حمدان حامد محمد يعود للكتابة مع عودة الروح
عدت اليوم إلى مقر عملي في دبي بعد إجازة ممتعة ومتعبة إلى بلدي وأهلي في السودان إستمرت لمدة عشرين يوما . ممتعة لأنها كانت بين الأهل في ديارهم ونجوعهم وكرمهم وإبتساماتهم وضحكاتهم وملامسة مشكلاتهم .. ومتعبة لأنها كانت كثيرة السفر بعيدة المسافات ، معقدة القضايا ، إجتماعاتها طويلة ، ونقاشاتها صاخبة ولكنها جميلة النتائج .
حملتني الرحلة من دبي للخرطوم ، ومن الخرطوم إلى الأبيض عبر عديد النوبة وبارا ، ومن هناك إلى السنوط عبر الدبيبات والدبكر وأبو زبد … كان العيد في السنوط ريانا نديا بزخات المطر ورعود الضحوي والبروق المتوهجة ، وكرم الناس وبشاشاتهم في السنوط أم قربوبة في الكجاجات والحجير وأم رسوم وكدام ، وأكملنا بعضا من أيام العيد في الفولا الحميرة ثم والنا المسير الطويل .
وحملتني رحلتي إلى بوادينا وقرانا الجميلة في الفردوس ، وشق الدود ، والباردي ، والشخار ، والدرنقاس ، والرقيقة ومنها إلى أم دروتات ( جمع أم دروتة ) ومن ضمـنها ( أم دروتة قدم ) مسقط رأس أخونا أبو القاسم يوسف قدم رد الله غربته … ثم واصلنا السير ، والسيارة تئن وتحن وتشخر في رمال الصعيد تشق بجهد جهيد طرقا تتلوى بين أشجار الكداد والأبنوس والنبق والدروت والكتر حتى أناخت بنا عند ( نبقاية ) مع أهلنا الغوالي الدرع أولاد غالي في حلة عيال البصيلي وأعزائنا الكرام الداجو أصحاب التاريخ والحضارات العريقة لنستمع إلى الحكم من أفواه الرجال الميامين الذين يخيطون رتق الناس كما يخيط الحائك السجاجيد الجميلة … كان أساطين الرجال من بلدنا بقيادة ناظرهم الصادق الحريكة ، وأصحاب المبادرات من أفاضل الرجال من أولاد هيبنان بقيادة الزعيم الأمير إسماعيل بشارة الصافي والعمدة عثمان الفضل مصطفى ولد أبو دقش ، وسلاطين ومشائخ الداجو ، وجموع من أهل لقاوة بشتى قبائلهم ينثرون الحكم في الهواء الطلق حتى فازوا بإنتزاع الغصص والثارات من النفوس الحزينة فكفكفوا الدموع وضمدوا الجراح وأعادوا لهذا المجتمع الجميل الأمل ، كما أعادوا إليه لحمته وإبتساماته وحلاوته وأخوته .
وانسابت بنا الرحلة إلى لقاوة أبو عرديبة روح بلدنا وقلبها … وفي بيت النظارة حيث يسكن المدلل كما قال المبدع نوار ، إجتمع الكرم والسماحة والحكمة وعظام الرجال والإدارات الأهلية والمسيرية والداجو والنوبة وبوادي لقاوة ذات الأيادي المبسوطة بالمبادرات ، و ( شباب من أجل لقاوة ) الذي يجمع فسيفساء أهلنا والناظر الصادق وزعيم بلدنا توتو عبد الله والأمير أحمد كوكو والسلطان عباس والعمدة : صلاح وأحمد الطيب وأبيريق وبرمة وعثمان الفضل فقد كنتم كبارا عظاما والأساتذة : الجابري والسماني وبقادي وأالسيد محمد سليمان وضيف الله وآخرون كثر ، والتاج جماع أبو نوفة وحامد حسين محمد علوي أبو نبوت وباتية وم . آدم جودة وغيرهم ، وإلتأم أهلنا في إجتماعات عامة وثنائية وضجوا وصاحوا ، وفاروا وهبطوا ، ورطنوا وأعربوا ، وثبتوا وركزوا … ثم هدأوا واستقاموا ولعنوا الشيطان ولجج النفوس المريضة واستقاموا على طريق الله القويم وتعاهدوا على إصلاح بينهم وإعمار بلدهم … فالتحية لكم يا أهل لقاوة في الحواضر والقرى .. والتحية لرئآساتكم وكبرائكم من الإدارت الأهلية والمصلحين وأصحاب الرأي والحجى فيكم … والتحية لأهلي جميعا الذين تشرفنا بمجالستهم والإستماع إليهم فقد أبهروني بعظمتهم وعلو هاماتهم .
جبت بلادنا في هذه الرحلة وكردفان في أحلى أوقاتها وأجمل زمانها .. كانت الأمطار تنهمر بعد العيد بغزارة وإستمرار ، وكانت المياه تنساب في الجداول المائية والدروب وتفيض على القيزان الذهبية الرمال ، والعتامير والحدب فتحيلها إلى سجادة بيضاء لا نهاية لها فتغسل النفوس المتعبة من صيف لاهب وتنعشها ، وتزيل كربة الحرور ، وتحيى الأرض بعد موتها الطويل ومحقها المميت . كانت رائعة فقد رأيت فيها عودة الحياة للنفوس ، وعودة الروح للأرض .. فالحمد لله من قبل ومن بعد .
حمدان أبو التول
دبي 25يوليو 2022 م