تفعيل الشرطة المجتمعية يثير مخاوف حول الحريات والحقوق

قال المتحدث باسم الشرطة العميد عبد الله بشير البدري إنّ قراراً صدر عن وزارة الداخلية ورئاسة الشرطة قضى “بتفعيل” عمل الشرطة المجتمعية، وتحدث لبرنامج “كالآتي” على فضائية النيل الأزرق الأسبوع الماضي ردا على سؤال ما إذا كانت هذه الشرطة ستعيد تجربة شرطة النظام العام بالقول: “صدر قانون أو لم يصدر، نحن بأعرافنا وتربيتنا الدينية، لا نقبل اللبس الفاضح والتصرفات غير الكريمة” لكنه عاد وقال إنّ من مهام هذه الشرطة المجتمعية: ” تنظيم المحاضرات والأنشطة الرياضية والثقافية، وإبرام المصالحات، وتسخير أفراد المجتمع لمد الشرطة بالمعلومات حول أي أنشطة إجرامية بما يمكنها من إكمال ملفاتها.
وفجرت تصريحات المسؤول الشرطي جدلا واسعا باعتبار أن الشرطة المجتمعية هي إعادة تسمية لشرطة النظام العام التي تميزت بسمعة سيئة لملاحقتها الفتيات في الشوارع بحجة الزى غير المحتشم علاوة على مداهمة المقاهي والأماكن العامة وانتهاك الخصوصية والحد من الحريات العامة بشكل مقلق.
لكن المتحدث باسم الشرطة رفض الرد على أسئلة طرحتها عليه “سودان تربيون” بشأن الفكرة التأسيسية التي تم بموجبها تفعيل الشرطة المجتمعية” وما هي المهام التي ستنفذها، وطبيعة القانون الذي ستعمل بموجبه، والموقف من الحريات الشخصية وما إن كانت ستشكل تهديداً للحريات العامة أو تضع قيوداً على حقوق الناس في التعبير عن نفسهم منضبطين بالقانون السوداني وفي إطار ما تكفله القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.
كما لم يتسنّ الحصول على تفاصيل من الشرطة حول الأعراف والتعاليم الدينية التي لا تقبل السلوكيات التي أشار إليها المتحدث باسم الشرطة، في مجتمع متنوع الأديان والعادات والتقاليد.
ومع احتدام الانتقادات لحديث المسؤول أصدر المكتب الصحفي للشرطة قبل يومين بيانا استدرك على تعليقات المتحدث جاء فيه “إنّ الشرطة المجتمعية ليست لها علاقة بالنظام العام وليست أداة تنفيذية بل إسناد لتطوير علاقة الشرطة بالمجتمع وهي تجربة تحكمها معايير دولية وتجارب لمهام تتطلب إشراك المجتمع لمعالجة بعض القضايا بأساليب تختلف عن الضبط والجزاء”.
وأكّدت الشرطة علمها التام بأن التشريع حصرياً هو سلطة البرلمان للقوانين الاتحادية ومجالس الولايات والمحليات للقوانين الولائية والأوامر المحلية التي تتكامل وتتواءم مع الدستور ولا تخالف الدستور”.
وخلص البيان إلى: “أن السؤال والجواب الذين طرحا في برنامج كالآتي على قناة النيل الأزرق كانا خارج إطار الموضوع”.
ومع ذلك تتزايد المخاوف من تفعيل الشرطة المجتمعية وتحولها لنسخة ثانية من شرطة النظام العام في ظل النهج الموغل في العداء الذي تتعامل به عناصر شرطية مع العامة وهو ما تبدى خلال الاحتجاجات السلمية التي تنتظم البلاد من نحو عشرة أشهر للمطالبة برحيل العسكر عن السلطة وتسليمها للمدنيين.
وكانت السلطات الانتقالية، الغت في خواتيم العام 2019، قانون النظام العام والآداب العامة الذي سنَّ في العام 1996، أثناء حكم الرئيس المعزول “عمر البشير، ويتكون من 25 مادة، تحدد الضوابط والقواعد المتعلقة بالسلوك العام في المناسبات والأسواق وغيرها ويمنح أفراد الشرطة سلطات واسعة للقبض على أي شخص، ويستهدف النساء على وجه خاص ويعمل لفرض الآداب العامة ويعاقب المخالفين بالجلد.
وحاز إلغاء القانون وقتها إشادات كبيرة واعتبرته منظمة العفو الدولية خطوة إيجابية كبرى للحفاظ على حقوق المرأة في السودان.
