عقبات وتحديات التحول الديموقراطي في السودان

حينما اندلعت ثورة ديسمبر في العام 2018م، رافعة شعارات “حرية سلام عدالة”، كانت ترمي إلى تحقيق تحوُّل ديموقراطي في السودان بعد حكم عسكري على مر الحقب استمر أكثر من (60) عاماً، حيث حالت تلك الحكومات العسكرية دون قيام حكومة مدنية في السودان وحرمته من التداول السلمي للسلطة.

غير أن الثورة العارمة التي نجحت في الإطاحة بالنظام العسكري للرئيس المعزول عمر حسن أحمد البشير، الذي حكم (30) عاماً، وخلَّفت مئات القتلى وآلاف الجرحى من شباب السودان اصطدمت بعوائق كثيرة وعقبات ضخمة حيث عجزت عن التحوُّل الديموقراطي المنشود.

التحوُّل من حكم عسكري إلى حكم مدني يمثِّل غاية ما يطلبه شباب الثورة في الشوارع والميادين صباح ومساء. إن مصطلح مدنية الذي طرحه ثوار المواكب والمليونيات منذ بداية الثورة واستمر إلى ما بعد إجراءات قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في العام 2021م، يشير إلى مطلب واحد هو الحكم المدني.

لقد أثبت الشباب شجاعة فائقة وهم يقابلون الرصاص بصدور عارية في سبيل تحقيق حلم التحوُّل المدني واصلوا في مسعاهم رغم العنف المفرط الذي قوبلوا به ولم يستكينوا.

فيا ترى ماهي الأسباب التي أعاقت التحوُّل المدني في السودان رغم تضحيات شباب السودان ورغم مساعي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وعدد كبير من المبادرات الوطنية عقب إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر 2011م، ..وهل يستطيع السودانيين الوصول إليه؟

الاختراق اللواء الدكتور أمين إسماعيل مجذوب، خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز الدراسات القومية الخرطوم قال لـ(الصيحة):

إن التحوُّل الديموقرطي أو الانتقال للحكم المدني بديلاً عن الحكم العسكري الذي استمر زهاء ستين عاماً، من تاريخ السودان بعد الاستقلال تواجهه تحديات، كما حالت أسباب دون تحقيقه إلى أرض الواقع،

وقال: من أولها اختراق الأحزاب السياسية للقوات المسلحة مثلما حدث في عام 58 حينما سلَّم حزب الأمة السلطة للقائد العام للجيش إبراهيم عبود، ثم جاءت المرة الثانية بعد طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان وقيام الحزب الشيوعي بتحريك كوادره وخلاياه فكان انقلاب نميري 1969م.

أما المرحلة الثالثة فكانت في انقلاب 89 بعد مذكرة القوات المسلحة وخروج الجبهة الإسلامية من الحكم، فحرَّكت خلاياها وتم تنفيذ انقلاب 89 هذه هي الإشكالية الكبرى والتي تتجسَّد في اختراق للقوات المسلحة واللجوء لأسهل الطرق في الاستيلاء على السلطة عبر الانقلابات العسكرية.

وأشار دكتور أمين إلى عدم جاهزية الأحزاب نفسها ويظهر ذلك في الزعامة الروحية التي لا تتغيَّر وتستمر إلى الممات، إضافة إلى افتقارها للبرامج المقنعة التي تجذب الناخبين وينصب همها في كيفية الوصول إلى الحكم، وعدم انفتاحها على الجماهير وقواعدها من الشباب والمرأة وعدم إقامة الندوات والبرامج التدريبية، حيث لا يوجد أي اتصال بينها وقواعدها وتلجأ إليهم فقط أيام الانتخابات.

وقال إن الأحزاب الضعيفة في نفسها أدت إلى وجود بيئة سياسية ضعيفة هذه البيئة الضعيفة أدت إلى وجود مصالح لتلك الأحزاب بسبب أن أنظمة الحكم العسكري الطويلة استقطبت الأحزاب وأدت إلى تقسيمها وتشظيها والآن يوجد نحو (127) حزباً سياسياً مسجلاً، منها (90%) أحزاب الرجل الواحد شخص واحد عنده ختم وورق مروَّس، وزاد قائلاً:

واحدة من المشاكل التي تهدِّد الانتقال السياسي اتصال القوى السياسية بالخارج وارتهان أجندتها للخارج وتلقي الدعم من الخارج ما يضعف من توليها الحكم وحدوث انقلاب عسكري.

