سيول السودان المتواصلة تهدد أمنه الغذائي

تسببت السيول والأمطار التي ضربت عدداً من ولايات السودان مطلع أغسطس (آب) في غرق مساحات واسعة من المشاريع الزراعية وتلف معظم محاصيلها خصوصاً مشاريع ولاية الجزيرة التي تقع بين النيلين الأزرق والأبيض في المنطقة الشرقية الوسطى من البلاد، والتي تعد أكبر مصدر غذائي واقتصادي في السودان، ما يهدد بحدوث فجوة غذائية كبيرة خلال الفترة المقبلة.
وضاعفت كارثة السيول والأمطار التي تعد الأسوأ بالنظر إلى الأعوام السابقة معاناة القطاع الزراعي الذي يشهد أزمات كبيرة تفاقم النقص الحاد في الغذاء وزيادة عدد الجوعى، في ظل تزايد مشكلات انعدام التمويل وارتفاع كلفة الإنتاج وزيادة أسعار المحروقات، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع مساحات وإنتاج المحاصيل، وبحسب مزارعين تحدثت إليهم “اندبندنت عربية”، فإن حجم الضرر الذي لحق بهم كبير جداً لأن السيول اجتاحت أكثر من 90 في المئة من المساحات المزروعة خلال هذا الموسم الصيفي، وأنهم مولوا هذه المساحات ذاتياً من دون أن تساعدهم أي جهة تمويلية حكومية، وما زاد من معاناتهم أنهم فقدوا مساكنهم ومزارعهم ومواشيهم، بالتالي من واجب الدولة أن تسهم بمبالغ مقدرة حتى يتمكنوا من الاستعداد للعروة الشتوية المقبلة.
وسبق أن أشار تقرير صادر من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” وبرنامج الأغذية العالمي إلى أن من المرجح تضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد في السودان إلى أكثر من 18 مليون شخص بحلول سبتمبر (أيلول) 2022، بسبب التأثيرات المجتمعية الناجمة عن النزاع والأزمة الاقتصادية وضعف الحصاد، متوقعاً أن يكون الإنتاج المحلي من الحبوب في الموسم الزراعي 2021-2022 نحو 5.1 مليون طن متري ما يغطي فقط احتياجات أقل من ثلثي عدد السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة.
سد الفجوة
ويقول رئيس الغرفة الزراعية في ولاية الجزيرة في السودان محمد عبد الرحمن المشرف، “الضرر الذي أحدثته السيول والأمطار على المحاصيل الزراعية كان كبيراً بخاصة في مشروع المناقل الزراعي، إذ غمرت المياه مساحات مقدرة من الأراضي المزروعة بمحاصيل استراتيجية ذات تأثير على المستهلك ومعاش الناس لأن طلبها يومي وكبير مثل الخضراوات بكل أنواعها ولا سيما الطماطم والبصل، إضافة إلى الذرة والعدس وفول الصويا والبطيخ وغيره، فالمزارع في هذا المشروع يستفيد من موسم الأمطار الذي يقع بين يونيو (حزيران) وأكتوبر (تشرين الأول) في العروة الصيفية بزراعة مساحات صغيرة بمحاصيل بالغة الأهمية والأثر لناحية الحاجة الكبيرة إليها في الأسواق المجاورة”.
أضاف، “بلا شك أن غرق هذه المشاريع سيؤدي إلى فجوة غذائية حقيقية بخاصة في الخضراوات لأنه دائماً ما يكون الإنتاج النيلي في موسم الأمطار قليلاً جداً نظراً إلى أن معظم المساحات الزراعية في هذه المناطق يغمرها الفيضان تماماً، لذلك يتم الاعتماد على مشروع المناقل لسد الفجوة بخاصة في جانب الخضراوات، والخسارة الآن تتمثل بفقد إنتاج مؤثر في الأسواق، فضلاً عن الخسارة المادية الكبيرة لجهة البذور والأسمدة وغيرها، والمشكلة أن هذه المساحات تمت زراعتها بتمويل ذاتي من موارد المزارع مباشرة وليس من البنك الزراعي ما يضعف قدراته المالية”.
انعكاسات اجتماعية
