الطاهر ساتي يكتب: ثمن النضال..!!
إليكم …………
:: ما خَفِيَ أعظم، ما ظهر للناس، هو ما يلي: أعلنت أسرة قائد ومؤسس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم، عن رفضها استلام عربة خصصتها لها الحركة (هدية)، واعتبرت الحركة أن ذلك تم بناءً على اتفاقية جوبا التي تسمح للحركات بتوفيق أوضاع منسوبيها.. وكانت وسائل التواصل قد ضجت بوثيقة صادرة عن وزارة المالية، وفيها توجيه لإدارة الموانئ بإعفاء العربة من رسوم أرضيات الموانئ، والبالغ قدرها (562,000 جتيه)، أي ينقص عن الألف دولار قليلاً..!!
:: موقف أسرة الراحل خليل مُشرّف، ولكن يبدو أن وزير المالية جبريل إبراهيم بحاجة إلى تذكيره بقصة فرسان عمر.. بعد انتصاره على الفرس، عاد الجيش فرحاً إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. وكان الجندي منهم يقدل مزهواً بالانتصار.. اصطفوا أمام الفاروق بملابس جلبوها من بلاد فارس، وكانت فاخرة.. وظنوا أنه سيفرح بلقائهم ويشكرهم على تضحايتهم وانتصارهم.. ولكن خاب ظنهم، إذ فأجاهم الفاروق بمشاعر أخرى.. لقد أدار عنهم وجهه، ولم يهتم بهم..!!
:: فاللقاء كان صادماً للجنود، لأن الفاروق لم يفرح بلقائهم.. فذهبوا لابنه – عبد الله رضي الله عنه – وسألوه عن سر حزن وجفاء والده بعد تضحياتهم في بلاد فارس.. ولأن الابن يقرأ أفكار أبيه، نظر عبد الله إلى ملابس الجند الفاخرة، ثم خاطبهم: (إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباساً لم يلبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه)، فهرول الجنود إلى بيوتهم.. وبدلوا ثياب فارس الفاخرة بثيابهم المتواضعة، وأودعوا الثياب الفاخرة في بيت مال المسلمين، ثم عادوا واصطفوا أمام الفاروق مرة أخرى..!!
:: وهنا، فرح الفاروق وعانقهم رجلاً رجلاً، كأنه لم يرهم من قبل، فوضعوا بين يديه غنائم المعركة، وكان منها (الخبيص)، وهو طعام من السمن والتمر.. ومد الفاروق يده إلى الخبيص وتذوق طعمه، وعندما وجده حلو المذاق، أمر بتوزيعه إلى أبناء الشهداء، ثم غادرهم، فأدمعت مقل الجيش وهي تحدق في ثياب أمير المؤمنين، إذ كانت بها أكثر من (رُقعة).. تلك حكاية إسلامية قديمة، ولكن مغزاها يصلح لكل زمان ومكان.. أصحاب القضية هم الذين يتقدمون صفوف البذل والعطاء في سبيل الانتصار لقضيتهم، ثم يستديروا إلى ما وراء بعد الانتصار، ليتساووا مع شعوبهم في الحقوق والواجبات..!!
:: والعربات والحاويات ومثل تلك الرسوم – الف دولار – وغيرها ليست ذات قيمة في حياة الناس حين تكون القضية هي الوطن.. ولن يحزن الشعب على تلك الأشياء، استحقاقاً كان أو استهبالاً، بل لو كان هذا الشعب الكريم على يقين بأن القضية التي خرج من أجلها جبريل إبراهيم محارباً هي (عربات وحاويات) مع إعفائها من رسوم الموانئ، لما بخل بها عليه قبل خروجه، ولما كان ثمنها شهداء وجرحى وأسرى وخراب ديار.. كان عليه توفيق أوضاع أهل دارفور، بحيث ينعموا بالسلام والخدمات، وذلك قبل توفيق أوضاع منسوبي حركته بالإعفاء من الرسوم، ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم..!!