وقال: أيضاً هنالك دول إقليمية لا تريد تجربة ديموقراطية ناجحة في السودان لخشيتها من التأثر بها، كما توجد أنظمة تسعى لأن يكون السودان متوتراً حتى لا يستفيد من موارده وتظل مؤجلة ولهذا لا تريد نظاماً ديموقراطياً سليماً يستفيد من تلك الموارد الضخمة التي يتمتع بها السودان.

وأشار إلى تفشي الجهل، وقال: إن القبائل لا ترغب في النظام الديموقراطي لأنها تريد نظاماً شمولياً مستمراً ليحقق لها مكاسب خاصة لا تجدها في الأنظمة المدنية.

ليختم بقوله: الآن نحن في مرحلة تحدٍ جاءت ثورة ديسمبر وهنالك قبول، لكن حدثت تجاذبات وصراعات فحدثت إجراءات 25 أكتوبر 2021م، والآن جاءت الفرصة بابتعاد القوات المسلحة من عملية الحوار الجاري، والتحدي الآن أمام القوى السياسية رغم تشتتها ورغم عثراتها لاغتنام الفرصة وهي فرصة تاريخية وإذا فشلت سيفشل حلم التحوُّل الديموقراطي نهائياً في السودان. الرغبة من جانبه أشار المتابع السياسي عمار سيد أحمد، إلى عدم وجود رغبة أكيدة في تحوُّل ديموقراطي من الأحزاب السياسية والمكوِّنات الحديثة التي تنجرف ولا تعرف معنى الثورة والديموقراطية، وأضاف قائلاً لـ(الصيحة): إن التحوُّل الديموقراطي قانون مكتوب متواثق عليه وليس تشكيل حكومة، أي دستور يحكم البلاد ويراقب الساسة.

وقال: منذ أول انقلاب لم نتحوَّل ديموقراطياً لعدم وجود دستور ديموقراطي دائم وكلها مؤقتة يتم خرقها بسهولة بمغامرة سياسية، إضافة إلى افتقار الساسة الجدد للخبرات وعدم النضوج يخلقان تشاكساً يعيق التحوُّل الديموقراطي.

ذات الأخطاء فيما يقول الدكتور الخبير القانوني كمال محمد الأمين لـ(الصيحة): نحو التحوُّل الديمقراطي في السودان سالت دماء وذرفت دموع – في كل مرة تتكرَّر ذات الأخطاء بالكربون- حالنا كحال محكوم عليه بالإعدام سألته الصحافة عن رأيه في الحكم الصادرة ضده بالإعدام فقال:(هذا درس سأتعلمه) ولو أن الصحافة تدرك أي درس سيتعلمه الرجل وفيما ستنفعه التجربة وجسده مسجي تحت الرمال.

ويضيف: في واقع الأمر معظم تجارب التحوُّل الديموقراطي في السودان تنتهي بسبب اشتعال حرب المزايدات والشعارات والبيانات والتحالفات، وكأن الثورة السودانية وقف خيري للبعض يتداعى له كلما سنحت الفرصة لامتلاكه . وأوضح: كل ما تحدث ثورة في السودان تشتد النقاشات والقضايا ويظهر أصحاب الأجندة لسرقة الثورة.

ذكرني ذلك طرفة على عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق (نيكسون) اجتمعت إدارته لساعات طويلة لمناقشة قضايا التعليم – بعد الاجتماع خرج الجميع راضين، فسأل الصحفيون عما توصل إليه المجتمعون من حلول لمشاكل التعليم. هنا أجاب المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض قائلاً :(اتفقنا على تصعيد الغارات على فيتنام الشمالية).

ليقول: الآن وبعد أكثر من ثمانين مبادرة قدَّمتها القوى السياسية في السودان فحال السودان لا يختلف تماماً عن إدارة نيكسون – حيث لا توجد كلمة واحدة عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها السودان .