ولا يعتقد المستشار هجو تاج الدين الناجي ما تم بشأن “تفعيل الشرطة المجتمعية” يمثل ردة إلى شرطة النظام العام لأن جهاز الشرطة سيكون غير قادر على تفعيل قانون النظام العام والآداب العامة وإعادة العمل به، بعد أن ترتب على سقوط نظام الثلاثين من يونيو أيلولة سلطة التشريع بموجب الوثيقة الدستورية للمجلس السيادي ومجلس الوزراء (بالاشتراك) ولا يحق لأيٍّ من المجلسين أن ينفرد بتشريع لوحده، بينما يحق للمجلسين مجتمعين سن القوانين أو إلغاءها أو تعديلها، وفق هذا النص الدستوري تم بالفعل إلغاء عدد من القوانين وبعض المواد في القوانين، ومن القوانين التي تم إلغاؤها قانون النظام العام والآداب العامة”.
وأضاف الناجي في حديثه لسودان تربيون بالقول : ” أعقبت انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر حالة من الفراغ الدستوري، ولم يعد المجلس السيادي يملك الحق منفرداً في أن يلغي أو يعدل أو يسن أو يعيد العمل بقانون تم إلغاءه، وأيّ إجراء من المجلس السيادي في هذا الصدد يعد باطلاً لأنه بني على باطل، بحسب القاعدة القانونية، فإذا أراد المجلس السيادي أن يسن أو يلغي أو يعدل أو يعيد قانون تم إلغاءه فليس أمامه سوى خيارين أولهما أن يرجع الوضع لما قبل انقلاب الخامس والعشرون ويحتكم إلى نصوص الوثيقة الدستورية كاملة غير منقوصة، أو أن يذهب لانتخابات مبكرة تكفل قيام مجلس تشريعي وهو المخول له التشريع”.
وحذر محامون في السودان، من عودة شرطة النظام العام لممارسة مهامها بمسمى جديد معتبرين قرار وزارة الداخلية بتفعيل الشرطة المجتمعية، بداية للتضييق على الحريات والاستمرار في ارتكاب انتهاكات ضد المواطنين.
وقال منتصر عبد الله وهو عضو بارز في مجموعة محامو الطوارئ لـ”سودان تربيون” في وقت سابق“إن الشرطة المجتمعية التي أعلن عنها إجراء يهدف لفرض مزيد من التضييق في الحريات لكون أن المواد المتعلقة بالآداب موجودة في القانون الجنائي السوداني ولم يتم إلغائها وهي ليست في حاجة لإدارة متخصصة لتنفيذها”.
وتقول د.عطيّات مصطفى وهي عاملة في مجال حماية المرأة وشغلت في وقت سابق موقع المدير العام لوحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل لـ”سودان تربيون” يجب أن يفهم أنّ قانون النظام العام كان خاصاً بولاية الخرطوم دون غيرها من الولايات وهو إجرائي غير ملزم، وظللنا خلال فترة سريانه نثير جملة من الاعتراضات على الإجراءات وطرق تعامل الذين ينفذون القانون وهي طرق في غالبها غير مقبولة حتى بمعايير الدين وتعاليمه التي تنهى عن التشهير واقتحام خصوصيات الآخرين”.
لكن في الجانب الآخر تقول د. عطيّات مصطفى: “فيما أرى أنّ الشرطة المجتمعية، لها وجود في بقاع كثيرة من العالم، يمكن أن يكون لها دور كبير في المجتمع متى تم تأسيسها بطريقة صحيحة وصدر قانون ينظم عملها عن مؤسسات تشريعية مخولة ويجب ألا يوكل أمر التشريع في هذه القوانين للولايات وإنما وفق تشريع عام، يتلافى أوجه القصور التي شابت التجربة السابقة إذ لم يكن تكوين الشرطة الشعبية في السابق تكويناً سليماً وافتقرت للعناصر المدربة القادرة على أداء مهامها بينما ضمت في بعض الأحيان أفراداً مشبوهين لا يصلحون لمثل هذه الخدمة”.
وأضافت: “متى تشكلت الشرطة المجتمعية على أساس سليم تدارك أخطاء الماضي، إذ لا يجب على الشرطة أن تتحدث عن زي الفتيات، هذه ليست قضيتها، إن تمَّ ذلك يمكن لها أن تسهم في توفير خدمات جليلة للمجتمع من صحة وتعليم وأمن وإطعام وغير ذلك”.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...