الطاهر ساتي يكتب: الفطام..!!

:: كان قيس يرعى الأغنام مع ليلى في صغرهما، ثم أحبها، وكان يسير بين الناس يقول فيها الأشعار.. ولما كبرت ليلى منعها أهلها عن قيس حسب تقاليد القبيلة التي تمنع تزويج الفتاة بمن ينشد فيها الأشعار، فجنّ قيس، ثم صار ينشد الأشعار شوقاً لليلى.. وكانت أشعار قيس تلامس قلوب الشباب – المشوكشين – في القبيلة، فيبكون ليلاهم أيضاً..!!
:: وهكذا حال البعض حين يتحدث سفير أمريكا بالخرطوم جودفري عن الحكومة المدنية، إذ يبكون (مدنيتهم)، وليست المدنية التي ينشدها السفير وتدعهما إدارة بايدن وحزبها الديمقراطي.. مدنية أمريكا تختلف تماماً عن المدنية التي في مخلية الذين عجزوا عن تخطي مرحلة (سنة تانية سياسة)، وهم الذين اختزلوا المدنية في أنفسهم وأحزابهم..!!
:: ومن يرصد مواقف أمريكا فيما حدث – ويحدث – في تشاد ومالي وغانا واليمن وليبيا وغيرها، لن يستعصي عليه معرفة موقفها من الأنظمة والأحزاب والشخصيات (غير المنتخبة).. وأمريكا أذكى وأكبر من أن تُساق بالخلاء، أي بهتافات الحرية والديمقراطية والمدنية وغيرها من المصطلحات المراد بها (تمكين آخر)..!!
:: عندما يقول السفير غودفيري إنهم يدعمون رغبة السودانيين في تعزيز الانتقال الديمقراطي تحت رعاية (حكومة مدنية)، فعلى المتوهمين – بأنهم المقصودين بالمدنية – أن يعالجوا مرض الوهم، ثم يندمجوا في المجتمع.. والمؤسف، ليسو وحدهم، ولكن من تم تضليلهم أيضاً، إذ يجب عليهم البحث عن معنى المدنية خارج قاموس مواهيم المرحلة..!!
:: عليهم أن يسألوا أنفسهم عن المدنية المشار إليها في تصريح جودفيري.. فالتعريف المتعارف عليه للمدني، والمتفق عليه – لغة واصطلاحاً وسياسياً – هو غير المقاتل أو المحارب، وليس هناك أي تعريف آخر.. وبهذا التعريف فإن إعادة السلطة إلى المدنيين تعني المضي إلى (صناديق الاقتراع)، ليترشح من يشاء، ثم ينتخب الشعب ما يشاء..!!
:: وساذج من يسعى إلى تسويق المدنية – الوارد ذكرها في تغريدة جودفيري – بأنها تعني من شاركوا العساكر حكومة ما قبل (25 أكتوبر)، لم يعد لهذا التسويق آذاناً صاغية.. جودفيري يعلم أن هناك أحزاب جماهيرية، وهناك أحزاب عضويتها (حمولة لوري)، وهناك من لا يملك غير كيبورد ويزعم أنه صانع الثورة.. وأمريكا لا تراهن على السراب والضعفاء..!!
:: ثم الجدير بالانتباه في تصريح جودفيري، ما يلي: (نقرّ التزام المؤسسة العسكرية لسحب الجيش من الحياة السياسية بمجرد تشكيل حكومة مدنية جديدة)، وهذا يعني أن لعودة الجيش إلى الثكنات ثمن يجب أن تدفعه القوى السياسية، وهي تشكيل (الحكومة المدنية)، بمعناها الأصلي وليس المُزيّف.. والمؤسف أن بعض القوى ترفض دفع الثمن..!!
:: المهم، جودفيري يدعم الحكومة المدنية، والانتخابات هي المدخل الوحيد لهذه الحكومة.. وإلى حين الانتخابات، فالواقعية تقتضي التوافق على حكومة كفاءات مستقلة، لفترة محددة، ولمهام محددة، منها الانتقال – بالانتخاب – لمرحلة (الحكومة المدنية).. للمدنية ثمن يجب أن تدفعه القوى التي رضعت من (ثدي التمكين)، وترفض الفطام..!!

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...