إذا أردتم الحل بعد الآن اتركوا الأمر للخبراء والعلماء ليمهِّدوا الطريق للسياسيين للحكم.

تحديات وعقبات وكشف الأستاذ الجامعي بجامعة النيلين والخبير السياسي مصعب محمد علي، أبرز التحديات التي تقف عقبة أمام التحوُّل الديموقراطي في السودان قائلاً: من الممكن أن يكون بعضها متعلقاً بملف العدالة الانتقالية،لأن عدم حسم هذا الملف يمكن أن يشكل عائقاً أمام التحوُّل الديموقراطي.

بالإضافة إلى ملف السلام وإيقاف النزاعات في المناطق المتأثرة، وحتى الآن لم توقع الحركات المتبقية على اتفاق سلام ينهي الصراع.

وزاد بقوله: يمكن القول إن الجيوش المتعدِّدة هي إحدى تحديات التحوُّل الديموقراطي في السودان فبدون اندماج القوات تحت منظومة واحدة لن يكون هناك انتقال ديموقراطي، بل أن العملية الديموقراطية مستقبلاً قد تكون مهدَّدة.

ليختم قوله: إضافة لهذه التحديات فإن بروز القبلية والجهوية تعد تحدياً في حال استمرت صراعاتها فيما بينها. الدولة العميقة وقالت ستنا محمود مقرَّر أمانة المرأة في الجبهة الثورية وعضو حزب البجا المعارض لـ (الصيحة): إن العقبات التي تعترض التحوُّل الديموقراطي في السودان كثيرة من أهمها الدولة العميقة التي لازالت تقف حجر عثرة أمام التحوُّل المدني، إضافة إلى عدم اتفاق القوى السياسية على برنامج واحد للانتقال وتشاسكها، كما يحدث -حالياً- ما بين الحرية والتغيير المجلس المركزي وبين الحرية والتغيير الميثاق الوطني، وقالت: إن هنالك سبباً جوهرياً أعاق الانتقال في السودان تمثل في المهام المتعدِّدة للفترة الانتقالية، حيث تم تحميلها أكثر مما يجب، وعلقت قائلة: حمَّلنا الانتقال أكثر مما يجب، وذكرت أن وجود المؤسسة العسكرية داخل الوثيقة الدستورية شريكاً في الحكم كان من أكبر الأخطاء، لأن المؤسسة العسكرية ليس لها رغبة في الانتقال. ورهنت ستنا العبور بالوصول إلى اتفاق على الحد الأدنى، وقالت: بدون ذلك فلا يمكن للسودانيين أن يحلموا بتحوُّل ديموقراطي . تكوين ديموقراطي ولكن! فيما يرى عبد الله آدم خاطر، المحلِّل السياسي المعروف أن طبيعة الشعب السوداني منذ تكوينه الأساسي في السلطنات والمالك هو تكوين ديموقراطي وكانت تلك الممالك تحكم على أساس الرضا بين المواطنين تحفظ حقوقهم بعدالة وتعطيهم الحق في التعبير، وأضاف بقوله: في تلك السلطنات لم تحدث ثورة ضد السلطة المركزية فحكمت سلطنة الفور أكثر من (500) سنة، على الرغم من أن السلطة كانت سلطة (قاعدة على السهلة) وأضاف بقوله: لذلك الموروث السياسي الديموقراطي كان مع الديموقراطية وكانت شعار السودانيين بيت الشورى ما خرَّب شعار ديموقراطي، لكن أول ما الدولة تحوَّلت إلى واقع مركزي وبدأت بالقمع واستغلال الموارد وقهر المواطنين قامت الثورة المهدية ضد الأتراك وضد الاستعمار البريطاني لغاية حرق العلم البريطاني سنة 1952م، ليقول: القهر المركزي كان السبب في الثورات ضد الدولة في السودان.

وحول العقبات التي تعترض التحوُّل المدني في السودان قال خاطر: إن الحكم اللامركزي يحتاج قيادة واعية، لأن الوضع في السودان يحتاج إلى قادة أفقهم واسع عندهم الشجاعة بقيمة اللامركزية والمدنية، مبيِّناً أن المشاكل التي حصلت في الدمازين كانت تلبية لاحتياجات المواطنين وخصوصيتهم في إطار الدولة اللامركزية.

