الاستثمار في السودان.. معيقات “مزمنة” تهدر مؤهلات هائلة

رسم اقتصاديون صورة قاتمة للاستثمارات في السودان وأكدوا أن دخول استثمارات جديدة إلى البلاد أمر غير متوقع، وأشاروا إلى تقلب الأوضاع وعدم ثبات السياسات الاقتصادية في ظل الأزمة السياسية التي ألقت بظلال سالبة على الوضع الاقتصادي، إضافة إلى البيروقراطية وعدم وجود امتيازات حقيقية مع التعديلات المتكررة للقانون واللوائح، ما يؤدي إلى هروب الأموال إلى مناطق آمنة.
وكشفت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي السودانية أحلام مدني مهدي عن بلوغ حجم المشاريع خلال العام الماضي 518 مشروعاً بقيمة 873 مليون دولار، مشيرة إلى أن التنسيق بين المركز والولايات يظل هاجسا ويحتاج لحوار لإزالة التقاطعات، وخاصة أن السودان يمر بمرحلة تحول كبير على الصعيد السياسي والاقتصادي.
وقالت مهدي، في تصريح صحافي، إن وزارتها تعمل من أجل إزالة العقبات التي تعترض المستثمرين عبر الرؤى والخطط الجديدة لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية، وأضافت أن “الاستثمار يظل خيار الدولة الأول للخروج من صعوبات الاقتصاد”.
وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم أكد استعداد السودان الكامل لاستقبال الاستثمارات العربية، مشيراً إلى أن الشراكات الاستراتيجية هي المهمة والعمل المشترك، وإلى استعداد بلاده لتوفير الإرادة السياسية الكافية من أجل تذليل كل العقبات التي تحول دون تدفق الاستثمارات إلى السودان.
وعدد إبراهيم الإمكانات التي يتمتع بها السودان من الأراضي الصالحة للزراعة البالغة 175 مليون فدان المترجمة إلى 74 مليون هكتار، إلى جانب كميات المياه الجوفية ومياه الأمطار التي تبلغ 400 مليار متر مكعب، وقال إن السودان يمتلك أكبر حوض جوفي للمياه العذبة في العالم بالإضافة لمياه الأنهار.
وقال اقتصاديون لـ”العربي الجديد”، إن تفعيل الاستثمارات في البلاد لن يتم في ظل هذه الظروف القاسية التي تمر بها الدولة الأفريقية من عدم استقرار أمني وسياسي وتدهور اقتصادي في كافة مناحي الحياة، وأكدوا أن الأموال المحلية أيضا هربت من البلاد نتيجة لسياسات البنك وصندوق النقد الدوليين في الآونة الاخيرة والتي عملت على رفع كلفة التمويل مع ارتفاعات كبيرة في التضخم واستحسنوا ثبات أسعار الصرف، إلا أنهم قالوا إنها لن تثمر إيجاباً في ظل الأوضاع المأزومة.
ويقول أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية محمد الناير، لـ”العربي الجديد”، إن السودان يمتلك إمكانيات تشجع دول العالم للاستثمار فيه لتأمين الغذاء، خاصة بعد بروز الأزمة الروسية الأوكرانية، مضيفاً “لكن بصورة كبيرة تكمن المشكلة في القوانين التي تعتبر مشجعة نوعاً ما، ولكن التعديلات التي تصاحبها من حين لآخر أمر غير إيجابي”.
ويقول الناير إن “الواقع يؤكد تناقص حجم الاستثمارات، وإنه لا توجد استثمارات جديدة، وإن الإحصاءات المتاحة قديمة، وما ثبت منها يعاني من عقبات وإشكالات، وحتى المستثمر السوداني وجد نفسه خارج نطاق الامتيازات لكثرة التعديلات والمشكلات المحلية.
وأشار الناير إلى أن تطبيق روشتة صندوق النقد الدولي، التي عملت على رفع أسعار السلع ورفع تكاليف الإنتاج، أعاق استمرار دخول الأموال والاستثمارات الجديدة، وأصبح الاستثمار يواجه مشكلة بعد رفع أسعار المحروقات التي جعلت السودان الأعلى سعراً في المنطقة، في حين أن الرواتب لا تعادل 5% مما يتقاضاه العاملون في البلدان الأخرى.
واتخذت الحكومة أخيرا عدة طرق لجذب الاستثمارات، من بينها إنشاء تأمين للاستثمار والعمل بنظام البوت BOT والاستثمار المباشر، وتحريك الشراكة مع المستثمر حتى تكون هناك مكاسب مشتركة بين الطرفين، ووضع استراتيجية متكاملة للاستثمار روعيت فيها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
وتعاني مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر من مشكلة الطاقة وضعف البنية التحتية، ومنعت أزمة الطاقة الكثير من المشروعات من تحقيق المأمول منها، سواء كانت في قطاعي الصناعة أو الزراعة أو حتى الخدمات، والأمر الآخر يتعلق بضعف البنية التحتية من طرق وجسور، ظل المستثمرون يعانون منها، وانعكس ذلك في ارتفاع كلفة النقل.
ولم يقتصر الأمر على مشكلة النقل، لكن الخطير الذي واجه المستثمرين ليس النقل فقط وإنما مشكلة موانئ السودان، فعندما يرغب مستثمر في استيراد معداته ومدخلات إنتاجه أو تصدير منتجاته، فإن تأخر الإجراءات وتعسر المناولة التي تتأخر لشهور تقوض مكانة السودان في جذب الاستثمارات.
ورأى الاقتصادي الزين إبراهيم أن سبل الاستثمار الأجنبي المباشر تقطعت ما بين تنازع المركز والولايات في فرض رؤاها على المستثمر وكانت النتيجة تعرض المستثمرين لازدواجية المعايير ودفع الرسوم مرتين، ولربما الدفع لخدمة لم تقدم أصلاً، وقال إن هذا يتطلب التنسيق بين المركز والولايات في ما يلي قضايا الاستثمار وإيجاد حلول واقعية لمعوقات مزمنة.
ولكن الباحث عمر توفيق ينبه إلى أن “المستثمرين عانوا طيلة فترة حكم الإنقاذ من فرض الرسوم المضاعفة والمصادرة من قبل أعوان النظام، لكنهم خلال فترة ما بعد الثورة والتي شهدت حالات انتكاس في الاستقرار السياسي ألقت بظلالها عليهم”، وأضاف أن تنازع شركاء الحكم المدني والعسكري من القمة وانتهاء بولاة الولايات ظهرت نتائجه بتوقف الاستثمار الأجنبي المباشر.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...