لواء “م” محمد حامد تبيدي يكتب: السودان ومصر وإثيوبيا وأريتريا جسد واحد لا ينفصل ولكن !!!
وجهة نظر
▪️الحقيقة التي لا كبير خلاف عليها أن مصر هي كبيرة الإقليم وشقيقتنا الكبرى التي نلوذ بحُضنها كلما إدلهمت علينا الخطوب وتعقدت الأمور وتضاعفت الضغوط وارتفعت وتائر التآمر ، تلك حقيقة برغم خلافنا مع مصر حول سيطرتها بالقوة على بعض أراضينا وعلى رأسها “حلايب” ، وفرضها سياسة الأمر الواقع هناك ، وعدم إرتضائها التحاكم معنا دولياً ..لكن ، ومع تلك “المرائر” تبقى مصر هي مسرانا وسُلوانا ووجهة تجارتنا وراحتنا وعلاجنا وعبورنا ، نجد فيه الدفء والحميمية والتعامل الكريم مهما اعترته من لُعاعات وهنات عابرة .. أعلم أن ما أقوله ليس محل إتفاق بين أهل السودان ، وأعلم ضخامة الأمواج العاطفية التي تكاد تغمر العلاقة حباً أو كرهاً ، لكن العقل يجب أن يعلو والحسابات الموضوعية يجب أن تسود ، أعداد ضخمة من السودانيين اليوم بالقاهرة .. متملكين ومقيمين وزائرين وعابرين ، وبالتأكيد يفقهون حديثي أكثر من أي ناشط يتعامل مع العلاقة نظرياً أو سياسي يتعامل معها حسابياً بما يخدم أجندة حزبه أو تنظيمه السياسي أو مواجعه الشخصية .
▪️إثيوبيا دولة جارة وحبيبة ، وحاضرتها أديس أبابا زهرة جميلة مشبعة بالعبق والحنان ، من منا زار أديس أبابا ولم يتمنى البقاء فيها أطول فترة أو العودة إليها بعد غياب ؟ الإثيوبيون حبايبنا فيهم روحنا وملامحنا ، عندما يغنون ليلاً ويرقصون نتجاوب ونطرب وننتشي ، عندما ينشب خلاف سياسي بين البلدين قلما تجد أو تلمس له أثرا سالبا وسط عامة الناس ، لا هنا ولا هناك .. صحيح ، هناك ظواهر وممارسات سالبة من السودانيين المقيمين هناك أو الإثيوبيين المقيمين معنا وهم أضعاف مضاعفة وأكثر من نصفهم مولود ويعيش هنا في السودان منذ أن جاء للحياة .. لكن الحقيقة أن السودان ومصر وإثيوبيا وأريتريا وليبيا وتشاد وكافة دول الجوار السوداني ، جسد واحد لا ينفصل ، يتداعى لبعضه بالسهر والحمى ، والسودان ظل على الدوام أكثر حرصاً على متانة علاقات جواره وإستقرار الإقليم ، على الأقل حتى يأمن شرور وآثار اللجوء والهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر والجريمة المنظمة العابرة للحدود ولكن الخبثاء والعملاء لا يهدأون ولا يتوقفون – ما استطاعوا – عن زيادة الفتق وتغذية الفتن ، ومعلوم أن بعض دول الإقليم لا تعيش إلا في المُناخات العكرة ، ولا تقتات إلا على الدس وخلق وإلهاب الفتن بين الآخرين .
▪️عندما ينتصب أحدهم ليزعم أن السودان يقف وراء النزاع والإحتراب والإضطراب الداخلي في إثيوبيا وأنه يأوي ويدعم التغراي فإنه يغالط الواقع ويصادم المنطق المستقر ، ونفس الحال مع أريتريا إذ أن أسمرا عندنا إبنة عم لأديس أبابا ، السودان على إمتداد مختلف الأنظمة ظل يدعم إثيوبيا ويدعم أريتريا وإستقرارهما ، الثورة الإثيوبية التي إقتلعت الأمبراطور هيلاسلاسي ثم منقستو هايلامريم ، والثورة الأريترية التي حررت أريتريا وحققت إستقلالها ، هذه ثورات شعبية مسنودة ومعترف بها وبالتالي فإن السودان يُشكر على وقوفه معها ودعمه لها بمختلف أشكال الدعم ، أما النزاع الداخلي الحالي في إثيوبيا فلا علاقة للسودان به ، إلا من باب تحمل تبعاته وفتح حدوده لإستقبال اللاجئين الفارين من جحيم الحرب والقتال ، وأما قيام الجيش بواجبه في الإنفتاح وإستعادة السيطرة على أي أراض سودانية كانت تحت سطوة الآخرين فإنما ذلك مما يستحق عليه الجيش تعظيم سلام .
▪️الخلاف يقع ، ليس بين مصر وإثيوبيا والسودان وإريتريا ، بل بين معظم الدول المتجاورة والمتداخلة ، وقد جربنا ذلك مع ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى ودولة الجنوب ، وما جنينا منه الكثير ، وبحثنا عن السلام مع كل أولئك ، ودفعنا في سبيله أبهظ الأثمان ، ولو لم يكن السلام حلمنا ومبتغانا لما تحقق وكان .. لذلك يتوجب التصدي بصرامة وحزم لكل المشائين بالفتن والدسائس والأكاذيب والنميم ، المشيعين كذباً أن السودان يكيد لإثيوبيا ويدعم تحرك التقراي ضد الرئيس آبي أحمد .. السودان ظل وسيبقى حريصاً على مصالحه وإستقلالية قراره ، وحريصاً على شقيقته مصر ومصالحها المشروعة وأمنها القومي ، وحريص على إستقرار إثيوبيا وأريتريا ومصالحهما وأن يسود الأمن والسلام والرفاه المنطقة كما أشرنا عاليه ، وأن يكون الحوار الشفيف والجاد هو الوسيلة ومنفذ العبور نحو علاقات إيجابية مُنتجة بين كل دول الإقليم بلا استثناء .