأهب في دونباس، إلا أنها حققت نجاحات مؤخرا، أبرزها استعادة جزيرة الأفعى، حيث تم رفع العلم الأوكراني مرة أخرى هناك.
الشيء الوحيد الذي يمكننا التأكد منه أن هذه الحرب لن تنتهي في أي وقت قريب، حيث يبدو أن سكان منطقة دونيتسك سيكونون التالين في تحمّل ويلات وعواقب هذه الحرب.
وتسببت حرب روسيا على أوكرانيا في معاناة شديدة للمدنيين.
وتعليقًا على الأوضاع بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، دانت المفوّضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الحرب في أوكرانيا.
حيث طالبت الأمم المتحدة بوضع حد لمعاناة “لا تحتمل” يقاسيها المدنيون.
كما دعت ميشيل باشليه في آخر خطاب حضوري لها في مجلس حقوق الإنسان إلى وضع حدّ على الفور للأعمال العدائية وإنصاف ضحايا الحرب.
وقالت مع دخول الأعمال العدائية شهرها الخامس، يتواصل ارتفاع الحصيلة التي لا تحتمل للنزاع في أوكرانيا.
وجاءت تصريحات باشليه خلال تقديمها تقريرًا حول الأوضاع الإنسانية في أوكرانيا خلال الهجوم الروسي من 24 فبراير وحتى 15 مايو.
وذكرت المفوضة بأن الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين ومدى الدمار الذي لحق بالبنية التحتية المدنية لا يزالان يثيران مخاوف كبيرة.
وكان تم العثور في 15 مايو على جثث 1200 مدني في منطقة كييف حصرا، ويعمل مكتب باشليه على التحقق من أكثر من 300 عملية قتل يشتبه بأن القوات الروسية ارتكبتها في أوضاع غير مرتبطة بالقتال الفعلي، حسب باشليه.
من ناحية ثانية ذكر سيرهي جايداي الحاكم الإقليمي لمنطقة لوغانسك الأوكرانية، إن القوات الروسية تخوض قتالاً عنيفاً وتزحف صوب منطقة دونيتسك، بعد سيطرتها على آخر بلدتين في لوغانسك المجاورة.
وقال جايداي إن القوات الروسية تكبدت خسائر فادحة خلال العملية الطويلة للسيطرة على مدينتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك، لكنها توجّه جهودها نحو التحرك جنوباً.
وأضاف للتلفزيون الأوكراني: “القتال العنيف مستمر على أطراف منطقة لوغانسك، أُعيد توجيه جميع قوات الجيش الروسي وقوات الاحتياط إلى هناك، إنهم يتكبدون خسائر فادحة”.
وأفاد جايداي بأن ما يصل إلى 15 ألف شخص لا يزالوا في ليسيتشانسك، موقع مصفاة لتكرير النفط، مضيفاً أن القوات الروسية تقوم بعمليات انتقامية بحق السكان الموالين لأوكرانيا.
ومساء الثلاثاء قال مسؤول أمريكي كبير إن أمن الغذاء والطاقة سيكون بين أبرز الموضوعات في اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في بالي هذا الأسبوع، وإنه ينبغي لأعضاء المجموعة أن يصرّوا على أن تدعم روسيا جهود الأمم المتحدة لإعادة فتح الطرق البحرية التي أغلقتها الحرب في أوكرانيا.
وأبلغ رامين تولوي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الاقتصادية والتجارية، الصحفيين أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن سيثير مسألة أمن الطاقة في الجلسة الرئيسية لوزراء مجموعة العشرين يوم الجمعة وفي اجتماعات ثنائية في بالي.
وقال: “ينبغي لدول مجموعة العشرين أن تحاسب روسيا وأن تصر على أن تدعم جهود الأمم المتحدة الجارية لإعادة فتح الطرق البحرية لتسليم الحبوب”، مضيفاً: “سواء حدث ذلك على مستوى مجموعة العشرين أو على مستوى الدول المنفردة في المجموعة، فهذه نقطة مهمة سيطرحها الوزير بلينكن”.
وقال كبير الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون شرق آسيا دانيال كريتنبرينك، إنه يتوقع تبادل آراء “صريحة” بشأن أوكرانيا، عندما يلتقي بلينكن وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش مجموعة العشرين.
وأضاف: “ستكون هذه فرصة أخرى للتعبير عن توقعاتنا بشأن ما نتوقع أن تفعله الصين وما لا تفعله فيما يتعلق بأوكرانيا”.
وفي وقت سابق الثلاثاء أدانت المفوّضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان ميشيل باشليه، الحرب التي تشنّها روسيا على أوكرانيا، مطالبة بوضع حد فوري لمعاناة “لا تُحتمل” يقاسيها المدنيون، وإنصاف ضحايا الحرب.
وقالت: “مع دخول الأعمال العدائية شهرها الخامس، يتواصل ارتفاع الحصيلة التي لا تحتمل للنزاع في أوكرانيا”.
وأضافت: “باسم كلّ ضحايا هذه الحرب التي لا معنى لها يجب أن تتوقف أعمال القتل والتعذيب والاعتقالات التعسّفية”.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، فتح ممريْن إنسانيَّيْن للسفن في بحر آزوف من ميناء ماريوبول الأوكراني، على مدار الساعة.
وقالت الوزارة في بيان: “هُيّئت الظروف اللازمة لتشغيل ممريْن بحرييْن إنسانييْن آمنيْن لحركة السفن في بحر آزوف على مدار الساعة للخروج من ميناء ماريوبول بطول 115 ميلاً وعرض ميليْن باتجاه البحر الأسود”.
وأضافت أن ممراً آخر يبلغ طوله 139 ميلاً وعرضه 3 أميال فُتح في البحر الأسود، وفق قناة روسيا اليوم.
يذكر أن كثيراً من بلدان العالم تعاني من أزمة حبوب نتيجة عدم تمكن سفن الشحن من مغادرة المواني الأوكرانية، بسبب الحرب الدائرة بين موسكو وكييف منذ 24 فبراير/شباط الماضي.
وفي مايو /أيار الماضي أعلن الجيش الروسي سيطرة قواته بالكامل على مدينة ماريوبول ومينائها الاستراتيجي المطلّ على البحر الأسود في أوكرانيا، بعد نحو 3 أشهر من الحصار واستسلام جميع الجنود والمسلحين الذين كانوا محاصرين في مصنع آزوفستال.
وفي 24 فبراير الماضي، شنت روسيا هجوماً على أوكرانيا تبعه رفض دولي وعقوبات على موسكو، التي تشترط تخلي كييف عن خطط الانضمام إلى كيانات عسكرية، ما تعدّه الأخيرة تدخلاً في سيادتها.