من قصص الفنانين.. مابين “الكابلي” والأستاذ كرف أبو كرباج..
أيام زمان ومبدعو زمان، حينما غنى الكابلي ضنين الوعد ، تأبط الأستاذ كرف كرباجه، سوف يظل السودان من أثرى وأغنى البلاد العربية بالشعر والقصيد الرصين، وهذا بشهادة عباقرة الأدب والشعر ، مثل شوقي والعقاد إلى فاروق شوشة وغيرهم ، تعتبر رائعة الشاعر المتميز صديق مدثر (ضنين الوعد) من روائع ذلك القرن المنصرم ، وهي كتبت في العام 1968. احتفى واحتفل بها كل عالمنا العربي ، لِما فيها من صدق المشاعر وجزالة المعنى ، ورصانة التعبير ، وسعة الخيال ، مما مكنها أن تتربع صدارة ديوان الشعر العربي بكل جدارة..
وللقصيدة طرفة وحدث موثق لمرحلة رقي وسمو شعبنا السوداني المثقف، بل المترع بالثقافة والذوق الرفيع..
حكى المبدع الراحل عبد الكريم الكابلي عن الضجة اللغوية التي صاحبت نشر وإذاعة قصيدة ضنين الوعد، قال :
لما غنيت الأغنية عبر الإذاعة السودانية، فرح وطرب لها أهل السودان طرباً أدهش كل المراقبين، ولكن بينما أنا في مناسبة كبيرة انتحى بي الاستاذ اللغوي الكبير والشاعر الضخم الأستاذ محمد عبد القادر كرف، وقال لي وهو ممسك بيدي :
ياعبد الكريم العملتوه إنت وصديق ده شنو؟، كيف تقولوا يا ضنين الوعد.
الصحيح: ( ياضنيناً بالوعد)
كلم صديق قول ليهو ( أ. كرف) ما درسك الفعل اللازم والمتعدي..
قال : تركت كل شيء و هاتفت صديق مدثر ، الحق الحق ياصديق في مصيبة وقعت وحكيت ليهو الحكاية كلها فقال لي :
يا كابلي صحيح دي فاتت علينا كلنا كيف ، عدل عدل؛ عدلنا القصيدة .
وأعدنا تسجيلها مرة ثانية، وقلت لصديق مدثر ، لابد من ملاقاتك الأستاذ كرف والاعتذار له، ضحك طويلاً وقال لي :
يا كابلي مابقدر ، ده ياخي لسه شايل الخيزرانة الكان بجلدنا بيها، عاوزو يقوم يجلدني قدام الوليدات فضحكنا وانصرفنا..
(وفي عيني المنى
قالها الدمع فما أبصرت شيئا)
قلت ، للأستاذ كابلي في حواري معه، الملاحظ الدقيق يلاحظ أنك حينما تغني هذه القصيدة تؤديها بالصيغتين :
يا ضنين الوعد..
ويا ضنيناً بالوعد..
قال لي نعم قصدت من ذلك التوثيق لهذا الحدث حتى تتعلم الأجيال وتدرك بأنه لا كبير على التصحيح والتصويب .
لله دركم ، أ.كرف وصديق مدثر ، والكابلي عليهم الرحمة والمغفرة..
والقصيدة تقول :
يا ضنين الوعد
أهديتُكَ حُبي
من فؤادٍ يحملُ الحُبّ نديا
إن يكن حسنك مجهول المدى
فخيالُ الشعرِ يرتادُ الثريا
كلما أخفيته بالقلب
تُنبِئُ عنه عيناكَ ولا يخفى عليَّا
أنا إن شئتُ فمن أعماقِ قلبي
أُرسِلُ الألحانَ شلالاً رويا
وأبُثُ الليلَ أسرار الهوى
وأصوغُ الصبحَ ثوباً بابليا
لا تقل إني بعيدٌ في الثرى
فخيالُ الشعرِ يرتادُ الثريى
يا ضنيناً بالوعدِ
كان بالأمسِ لقاؤنا عابراً
كان وهماً …
كان رمزاً عبقريا
كان لولا أنني أبصرته
وتبينتُ ارتعاشاً في يديّا
بعض أحلامي التي أنسجها
في خيالي واناجيها مليا
ومضةٌ عشتُ على إشراقها
وانقضت عجلى
وما أصغت إليّ
كلمةٌ خبأتها في خافقي
وترفقتُ بها براً حفيا
من دمي غذيتُها
حتى غدت ذاتَ جرس
يأسرُ الأذنَ شجيا
وافترقنا وبعينيّ المنى
غالها الدمعُ فما أبصرتُ شيئا
إن تكن أنت جميلاً
فأنا شاعرٌ يستنطقُ الصخرَ العصيَّا
إن تكن أنت بعيداً عن يدي
فخيالي يُدرك النائي القصيَّا