وأضاف: من العقبات -أيضاً- مشكلات تتعلق بإنهاء حالة الشمولية آخرها لجنة تفكيك النظام، وكان من المفترض أن يكون التفكيك تفكيكاً سياسياً قانونياً اجتماعياً وتفكيكاً إعلامياً وتفكيكاً إنسانياً وليس كما كان تفكيكاً قانونياً فقط.

ضعف الأحزاب بدوره قال مقرَّر لجنة معاشيي القوات المسلحة حسن محمود: إن عقبات التحوُّل الديموقراطي في السودان تتمثل

أولاً: في عدم قدرة الأحزاب على ممارسة الديموقراطية داخلها.

ثانياً: عدم خبرتها في ممارسة الديموقراطية بين بعضها البعض والتنافس غير الشريف في الوصول للسلطة وفشلهم في تحمُّل بعضهم داخل البرلمانات.

ثالثاً: مجرَّد فوزهم في الانتخابات يبتعدون عن المواطنين الذين رشحوهم وعن احتياجات المواطنين التي وعدوهم بها.

رابعاً: ينافسون بعضهم في حزب واحد بعدة مرشحين لنفس الحزب في نفس الدائرة.

خامساً: إهمالهم للقوات النظامية ما يسبب سخطاً وسط الجنود والضباط فيسهل تجنيدهم في الأحزاب لتنقلب على بعضها.

سادساً: فشل الأحزاب الكبيرة مما جعلها مرفوضة من الأجيال الحديثة.

سابعاً: استغلال الأحزاب الأيديولوجية لهذه الظروف فتعمل على إفشال الديموقراطية بتحريض الشباب وذلك لقناعتها بأنها ليس لها وزن جماهيري يمكنها من الفوز في الانتخابات.

ثامناً: الآن لا يوجد وفاق سياسي بين الثوار والأحزاب والحرية والتغيير والكفاح المسلح ما سيؤدي لإفشال تحقيق مناخ في الفتره الانتقالية يعمل خلاله على التحضير للانتخابات المقبلة.

تاسعاً: عدم استقرار الوضع الأمني بالبلاد والتفلتات وعدم إكمال عملية السلام، فما زالت الحركات المسلحة تعمل كمليشيات مسلحة وليست أحزاباً لتدخل في العملية الديموقراطية ما يعتبر مهدِّداً كبيراً لأهلهم في مناطقهم وتأثير ذلك على رأي الفرد عندهم.

عاشراً: خارجياً هناك دول لا تسمح بوجود ديموقراطيه في السودان، لأن ذلك سينعكس عليهم. الأحزاب ترد بدوره انتقد التجاني مصطفى، رئيس حزب البعث العربي الاشتراكي اتهام الأحزاب بفشلها في التحوُّل الديموقراطي، وقال: إن مثل هذا الحديث فيه تجني مقصود ضد الأحزاب السياسية ومحاولة لتحويل الاتهام عن الجهات المسؤولة عن إجهاض الديموقراطية في السودان.

وأضاف لـ(الصيحة): صحيح ظهرت من الأحزاب سلبيات في مسألة التكالب على السلطة وكانت جزءاً من الأسباب لكن إجهاض الديموقراطية خلال هذه المرحلة تم بواسطة قوى سياسية لها صلة بالنظام البائد، اعتصمت في حرم القصر الجمهوري وطالبت الجيش بالانقلاب على الحكومة القائمة فكانت إجراءات القائد العام عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر، التي أجهضت مسار التحوُّل المدني.

وأشار مصطفى إلى دور العسكريين ومحاولتهم تصريف الأمور بعيداً عن المسار الديموقراطي وقيامهم بتشجيع بعض القوى السياسية والقوى الطائفية، كما حدث في البحر الأحمر إلى أن وصلوا إلى الانقلاب على السلطة، مبيِّناً أن تلك القوى السياسية التي اعتصمت في القصر كانت تسعى إلى تحقيق مصالح شخصية لا وطنية وهي مسؤولة عن إجهاض التحوُّل المدني في السودان.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...