غاندى معتصم يكتب: حصاد الاسبوع
ما حدث فى ولاية النيل الأزرق كان نتاجا طبيعيا للتصورات الذهنية الخاطئة لمسببات قعود البلاد عن نهضتها المنتظرة .. تكمن الأزمة فى أن السودان به أكثر من خمسمائة قبيلة، أربعون قبيلة فقط منها تمتلك حواكير للأراضى، والنظارة فى العرف والقانون لا تمنح إلا بامتلاك الأرض، ولذلك فان التأريخ يحدثنا أن ثلاثمائة ضابط وإدارى بريطانى دان لهم حكم السودان بواسطة التحالفات القبلية .. تمرد النميرى على هذه الأوضاع مستندا على عنفوان مايوا الثورى، فألغى فى العام 1970 قانون الإدارة الأهلية، ولكن فشلت أولى محاولات النخب لتغيير هذا الواقع بسبب طغيان مفاهيم الأيدلوجيا الماركسية على التقديرات الادارية فى مضمون وشكل القرار.
أعادت الإنقاذ تكرار إرث بريطانيا العظمى للتعامل مع القبائل بتكريس هيمنة الدولة المركزية لكثرة المخاوف من هشاشة الأوضاع الولائية دونما إنتباه لتحديات العولمة وسيادة ثقافة قوانين الهجرة على المجتمعات.
هيكلة الدولة السودانية على الأسس السليمة وترسيم العلاقة بين المركز والولايات بهذه التعقيدات تحتاج إلى خبرات إدارية وباحثون إجتماعيون، وذخيرة معرفية بمتطلبات النهضة الاقتصادية، والواقع يؤكد أن هذه التعقيدات تحتاج أصحاب تجارب حيث لن تجدى نفعا مراجعات نشطاء السياسة السودانية التى لا زالت تغرد بعيدا عن مكامن الأزمة.
***
أكثر ما أحزننى فى مساجلات السيد مبارك أردول مدير الشركة السودانية للتعدين والوزير الأول بحكومة الحرية والتغيير الثانية السيد خالد عمر تجاهلهما التام لأهمية إلتزام حدود العلاقة بين الجهاز التنفيذى للدولة والشركات الحكومية، فكما هو معلوم أن جهاز الدولة التنفيذى مصمم لأن يكون جهازا رقابيا لا يسمح له بممارسة العمل التجارى، وبهذا الوضع تكون شركة التعدين مؤسسة ربحية Business Profit Center Company وبذلك فهى بالطبع مؤسسة ذات شخصية إعتبارية وبالتالى لها ذمة مالية منفصلة ، ولكل ذلك لا يحق لأى جهة غير مجلس الإدارة محاسبة مدير الشركة، ومن وجهة نظرى أن الجهل بحدود أدوار الدولة الرقابية، وتجاهل أهمية وجود مجالس إدارات مقتدرة للمؤسسات الاقتصادية تمثل أحد أهم أسباب فشل الدولة السودانية.