ابراهيم عثمان يكتب : زمن الغتغتة والدسديس انتهى
رغم أن زمن ما بعد الإنقاذ شهد أكبر حالة غتغتة ودسديس في تاريخ السودان ممثلة في الغتغتة الدستورية التي رفعت اتفاق ثنائي لتقاسم السلطة إلى وثيقة دستورية، وما حدث من تزوير وظهور نسخة أخرى من الوثيقة، واعتماد النسخة المزورة دون معرفة أسماء مزوريها وصفاتهم التي أعطتهم هذا الحق، إضافة إلى غتغتة خطاب استجلاب بعثة الوصاية الأممية، وكذلك غتغتة رواتب مكتب رئيس الوزراء، وغتغتة تقارير المراجع العام، وصور أخرى للغتغتة لسنا الآن بصددها. رغم كل هذا، يبقى هناك ما يثبت صحة المقولة، فهناك الكثير مما كان يُغطَّى، خجلاً أو خوفاً، وأصبح معلناً :
▪️ كانوا قبل مجئ حكومتهم لا يجرؤون على تعاطي الخمور والمخدرات، ولا يجرؤون على الأقوال والأفعال الخادشة للحياء علناً ( حتى في تظاهراتهم ) ، إلى أن جاءت حكومتهم، وما بعدها، فأصبحت سمة ملازمة لتظاهراتهم واعتصاماتهم، حتى أصبحوا يبحثون عن شماعة الكيزان ليعلقوها عليها كما فعل جعفر سفارات ..
▪️ كان السكارى يتحاشون الخروج إلى الشوارع حتى الجانبية، إلى أن جاءت حكومتهم، فأصبحوا يخرجون إلى كل الشوارع، وبعضهم من أصحاب الحصانة الدستورية أصبحوا يذهبون بسكرتهم إلى العمل كما روى الداعية محمد هاشم الحكيم : ( جلسنا مع مسئول شهير في قضية عامة قبل اشهر – اقسم بالله – انه كان سكراناً تفوح رائحة الخمر منه وحدثته بعد اللقاء عن ذلك فطلب مني مساندته في التخلي ) .
▪️ كانت معظم النساء كارهات الحشمة لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، إلى أن جاءت حكومتهن، فأظهرن المغطى بلا حياء، بتشجيع من القوانين والسياسات والمسؤولين الذين يعبر أكثرهم صلةً بالتربية عن ضيقه بالميل التلقائي للمرأة إلى تغطية ما ينكشف من جسدها ..
▪️ كانت الرغبة في تفكيك الأسرة مجرد تهمة يوجهها طرف وينفيها الآخر، فأصبحت موضوعاً لندوات جماهيرية تظهر المغطى كاملاً وبصريح العبارة يقال إن الأسرة هي أول مؤسسة يجب تفكيكها مع إقرار “الحريات الجنسية” لأفرادها .
▪️ كان الملحدون يخفون إلحادهم، إلى أن جاءت حكومتهم فأصبح أمثال ثروت سوار الذهب يظهرون في لايف ومعهم فتاة ثملة تتقلب في أحضانهم ويتحدثون عن إصلاح المجتمع ..
▪️ كان المثليون والعاهرات يغطون سلوكهم ويتوارون خجلاً، إلى أن جاءت حكومتهم فأصبحوا يتقدمون الصفوف، وأحدهم ( يقود ) تظاهرة من نساء ورجال وأطفال في أوسلو، وإحداهن ( تقود ) تظاهرة في لندن، والآخرون بالداخل يقطعون خطوات كبيرة نحو المجاهرة ..
▪️ كان عملاء السفارات يخفون عمالتهم قدر المستطاع، لكنهم أصبحوا يجاهرون بها ويتفاخرون ويسخرون من كلمات العمالة والخيانة والتخابر ..
▪️ كانت أحزاب الفكة تخفي نيتها لتطبيق أقسى سياسات اقتصادية، فأصبحت تجاهر بذلك ثم تلقن الشعب كلمات الشكر ..
▪️وكان التهرب من الديمقراطية والحريات والانتخابات وحقوق الانسان واستقلال القضاء مغطىً بالشعارات الرنانة إلى أن جاءت الممارسة العملية وكشفت كل المغطى ..
▪️ وقائمة المغطى الذي انكشف طويلة ولا يسهل حصرها، وقد كانت نتيجة هذا الجو الفضائحي، وما صحبه من فشل، أن تشجَّع صاحب المقولة نفسه، وأفصح عن مغطى ومدسدس كان يجتهد في إخفائه، ويتسقط الناس علاماته في ظلال أفعاله وفلتات لسانه، وما بين سطور خطاباته، فكان حديثه الذي يختصر التغيير في تحقيق رغباته وأطماعه، ويكشف أن أن سقفها الآن هو المقعد الأول ..