وتابع المشرف أن “دمار هذه المشاريع ستكون له انعكاسات اجتماعية واقتصادية، فالمزارع بعد هذه السيول لن يخاطر بزراعة محاصيل خوفاً من تكرار ما حدث، فضلاً عن هجرة كثيرين من المزارعين إلى المدن، لذلك من المهم إيجاد مشروع لتجميع حصاد المياه في تلك المناطق ما سيحمي منطقة الجزيرة من أي ضرر يتوقع من سد النهضة الإثيوبي، أو من خزاني الروصيرص وسنار السودانيين”. وقال رئيس الغرفة الزراعية في ولاية الجزيرة، “هذه الكارثة تتطلب إيجاد رؤية علمية من قبل الدولة للتعامل مع مثل هذه الظروف، بخاصة أن منطقة الجزيرة التي يعتمد عليها غالبية أهل السودان تضم مساحات زراعية كبيرة تحتاج إلى حماية من السيول والأمطار، لكن حالياً لا بد أن تقوم الدولة بتعويض المزارعين الذين تضرروا”.
مشروع المناقل الزراعي
وقال مدير مشروع المناقل الزراعي عثمان جاسر “تعرض مشروع المناقل الزراعي ابتداءً من الخامس من أغسطس (آب) لهطول أمطار غزيرة، فضلاً عن السيول التي انحدرت من جبال منطقة سنار، مما أدى إلى انهيار المصارف الرئيسة التي تحيط المشروع بطول 103 كيلومترات وتشكل حماية له نظراً إلى كثافة الأمطار وقوة السيول التي فاقت الطاقة الاستيعابية للترع والمصارف الخاصة بالمشروع، بالتالي تأثرت معظم المساحات المزروعة بالمحاصيل المختلفة من قطن وذرة وفول سوداني وخضراوات، وهي مساحات كبيرة ستؤثر قطعاً على غذاء أهالي المنطقة خصوصاً والسودان عموماً”.
أضاف جاسر، “الآن بدأت السيول في الانحسار وتنتظر إدارة المشروع جفاف الأرض لتقوم بعمليات إصلاح الجسور والمصارف التي حدث لها انهيار بسبب كثافة الأمطار والسيول، وبالنسبة إلى المساحات المغمورة بالمياه فإن نسبة بسيطة منها مغمور جزئياً ويمكن أن تعود لدائرة الإنتاج، لكن أكثر المساحات المزروعة مغمورة بالمياه كلياً وتعتبر خارج دائرة الإنتاج لتلف المحاصيل المزروعة فيها، وبحسب رؤيتنا لا بد أن تقوم الدولة بتقديم التعويض المجزي للمزارعين الذين تضرروا من هذه الكارثة”.
مأساة سنوية
ويتعرض السودان سنوياً خلال هذه الفترة إلى فيضانات وسيول واسعة تؤدي إلى هدم وتدمير آلاف المنازل وغرق معظم المشاريع الزراعية، فضلاً عن مصرع وإصابة آلاف الأشخاص، لكن معظم المتضررين من هذه الفيضانات هم من الفقراء الذين يسكنون القرى ويقيمون في منازل غير ملائمة لمواجهة السيول، ويرجع المتخصصون في مجال البنية التحتية أسباب تكرار وتجدد أزمة السيول والفيضانات كل عام، إلى عدم الجدية في اتخاذ الخطوات والإجراءات المناسبة قبل بدء موسم الأمطار من خلال وضع خطط استراتيجية للحد من الآثار السلبية التي يتعرض لها المواطنون بوقوع ضحايا وانهيار منازل وفقد ممتلكات خاصة وعامة، إضافة إلى ما تخلفه هذه الأمطار من مشكلات صحية وبيئية، وتأتي أزمة السيول في وقت يعاني السودان الذي يعد من أفقر دول العالم العربي والغارق في أزمات سياسية واقتصادية.
وتشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، استناداً إلى أرقام رسمية، إلى أن 460 ألف شخص قد يتأثرون بالفيضانات هذا العام في البلاد، وأن 146 ألفاً تأثروا حتى الآن، و31 ألف منزل دمرت أو تضررت، وكان متوسط عدد الأشخاص المتضررين كل سنة بين 2017 و2021 يبلغ 388600 شخصاً وأن أكثر الولايات تأثراً بالفيضانات هي نهر النيل في شمال البلاد وكسلا في الشرق وجنوب كردفان وجنوب دارفور في الغرب.

 

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...