محمد حامد جمعه نوار يكتب: زين العابدين تري_ري
عرفت المنشد زين العابدين طه قبل أن اراه . ظل وتر عوده يرن بأذني ويفج باللحون شغاف قلبي ويعمر دواخلي بالكلمات . لم يكن للامر علاقة بتصانيف السياسة او (ماجنتا) مطالع الألوان ولم يكن للأمر صلة بمشارق اليمين او مغارب اليسار . كان إلتقاطا ضمن طقوس إستماع وإلتقاط لحلو القصيد . أنا من جيل قرأ لكجراي . وإمتلك كتيبا سطحه مثل جلد الضب . محمر بسواد ضم قصائد حمراء شيوعية عن (عشم الملايين بطول السودان وكل بيوت الطين ) وعن ملح رغيف الخبز وأعصار الصيف الساخن . جيل قرأ الزنزباريات و(أمتي) جيل شاهد محمد بشير عتيق يغوص في ذاك الشال فلا ترى سوى أذنيه وهو يقص عن حكايات أشعاره . كنت اتعجب من أين يجلب هذا الرجل النحيل الذي يشبه في غموضه تحت الملفحة السيد علي الميرغني ! كنت ربما في مخالفة لطباع أصحابي زول (مزيكا) اتلصص على ضربات دف (قسمة) وألاحق حفلات (الخالدي) و(محمد إسماعيل) ولا أعرف أين الأخير وإن شلع الخالدي سقيفة الحياة وأنطوى في لحد . كنت أستمع وأعرض وأطرب وأرقص أحيانا . كنت اطارد حفلات (عركي) ولا اغيب عن حفل له رغم بغضي لصاحبة شال أحمر كانت تغيظنا ببعض الحركات مثل تصنع إغماء او إشعال شمعة حين يغنى (تصحى الكهارب في الشوارع) وما صحي عمود إنارة وما وجدنا شمعا !
2
لاحقا تحيزت أذني للمنشد زين العابدين . الصوت الرخيم . التجوال على مساحات اوتار العود . المزج العجيب للروح والنغم معا . الصولو الشهير الذي نافس في ساحات الفداء بروجي حميدان . بوترية حينما نودي قومي للجهاد ما توانوا . وظهور فوق أعناق الرجال او شهادة . وبالفعل صدق القوم فإستشهد الالاف وصعد المؤخرات على رقاب الرجال القواعد و(حدث ما حدث) لكن كانت وظلت ريشة زين تهزنا فتعيدنا تموضع الاوفياء بين قوس النصر ونهايات الخلود . فعرفت ان هذا الرجل من العاليين في مقامات مشروع الربط بين الجمال والجلال . ووضع الشعر على يافوخ العزائم فصرت بين إبنة الدهقان وسنار . كلما غالبتنا الأشواق لعذريات القناعات ادرتها مثل كاس حلال من غير مجلوب النبيذ . وأشد ما لفت نظري في تجربة الرجل الإبداعية أنها كانت تطوعا بالزاد المبارك . كلمات واشعارا والحانا . منه ومن غيره بواسطته لم يتخذ عليها مغنما او يجعلها سلما في حقبة فشت فيها حوافر الطماع على جبل أحد . وقد هبط الرماة وغير الرماة لسفح المغانم . ظل زين هو ذات المربوع . بجلابية وصلعة سمراء وصوت نقي . و(تاكسي) أصفر معجف يلتقط به أرازقه . قابلته مرة . قطعت عليه ثرثرة عوالم التكاسة كان بذاك التواضع المرتب والحضور اللافت . وبذات الملمح المتواضع لمواطن يكد مثل السابلة بالعزم الحلال دون ان يتكسب بسبق او لزوم مقدمة . فكان ذاك من دروسه المبذولة في حوزة البيان بالعمل وان هذا الامر فكرة وليس قشرة وتجوز بالقراءة العامية والفصحى وان هذا الامر مثل كنانة مفروشة . فيها من يضع القوس المقوم وفيها ان يختار السهم المكسور . جلبا وأخذا
3
أنشد زين العابدين بالخرطوم وكل المدائن . غنى لله والوطن . صال صوته يسبق مطالع البنادق ومصائر الرجال . وهب الايام أنضر ساعات الإبانة وغذاها بالعماد من المعاني والحروف . غنى للشباب وهم على جفن الردى . وطار بالثناء على سنار مملكة الخيول والعيون وعهود البطولة . وهب (الجيش) دفوف العز اوتارا وصيتا حتى انه جلب لحن مارش تري ري او 6 جي بلك هجانة فنصبه لحنا يمتد من بري الى سنار ..سنار موعدنا .
مثل زين العابدين طه يكرم . وتوفى اليه مظان التقدير العريض . مثل (زين) هو عين الرجال وسيفهم وصوتهم في المدائن والعتامير . مثل زين لو كان لغير ما هو منسوب لسار خلفه البعض يضعون عند كل ما وطأ مؤسسة وتجربة ونشيد .. وشهيد . وسيبقى فخرنا كقرص الشمس بهذا الأدب . يجفف لهب حرارة القيم فيها آسن تقاطيع بؤس ما يقدمون يظنون ان هذا الشعب يقتات الرداءة . لا والله فبمثل زين العابدين يكتمل رجيج الوتر عرضة وصفقة وكرير ومليحة عفيفة تشد عزم الأوفياء نحو المكارم . هذا أدب نعتز به ونرفع على جباهنا ما حيينا فإن متنا على قبورنا غيمة وظلة والله حسيبنا . وهو الحكم العدل الغفار*